فيما البلد يرزح تحت ثقل الأزمة الاقتصادية والمعيشية دون أن تستطيع حكومة الوعود بلا تنفيذ أن تخطو خطوة واحدة ولو يتيمة على خط هذا الانهيار المخيف، ينعقد اللقاء الوطني الذي دعا اليه رئيس الجمهورية ميشال عون في القصر الجمهوري في ظل مقاطعة واسعة، وتقتصر المشاركة فيه من خارج أركان السلطة على الحزب التقدمي الإشتراكي واللقاء الديمقراطي ممثلين برئيس اللقاء النائب تيمور جنبلاط إيمانا بحاجة البلد في هذه الأوقات الصعبة الى الحوار، حيث ستحمل المذكرة التي سيقدمها النائب جنبلاط النقاط الاساسية السياسية والسيادية والاقتصادية والإصلاحية والمعيشية، وتعبّر عن صوت الناس بكل وضوح وبلا مواربة حرصا على جدوى الحوار والقناعة بضرورة المصارحة والعلاج الحقيقي.
وفيما ستكون مذكرة جنبلاط الصوت الخارج عن سياق الحضور وعن مسار جدول الأعمال، فإن مصادر متابعة للتحضيرات التي سبقت موعد اللقاء أوضحت عبر “الأنباء” أن الرئيس عون تمسّك بجدول الأعمال المتعلق بموضوع السلم الأهلي وعدم تضمينه العناوين المتعلقة بالأزمة الاقتصادية والمعيشية، وذلك بناء لطلب رئيس الحكومة حسان دياب تجنبا لما قد يحصل من انتقادات ضد سياسة الحكومة وفشلها في معالجة الأزمة المعيشية المتراكمة والانتقال من فشل الى فشل والحبل على الجرار.
مصادر كتلة “المستقبل” لم تجد في تبريرها عبر “الأنباء” لعدم مشاركة الرئيس سعد الحريري في هذا اللقاء أبلغ من البيان الذي صدر في أعقاب اجتماع رؤساء الحكومات السابقين ومرده لعدم قدرة السلطة على ابتكار الحلول التي تنقذ لبنان من أزمته الاقتصادية والمعيشية وعدم الشروع بالإصلاحات المطلوبة، متهمة فريق العهد “بالاستمرار في عملية السطو الممنهج على المؤسسات العامة عن طريق تزوير الحقائق والتحايل على الدستور كما جرى في ملف التعيينات والتشكيلات القضائية”.
مصادر المستقبل كررت رفض المشاركة بلقاء “لتعويم العهد والحكومة اللذين أوصلا البلد الى الانهيار، والجلوس معهم الى طاولة واحدة”، وقالت إن “الرئيس الحريري الذي استجاب لمطالب الثورة وقدم استقالة حكومته لا يمكنه ان يعطي هذا العهد شيكاً على بياض على انه يخشى عليهم من الفتنة، وهو يعرف جيدا من هم الذين يوقدون بنار الفتنة عند كل تحرك مطلبي”.
القيادي في حزب “الكتائب اللبنانية” النائب السابق فادي الهبر رأى في حديث مع “الأنباء” ان “لقاء بعبدا فشل قبل ان يبدأ، ولو كان هناك وعي أكثر لكان تم تأجيله الى موعد جديد وبعناوين مختلفة الأساس فيها استقالة كل من في السلطة وتشكيل لجنة ادارة تفليسة الدولة وتحديد موعد لانتخابات نيابية مبكرة تستعيد ثقة العالم بلبنان”، واصفاً الحكومة “بحكومة المستشارين المبهمين ومنذ تشكيلها لم نلمس أي ايجابية لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة”، متخوفا من عدم قدرة الدولة على دفع رواتب القطاع العام.
مصادر “تيار المردة” بررت مقاطعتها اجتماع بعبدا “بعدم تلمسها الخطر على السلم الأهلي كما جاء في نص الدعوة”، معتبرة ان “البحث خارج اطار الأزمة المالية والمعيشية الضاغطة هو هروب الى الأمام”.
من جهتها، مصادر تكتل “الجمهورية القوية” اكدت عبر “الأنباء” ما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بأن “لا خوف على السلم الأهلي فالذين قاموا بأعمال الشغب واستحضار الخطاب الطائفي والمذهبي هم اهل السلطة وليس غيرهم، وهذا الأمر لا يتطلب عقد لقاء وطني بل تكليف الجيش والقوى الأمنية بحفظ الأمن في البلد لأن المطلوب هو اعلان حالة طوارئ مالية وليس أمنية واعادة النظر بكل الاجراءات التي اتخذت ولم يُنفذ منها شيء”.
وقالت المصادر: “اذا لم تنفذ الاصلاحات وفي مقدمها الكهرباء فلن يحصل لبنان على أي مساعدة من صندوق النقد الدولي”.
توازيا، وبعدما غاب لقاء الأربعاء الأسبوعي بسبب ترؤس الرئيس نبيه بري اجتماعا طارئا لقياديي حركة أمل، حيث أطلق سلسلة من المواقف، أعربت مصادر عين التينة عبر “الأنباء” عن اعتقادها بأنه مجرد اللقاء “هو مسألة ايجابية خاصة اذا انعقد بحضور الرؤساء الثلاثة ورؤساء الكتل النيابية والرئيس ميشال سليمان والنائب تيمور جنبلاط”.
وقالت: “ربما تكون لرؤساء الحكومات السابقين أسبابهم لعدم الحضور، ولكن حتمًا سيكون لهذا اللقاء صدى إيجابياً قد ينعكس على الوضع بشكل عام”.
في مقابل هذه المواقف رأت مصادر التيار الوطني الحر في اتصال مع “الأنباء” ان التأكيد على عقد اللقاء بموعده المحدد “هو بحد ذاته يدل على عدم الرضوخ لشروط المقاطعين الذين كان همهم إفشال العهد وأي مبادرة لجمع الشمل، وعليه فهم أحرار اذا حضروا أم لم يحضروا، والمهم ان اكثرية القيادات الوطنية تتلمس الخوف على الاستقرار الامني من خلال مشاركتها في أي لقاء يصب في هذا المنحى”.
مصادر “الوطني الحر” لفتت الى ان لا مانع من عقد لقاء اقتصادي آخر في القصر الجمهوري “لأن الوضع الاقتصادي بلغ درجة عالية من الخطورة”.
التدهور الإقتصادي دفع الرئيس بري الى الدعوة لإعلان حالة طوارئ مالية واقتصادية، وقد عزت مصادر عين التينة أسباب الدعوة هذه إلى “الارتفاع المخيف في سعر صرف الدولار بعد فشل كل المعالجات، فمن الضروري أن يبادر الرئيس بري لدعوة المعنيين بالشأن المالي للقيام بواجباتهم قبل فوات الأوان”، آملة أن “تحرك هذه الصرخة الحس الوطني لدى المعنيين والمبادرة لاتخاذ خطوات صارمة للحد من الارتفاع الجنوني والمخيف لسعر الدولار.
وتعليقا على دعوة بري، دعا وزير الاقتصاد السابق آلان حكيم في اتصال مع “الأنباء” الى “ضرورة الاعلان عن خطوات عملية وقرارات جريئة وحاسمة فورا لوضع حد لهذا الفلتان في سعر الدولار”، معتبرا انه كان يجب الاعلان عن حالة الطوارئ منذ 8 أشهر لأن هناك ازمة خطيرة كان يجب التعامل معها بمسؤولية.
وسأل حكيم عن “مصير القرارات والاجراءات التي وعدت الحكومة بتنفيذها ولم تنفذ”، مضيفا “لكن للأسف فات الأوان ولا حل للأزمة في المدى المنظور”.