قبل انعقاده في قصر بعبدا قبل ظهر اليوم بنصاب سياسي وتمثيلي مبتور ومجتزأ، مع إصرار القصر على عقده، مني “اللقاء الوطني” بضربات قاصمة أمعنت في إفراغه من جدواه، خصوصاً أن العنوان العريض الذي أعلنت الدعوة الى الاجتماع تحته وهو مواجهة محاولات الفتنة في الشارع بدا كأنه صار عنواناً هامشياً تتقدمه أولويات شديدة الخطورة والإلحاح لم تجد متسعاً لها في دعوة القصر. سينعقد اللقاء برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري ومجلس الوزراء حسان دياب وممثلي تحالف العهد و8 آذار، فيما تقتصر المشاركة، من الجانب غير السلطوي على الرئيس ميشال سليمان ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط والنائب أكرم شهيب. أما المقاطعون والمعتذرون عن المشاركة فهم الرئيسان أمين الجميل واميل لحود ورؤساء الوزراء السابقون الأربعة سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية.
صورة الحضور والغياب وحدها تبدو كافية لتظهير المأزق الذي أوقع العهد “مبادرته” فيه اذ لم تحل المقاطعة الواسعة دون المضي في عقد “لقاء نصفي” لا تنطبق عليه مواصفات اللقاء الحواري والا لكان استقطب مشاركة واسعة وربما شاملة. أما الأسوأ من المقاطعة والغياب لمكونات سياسية وتمثيلية وحزبية كبيرة فيتمثل في تداعيات استباقية للاجتماع من شأنها أن تجعله مكشوفا أكثر أمام القضايا الأشد إلحاحاً التي توجب مراجعة مجمل سياسات العهد والحكومة والتحالف السلطوي الحالي. ذلك أن “اللقاء الوطني” المنتقص التمثيل ينعقد على وقع تصاعد أخطر التداعيات للإنهيار المالي المتدحرج بفعل التفلت المخيف في سعر صرف الدولار في السوق السوداء حيث باءت كل الاجراءات والتدابير التي تناوب على اتخاذها مصرف لبنان والحكومة ونقابة الصيارفة بالفشل في ردع القفزات المحلقة للدولار على حساب الليرة اللبنانية وبات متوسط سعره في الأيام الأخيرة لا يتراجع عن 6000 أو 6200 ليرة. هذا الارتفاع المتدحرج في سعر الدولار ارتد بواقعه المحموم على السلع الاستهلاكية وأشعل نار الأسعار التي بات ينوء تحتها معظم اللبنانيين بما ينذر بانعكاسات بالغة الخطورة في قابل الأيام ما لم تجترح تدابير أخرى فعّالة لتبريد الأسواق المحمومة.
قنبلة “القوات”
أما في التداعيات السياسية التي سبقت انعقاد لقاء بعبدا، فيمكن القول إن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع قد فجر القنبلة السياسية الأثقل إطلاقاً أمس وفاجأ الجميع بمستوى التصعيد الواسع الذي طبع هجومه على “المجموعة الحاكمة بجميع مكوناتها” من غير أن يستثني رئيس الجمهورية نفسه، فبدا جعجع كأنه وضع بيده أمس الحرف الأخير على نهاية التسوية الرئاسية، مدشناً مسار المعارضة القواتية الجديدة بالمطالبة العلنية بتنحي “المجموعة الحاكمة”. ورأى جعجع أن “بيت القصيد في هذه الدعوة هو أنها ما بين ذر الرماد في العيون أو محاولة تحميل الآخرين مسؤوليّة فشل هذه السلطة، وفي كلتا الحالتين من الطبيعي ألا نشارك”. وشدد على أن “المطلوب اليوم هو عقد اجتماع فوري للحكومة لتقوم باتخاذ أول قرار إصلاحي، فإن لم يكن اليوم وقت القرارات فمتى يكون؟ البلد يغرق بالفعل واليوم وقت القرارات وليس الكلام في حين أننا جلّ ما نشهده هو كلام، واستعراضات يليها كلام واستعراضات”.
ودعا “المجموعة الحاكمة إلى القيام بالأمر الوحيد الممكن القيام به اليوم إذا ما كانت هذه المجموعة تريد خدمة البلد وهو بكل صراحة أن ترحل. المجموعة الحاكمة الحاليّة أثبتت فشلها على الصعد كافة وأوصلت لبنان إلى مكان لم تستطع لا الاحتلالات ولا الغزوات إيصاله إليه… ليرحلوا قبل أن يلعنهم التاريخ أكثر بكثير مما لعنهم حتى الآن”. وأضاف: “إن لم ترحل المجموعة الحاكمة بعضها مع البعض فنحن لن نستفيد بشيء، يجب أن ترحل بأكملها وأنا لا أسمي أحداً بالتحديد وجل ما أقوله هو أنها يجب أن ترحل لتفسح في المجال لغيرها بالحكم ليس من منطلق “قم لأجلس مكانك” وإنما انطلاقاً من المكان الذي أوصلوا البلد إليه”.
وعلمت “النهار” أن وفد “اللقاء الديموقراطي” والحزب التقدمي الاشتراكي سيقدم في الاجتماع ورقة وصفت بأنها مهمة جداً وتتناول جلسات الحوار منذ 2006 وتمر بمحطات بارزة.
بري: سلة بلا قعر
وعشية لقاء بعبدا برزت مواقف لرئيس مجلس النواب لدى ترؤسه اجتماعاً لقادة حركة “أمل”، فقال: “يخطئ أي مسؤول لبناني الظنّ اذا ما اعتقد أن صندوق النقد أو أي دولة أو جهة مانحة يمكنها أن تقدم لنا المساعدة بقرش واحد اذا لم ننفذ الاصلاحات، وبصراحة إن العالم والمجتمع الدولي يعتبر أن لبنان “سلة بلا قعر” وقبل إقفال هذا “القعر” لن تكون هناك مساعدات”.
واعتبر أن “انهيار سعر صرف الليره اللبنانيه أمام الدولار الأميركي على نحو مشبوه ومنسق بات يفرض على الحكومة وعلى المصرف المركزي وعلى جمعية المصارف إعلان حالة طوارئ مالية وإعادة النظر بكل الإجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية فمن غير المقبول بعد الآن جعل اللبنانيين رهائن للاسواق السوداء في العملة والغذاء والدواء والمحروقات”.
واشنطن والمساعدات
وسط هذه الأجواء، أطلّت واشنطن على المشهد اللبناني، فصرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس بأن بلاده مستعدة لدعم الحكومة اللبنانية اذا نفّذت إصلاحات حقيقية وعملت بطريقة “لا تجعلها رهينة” لـ”حزب الله”. وقال في حديث الى الصحافيين إنه إذا اظهرت الحكومة اللبنانية استعدادها لاتخاذ مثل هذه الإجراءات فإن الولايات المتحدة والعالم بأسره سيساعدان في “نهوض”اقتصادها مجدداً.
وفي هذا السياق قال الناطق باسم السفارة الاميركية في بيروت مايكل بونفيلد لـ”النهار”: “نحن نعلم أن هذه الأوقات تُشكِّل تحديا للطلاب اللبنانيين، وكنا نفكّر في طرق يمكننا من خلالها تقديم المساعدة. هذه المساعدات ليست سوى واحد من الجهود العديدة التي نقوم بها للعمل على دعم قطاع التعليم في لبنان.
كذلك قال مصدر رسمي في السفارة الأميركية في بيروت لـ”النهار”: “إننا نود أن نؤكد أننا نقوم منذ عقود، بالاستثمار في لبنان والعمل على تحسين حياة الشعب اللبناني. لقد قدمنا، خلال السنوات الخمس الاخيرة فقط، ما يقارب الخمسة مليارات دولار من المساعدات، وإننا ما كنا لنقوم بهذا الاستثمار لو لم نكن ملتزمين نجاح لبنان. كما اننا، على مدى الأشهر الاخيرة، كنّا قد قمنا بتحويل أكثر من 16 مليون دولار لتلبية احتياجات الشعب اللبناني استجابة لوباء “كوفيد-19″.
وعن المساعدات للجيش اللبناني، أفاد المصدر أن”الولايات المتحدة تبقى ملتزمة تعزيز قدرة الجيش اللبناني على تأمين حدود لبنان والدفاع عن سيادته والحفاظ على استقراره. وخلال هذه السنة المالية، تقوم الولايات المتحدة بتقديم 105 ملايين دولار للجيش اللبناني في إطار التمويل العسكري الخارجي الذي يساعد في شراء المعدات والتدريب والعمليات”.
الى ذلك، تسلّم الجيش اللبناني أمس من السفير الفرنسي برونو فوشيه وفي حضور نائبة رئيس الوزاء وزيرة الدفاع زينة عكر، هبة فرنسية هي اربعة زوارق سريعة.