بين اجتماعات كثيفة متعاقبة توزعت بين السرايا الحكومية والقصر الجمهوري وإغراق كلامي في التعهدات والالتزامات والوعود والمواقف الجديدة – القديمة ولا سيما منها تلك التي فاضت عن اجتماعات السرايا، بدت الدولة والحكومة غداة موجات الشغب التي شهدتها بيروت كأنهما في سباق مع المزايدة على المواطنين عموماً كما مع المنتفضين والثوار في كل ما يتصل بالأزمات الأمنية والمالية والاقتصادية والاجتماعية. واذا كانت الاجتماعات الكثيفة التي تلاحقت منذ الصباح حتى المساء تمحورت في شكل رئيسي على الفلتان الأمني المثير للمخاوف الذي حصل في بيروت وطرابلس، فإن المفارقة الغريبة اللافتة التي واكبت المواقف والقرارات الصادرة عنها تمثلت في أن كبار المسؤولين كانوا يطرحون التساؤلات عن خطورة ما حصل في الأيام الأخيرة تماماً كما الناس، بينما كانت تشارك في الاجتماعات كل القيادات العسكرية والأمنية والأجهزة الأمر الذي من شأنه أن يثير مزيداً من الشكوك والغبار الكثيف حول جدية التعهدات الكلامية التي استسهل المسؤولون اطلاقها.
كما أن المفارقة الأخرى التي أبرزها يوم الاجتماعات الماراتونية تمثلت في حاجة العهد والحكومة الى ما يتجاوز توحيد الأرقام المالية في عملية المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي عادت الى الواجهة مع معاودة اللجنة الفرعية لتقصي الحقائق المنبثقة من لجنة المال والموازنة اجتماعاتها أمس من أجل توحيد الأرقام. اذ بدا واضحاً من خلال “اعلان” رئيس الوزراء حسان دياب أمس “بدء الحرب على الفساد”، أن ثمة ثغرات كبيرة وجوهرية في الخطاب الرسمي حيال مسائل الفساد والأزمات المالية من شأنها كشف الخلل المتسع في مواقف المسؤولين الى حد دفع الكثير من الأوساط المعنية الى التساؤل عما يعنيه دياب في اعلان الحرب على الفساد، فيما العهد الذي أمضى ثلاث سنوات ونصف سنة حتى الآن لا يترك سانحة الا ويذكر عبرها أنه “عهد مكافحة الفساد”؟ وماذا يعني كل ما سبق كلام دياب من ضجيج سياسي واعلامي واجراءات وتحقيقات قضائية وتوقيفات وسواها من أمور ربطت بشعارات الاصلاح ومكافحة الفساد؟ بل ماذا عما وصفه دياب نفسه في مرور مئة يوم على تشكيل حكومته بـ”الانجازات” ومنها ما يتصل بمكافحة الفساد؟
اذاً، بين المحور الأمني والمحور المالي والرقابي توزعت الاجتماعات وكان أبرزها اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا. وبعد عرض قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الأوضاع والاحداث والتطورات الأمنية الميدانية، تقرّر تكثيف التنسيق والتعاون بين الأجهزة وتبادل المعلومات في ما بينها لتفادي أي أعمال تخريبية بحجة مطالب معيشية محقة والتشدّد بعدم التساهل مع المخلّين بالأمن والنظام. كما تطرّق المجلس الى الكميات المستهلكة من المحروقات في السوق المحلية وسبل معالجة الخلل بين الطلب والعرض، وكلّف وزراء المال والطاقة والمياه والاقتصاد والتجارة رفع الاقتراح اللازم الى مجلس الوزراء. وأفيد عن معلومات دقيقة متوافرة لدى الأجهزة الأمنية عن المحرضين والممولين والمخطّطين وسيُعلن عنهم فور استكمال المعطيات.
وتحدث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن الأعمال التخريبية التي حصلت أخيراً، لافتاً الى “أن هذه الأعمال التي اتخذ بعضها بعداً طائفياً ومذهبياً بالاضافة الى الاستهداف الممنهج للقوى الأمنية والعسكرية، أمر لم يعد مقبولاً وينذر بمضاعفات خطيرة”. وشدّد على “ضرورة اعتماد العمليات الإستباقية لتوقيف المخططين والمحرضين للأعمال التخريبية للحد منها ومنع تكرارها”. في حين رأى الرئيس دياب أن “ما يحصل في البلد غير طبيعي وواضح أن هناك قراراً في مكان ما داخلي أو خارجي أو ربما الإثنين معاً للعبث بالسلم الأهلي وتهديد الاستقرار الأمني”، و”ما يحصل يحمل رسائل كثيرة وخطيرة ولم يعد مقبولاً أن يبقى الفاعل مجهولاً… زعران يستبيحون الشوارع ويدمرون البلد ومؤسساته والدولة تتفرّج، لماذا؟ هذه ليست احتجاجات ضد الجوع والوضع الاقتصادي، هذه عملية تخريب منظّمة، يجب أن يكون هناك قرار حاسم وحازم بالتصدي لهذه الحالة التي تتزايد”.
ضبط “أمني” للدولار!
وفي الاجتماع الأمني – المالي الذي تانعقد صباحاً في السرايا، تطرّق المجتمعون إلى الآلية التي أقرّها مجلس الوزراء في شأن خفض سعر الدولار، وإعطاء الصلاحيات للمعنيين لتنفيذها، وتم الاتفاق على إنشاء غرفة عمليات في المديرية العامة للأمن العام لمتابعة الموضوع. وهي سابقة لم تعرف الأسواق المالية مثيلاً لها من حيث محاولة ضبط السوق بمراقبة امنية. وأكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التزام ضخ الدولار في الأسواق. كما تم تأكيد التزام الصرّافين المرخصين شروط نقابتهم، وتسليم الدولارات اليهم من مصرف لبنان لمنع وصولها إلى المضاربين أو تهريبها إلى الخارج…
ورأس دياب عصراً اجتماعاً للهيئات الرقابية قال فيه: “نحن اليوم أمام واقع فساد مستشر في البلد. في الإدارة اللبنانية، في البلديات، في المؤسسات العامة والمصالح المشتركة، في مرافق الدولة، والعالم كله يشترط على لبنان أن نكافح الفساد حتى يساعدنا. في الوضع الحالي، نحن متهمون أننا لم نُنجز شيئاً فعلياً. لكن هذا الموضوع صار على الطاولة، أولوية الأولويات عند الحكومة.
لذلك، أنا أعلن اليوم بدء الحرب على الفساد. هذه معركة طويلة، وستكون صعبة، وسنتعرّض فيها لاتهامات وتخوين وشتائم وحملات سياسية. ماشي الحال تعوّدناها من أول يوم تم فيه تكليفي تأليف الحكومة. سيحاول الفاسدون حماية أنفسهم بالعباءات السياسية والطائفية والمذهبية والمناطقية والعائلية. كل هذا لن يوقفنا عن متابعة هذه المعركة. سنقاتل فيها الى الآخر”.
المصالحة الدرزية
وسط هذه الأجواء، عقد لقاء مصالحة درزية – درزية بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان بعد التوترات الكبيرة التي شابت علاقتهما وأشاعت أجواء ساخنة بين أنصارهما عقب حادثي قبرشمون والشويفات وذلك بمبادرة من رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي استضاف جنبلاط وارسلان يرافقهما الوزيران السابقان غازي العريضي وصالح الغريب الى مائدة عشاء في عين التينة. وأفادت مصادر الرئيس بري أن لقاء جنبلاط وارسلان ينطلق من نقاط تجمعهما أكثر مما تفرقهما. وأفادت أن بري سيكمل مروحة اللقاءات في اتجاه شخصيات وأفرقاء آخرين في المرحلة المقبلة لأنه يرى أن لا خلاص من الأزمات والتحديات الكبيرة التي تواجه البلد إلا بالتمسك بالوحدة والدولة.
واكتفى جنبلاط لدى مغادرته والعريضي عين التينة ليلا بالقول “مبروك الصلحة “. وأعلن الوزير السابق علي حسن خليل ان المجتمعين “اتفقوا على تشكيل لجنة لمناقشة كل القضايا الخلافية المتعلقة بشؤون الطائفة الدرزية ومعالجة ذيول الحادثة المؤلمة “.