اسئلة عديدة مطروحة حول اللقاء الوطني للانقاذ المنوي عقده في قصر بعبدا يوم الخميس المقبل في ظل الوضع المتدهور والتخبط الحاصل في عملية معالجة الازمة القائمة لا سيما على الصعيدين المالي والاقتصادي.
وغداة توجيه رئاسة الجمهورية الدعوات لهذا اللقاء بدا ان هناك حذراً وتريثاً في حسم مواقف المعارضة باستثناء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي اعلن بصراحة ووضوح انه سيحضر اللقاء وقال «انا طالع ع بعبدا، وليش ما بدّي اطلع وانا اطالب بالحوار يومياً»؟
وقبل الدخول في تفاصيل «اللقاء الوطني» الذي سيعقد في قصر بعبدا، بدا لافتاً موقف فرنسا حيال الازمة اللبنانية حيث اعربت أعربت الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية انياس فان دير مول عن قلق بلادها ازاء التدهور الشديد للوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. وذلك في بيان جاء فيه: «في أعقاب أعمال العنف التي وقعت في الأيام القليلة الماضية ، يتعين على الجميع تجنب الإستفزازات والمحافظة على حق المواطنين اللبنانيين في التظاهر السلمي. تضع زيادة الحوادث السلطات اللبنانية أمام مسؤولياتها ، التي تكمن في المقام الاول في الاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب اللبناني، وتنفيذ من دون انتظار الإصلاحات الضرورية لانتعاش البلد ، وفقاً للالتزامات المتعهد بها في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في 11 كانون الاول الماضي.
اضافت «يتعين على الحكومة وجميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية تحمل مسؤولياتهم، من خلال اعطاء الاولوية لانطلاق عام للمصلحة العامة للشعب اللبناني قبل اي عمل اخر. فقط الأجراءات الملموسة ، التي طال انتظارها من السلطات اللبنانية كفيلة وحدها بتمكين فرنسا والمجتمع الدولي من مواكبة انتعاش لبنان.»
وشددت الناطقة باسم الخارجية «على تمسك فرنسا بسيادة لبنان واستقراره وأمنه ، وضرورة فصله عن الأزمات الإقليمية. ومن هذا المنطلق، تدعم فرنسا عمل «اليونيفل» وتدعو إلى الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن ، ولا سيما القراران 1559 و1701».
وختمت «ان فرنسا مستعدة لدعم لبنان مع شركائها وهي تقف اليوم ، كما في كل الظروف ، إلى جانب الشعب اللبناني».
وبالعودة الى «اللقاء الوطني»، تقول المعلومات وفق مصادر بعبدا فان رئاسة الجمهورية لم تتلق حتى مساء امس اي رد او جواب رسمي من اي من الذين وجهت اليهم الدعوة، لكن الاجواء مشابهة لتلك التي سبقت اللقاء السابق ما يؤشر الى ان الامور ذاهبة لانعقاد اللقاء يوم الخميس المقبل بمشاركة معظم الكتل المدعوة ورؤساء الجمهورية السابقون. اما رؤساء الحكومة السابقين فينتظر ان يحسموا امرهم مطلع الاسبوع المقبل.
وشهد اليومان الماضيان حركة ناشطة في اطار التداول بشأن هذا اللقاء، وبرز دور مميز للرئيس نبيه بري والنائب السابق جنبلاط من اجل العمل لتأمين مشاركة الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية والقوات اللبنانية ممثلة بالدكتور سمير جعجع.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة فان الدكتور جعجع الذي ركز على جدول اعمال اللقاء وانتاجيته، يتجه الى تلبية الدعوة كما فعل في اللقاء السابق باعتبار ان «القوات» تتجاوب مع الدعوات الموجهة من مؤسسات الدولة، مع التأكيد ايضاً على وجوب الخروج من المراوحة وعدم تحول مثل هذه اللقاءات الى مجرد لقاءات شكلية وغطاء للعهد والحكومة.
اما الحريري وفرنجية فيتريثان باعطاء جواب نهائي حتى مطلع الاسبوع المقبل. ويركز رئيس تيار المستقبل على تحديد جدول اعمال للقاء، مشدداً في الوقت نفسه على عدم تجاوز عمل المؤسسات.
اما رئيس المردة فيرغب بدوره ان تقترن مشاركته بمشاركة الحريري حرصاً على العلاقة الوطيدة بينهما وعلى ما وصفته مصادر مقربة منه تأمين المشاركة السنية التي يمثلها رئيس المستقبل.
ووفقاً للمعلومات فقد ركز الرئيس بري خلال لقائه بالرجلين على ضرورة تجاوبهما مع الدعوة، مشدداً على الحاجة الى التواصل وتعزيز الحوار المباشر بين كل الاطراف والقوى في هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي تحتاج الى تضافر جهود الجميع.
اما حزب الكتائب فانه فضل ايضاً التريث وعدم اعطاء جواب فوري. وتقول مصادر مطلعة ان رئيسه سامي الجميل ربما قرر هذه المرة المشاركة لطرح وجهة نظر الحزب في كل المواضيع بدءاً من الشأن السياسي وانتهاء بالوضعين المالي والاقتصادي وما بينهما.
وبالنسبة لباقي رؤساء الكتل النيابية فانهم سيشاركون في اللقاء وهم: تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل الذي سيكون له موقف من التطورات اليوم، كتلة التنمية والتحرير، كتلة الوفاء للمقاومة، كتلة نواب الارمن، كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي، كتلة النائب طلال ارسلان، كتلة اللقاء الوطني، كتلة الرئيس نجيب ميقاتي، ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي.
ماذا سيبحث اللقاء؟
تقول مصادر قصر بعبدا ان اللقاء سيتناول التطورات والوضع بشكل عام مركزاً على حفظ الاستقرار والسلم الاهلي خصوصاً بعد الاحداث التي سجلت مؤخراً.
وتشير الى ان الوضع يفترض عقد مثل هذا اللقاء الذي يساهم نجاحه في عملية الانقاذ.
وتقول المعلومات ايضاً ان اللقاء سيكون مفتوحاً لكل المواضيع الاساسية، ولن يدخل في التفاصيل، مشيرة الى ان الوضعين المالي والاقتصادي سيكونان في صلب المناقشات.
والجدير بالذكر ان اللقاء سيكون برئاسة رئيس الجمهورية وحضور رئيس المجلس والحكومة ورؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الحكومة السابقين ورؤساء الكتل النيابية، ونائب رئيس مجلس النواب.
وفي حين تشدد مصادر بعبدا على ان مجرد الدعوة لمثل هذا اللقاء هو خطوة مطلوبة للمساهمة في تحصين الاستقرار وحماية السلم الاهلي وان مثل هذا الامر هو لصالح كل الاطراف واللبنانيين جميعا.
اما مصادر في المعارضة فترى ان مثل هذه اللقاءات ستبقى غير مجدية اذا لم يتم التوافق على برنامج وخطوات محددة للانقاذ، وهو الامر الذي لا يبدو متاحا في الوقت الحاضر.
المفاوضات مع الصندوق
من جهة ثانية علمت «الديار» من مصادر مطلعة ان الاجتماعات التي عقدها لبنان مع صندوق النقد الدولي والتي تجاوز عددها الاربعة عشر اجتماعا، لم تدخل حتى الان في الحسابات والارقام ولم تتناول مباشرة المبلغ الذي يأمل لبنان الحصول عليه.
وقالت المصادر ان مسؤولي الصندوق ابدوا منذ البداية الاستعداد لمساعدة لبنان، لكنهم ركزوا في اكثر من اجتماع على تحقيق الاصلاحات المالية والادارية التي تضمن خروج لبنان من الوضع الذي ادى الى ازمته الاقتصادية والمالية.
وفي هذا السياق نقلت وكالة رويترز عن المتحدث باسم الصندوق ان النقاشات مستمرة مع الحكومة اللبنانية بشأن تمويل محتمل من الصندوق.
وكشف ان هذه النقاشات «تشمل قضايا معقدة (وليست النقاشات معقدة). وتتطلب تشخيصاً مشتركا لمصدر الخسائر المالية وحجمها، والتركيز منصب على سياسات واصلاحات تستهدف استعهادة الاستقرار.
وحول حجم القرض الذي يمكن للبنان ان يحصل عليه قال «انه من المبكر الان الحديث» عن حجم الموارد التي يمكن ان يتيحها الصندوق. فلا تزال المناقشات تركز على السياسات والاصلاحات اللازمة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي والنمو المستدام.
وعن اي اصلاح اول اساسي ينبغي استكماله قبل موافقة الصندوق على برنامج المساعدات اوضح المتحدث انه «لم نصل الى مرحلة النقاش حول اجراءات في ظل برنامج ممكن مع الصندوق ولا تزال المناقشات مركزة على خطة الحكومة والاصلاحات المقترحة، وهي امور معقدة تتطلب توافقاً في الاراء حول كيفية معالجة التحديات الصعبة بصورة فعالة وعادلة، وهناك حاجة لاصلاحات شاملة في مجالات كثيرة وهي تتطلب ان يتبناها ويتوافق عليها المجتمع ككل.
وساد في الاونة الاخيرة جو من الضبابية على مسار ومصير المفاوضات مع صندوق النقد خصوصا في ظل الوتيرة البطيئة للغاية التي تجري فيها النقاشات مع الصندوق، والغموض او عدم الوضوح في تفاصيل الاصلاحات التي يمكن ان يتم التوافق عليها معه.
وتوقفت مصادر سياسية امس امام ما ورد على لسان المتحدث باسم الصندوق وقوله «ان النقاشات مع الحكومة اللبنانية مستمرة بشأن تمويل محتمل من الصندوق»، وقالت ان هذا الكلام يعني ان لا ضمانات حقيقية لحصول لبنان في نهاية المفاوضات على القروض والمساعدات المالية التي ينشدها، هذا عدا عن ان الصندوق يطالب بشروط قاسية وواسعة بالنسبة للاصلاحات ومنها في ادارات الدولة وتخفيض حجم القطاع العام. وهذا ما لا يمكن ان تتحمله اي حكومة في لبنان لانه سيؤدي الى مزيد من المضاعفات الاجتماعية والمعيشية في البلاد.
ورأت هذه المصادر ان فرص نجاح المفاوضات مع الصندوق ليست كبيرة، وان مسار وطريق هذه المفاوضات طويلة وصعبة، وبالتالي لا بد للحكومة من التنبه وعدم حصر اهتمامها واعتمادها على صندوق النقد والتفتيش بل المبادرة الى التفتيش عن البدائل.
واشارت الى ان التوجه او الذهاب نحو الشرق ربما لا يشكل بديلا كاملا، ولكنه بطبيعة الحال يعتبر احد المصادر التي يمكن الاعتماد عليها لمواجهة الازمة المالية والاقتصادية في البلاد.
كنعان لـ «الديار» : فرص التفاوض اكبر
وفي غمرة هذه الاجواء الضبابية برز في اليومين الماضيين عامل ايجابي تمثل بانجاز لجنة المال والموازنة واللجنة المصغرة المنبثقة عنها درس مقاربات الخطة المالية والتوصل الى مقاربة واضحة للارقام بعد بروز خلاف في الحسابات والارقام بين الحكومة ومصرف لبنان.
ونشط رئيس اللجنة ابراهيم كنعان امس قبل تقديم تقريره في اليومين المقبلين الى رئيس المجلس نبيه بري فزار رئيسي الجمهورية والحكومة. وقال «ان هناك حرصاًَ ليكون العمل الذي قامت به اللجنة لمصلحة البلد من خلال مقاربات موحدة تؤدي الى ارقام واحدة، وهذا ما عملنا له».
واشار الى ان عمل المجلس لتوحيد المواقف هو من اجل ان تكون حجة الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد افعل، ولن يكون هناك ارقام متناقضة في المفاوضات بل رقم واحد نتيجة مقاربة مشتركة.
وردا على سؤال قال كنعان للديار انه سيقدم تقريره للرئيس بري خلال اليومين المقبلين وسيكون امينا للمداولات التي جرت بين جميع الاطراف ولطروحاتهم المختلفة. لكن الاهم سيتضمن المقاربات المشتركة التي تؤدي الى ارقام موحدة تظهر حجم الخسائر بشفافية ومعالجة تدريجية لها.
وعن الخطوة اللاحقة قال «اما الخطوة اللاحقة فهي بدء العمل على المعالجات والحلول بجلسات مستقلة، الهدف منها ايضا توزيع الخسائر على جميع الاطراف باستثناء المودعين».
وعما اذا كانت فرص التفاوض مع صندوق النقد ضعيفة قال كنعان: «فرص التفاوض قائمة اكثر من اي وقت مضى، وقد عبّر عن ذلك المتحدث باسم الصندوق اليوم مركزا على الاصلاحات والتشخيص المشترك لحجم الخسائر ومعالجتها ما يؤكد صوابية عملنا النيابي، وادعو البعض لوقف عملية التهويل والتخويف لحسن سير عملية التفاوض».
فوضى السوق
على صعيد آخر، استمر تنفيذ قرار ضخ مصرف لبنان كمية من الدولارات يوميا للصيارفة بغية توفير هذه العملة وضبطها في السوق على ضوء قرار مجلس الوزراء الاخير. لكن التطبيق بعدما يقارب الاسبوع لهذا القرار لم يؤد الى وقف سوق السوداء رغم جهود القوى الامنية.
وبدا المشهد امام محلات الصيارفة حجم الازمة من جهة والتخبط الذي سجل حتى الان في معالجة ووقف التدهور النقدي، وتجمع مئات المواطنين امام هذه المحال للحصول على مئتي دولار للمواطن الواحد مقابل السعر المحدد (3900 ليرة للدولار الواحد).
وذكرت معلومات ان تلاعبات تجري اكان على مستوى تسريب هذه الدولارات لبيعها في السوق السوداء بسعر يلامس الخمسة الاف ليرة للدولار، او على صعيد عمل بعض الصيارفة.
وفي ظل هذه الفوضى هذا الارباك الكبير استمر ارتفاع اسعار السلع والمواد الغذائية في المؤسسات التجارية، واستمرت معاناة المواطنين في تأمين اسباب عيشهم.