يسير لبنان في طريقٍ سريعٍ إلى الإنهيار وفق سياسات الإدارة المتّبعة حالياً، مع غياب أي بصيص أمل في آخر النفق في ظل العقبات والأزمات التي تظهر يومياً دون أي حراك للمعالجة وكأن البلاد تمتلك ترف الوقت. ويكاد لا يمر يوم لا يظهر فيه إنعدام التنسيق بين أطراف السلطة والقدرة على مقاربة الأمور بطريقة تخدم مصلحة لبنان، وما هي الفوضى التي أصابت ملف تصريحات السفيرة الأميركية إلّا خير دليل على ما بلغته حال أهل الحكم.
مسار الإنهيار العام يوازيه مسار تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، التي لم تثمر شيئًا بعد 18 جولة من النقاشات، ما يشير إلى أن الأمور ليست على ما يرام، وهو جوٌ عكسته الرئيسة التنفيذية لصندوق النقد كريستالينا جورجيفا منذ يومين حين قالت ان ليس لديها أي سبب حتى الآن لتتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان، فكيف يأتي التقدم والأرقام حتى اليوم تتغير كتغيّر سعر صرف الدولار؟
في هذا السياق، برزت أمس إستقالة المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني، وهو عضوُ في الوفد المفاوض مع الصندوق، وأحد واضعي أرقام الخطة الإقتصادية المالية التي قدّمتها الحكومة، وصححتها لجنة تقّصي الحقائق النيابية، مع الإشارة إلى انه ثاني مسؤول يستقيل ضمن الوفد المفاوض بعد هنري شاوول مستشار وزير المالية.
فشل المفاوضات
وأشارت مصادر مالية عبر “الأنباء” الى ان دوافع الإستقالة عدة، إلّا أن الفارق الكبير الذي ظهر في أرقام الحكومة وكشفته لجنة المال قد يكون عاملا أساسيا، والتي يتحمل بيفاني جزءاً من المسؤولية في هذا الاطار، كما أن التصريحات غير المشجّعة التي أتت على ذكرها الرئيسة التنفيذية لصندوق النقد قد تكون أحد الدوافع أيضا في ظل الفشل الحالي في المفاوضات نتيجة عدم تطبيق أي من الإصلاحات.
وبناء على ما تقدم، هل ما زالت الخطّة صالحة للتفاوض مع الصندوق؟
عجاقة: المطلوب حكومة تحظى بالثقة
في إتصال له مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، يفنّد الخبير الإقتصادي جاسم عجّاقة إستقالة بيفاني متوقّعا “عدم تأثيرها على مسلك المفاوضات لسببين، الأول يكمن في أن مفاوضة الصندوق تتم الوفد اللبناني مجتمعا وليس مع شخص واحد، والسبب الثاني عدم أهمية الأشخاص والوفود مقارنة بالقرار السياسي الغائب اليوم”. لكن عجاقة لا يستبعد “تأثير فارق الأرقام على إستقالة المدير العام التي تعني غياب الثقة”.
أما في ما خص مسار هذه المفاوضات، فقد رأى عجّاقة أن “الأمور لا تسير بالشكل الصحيح على الرغم من الاجواء الإيجابية التي تعكسها وزارة المالية، اذ عدم تطبيق أي من الإصلاحات المطلوبة وعدم لمس أي تقدم هي مؤشرات على فشل هذه المفاوضات، بعد 18 جولة”.
ويسأل عجّاقة عن “الأرقام ومشاريع القوانين التي جرى التفاوض عليها بين الطرفين، كقانون الـCapital Control وموازنات الأعوام الماضية، وإذا ما كانت هي البنود التي تعرقل هذه المفاوضات، إضافة إلى التشتت الحاصل لدى الطرف اللبناني لجهة الأرقام”، إلّا أنه يردها “لأسباب سياسية بحتة تتمثل بعدم توكيل الأطراف السياسية الحكومة على مفاوضة الصندوق بجدّية، إذ أن المفاوضات ليست فقط إقتصادية مالية، بل سياسية أيضا”.
وفي تفاصيل الأرقام، يرى عجّاقة أن “مقاربة الأرقام من قبل الحكومة كانت خاطئة، فيما مقاربة لجنة تقصّي الحقائق هي الأقرب للمنطق والعقل، وحتى للقطاع المصرفي، وعلى الوفد المفاوض الإعتماد عليها في نقاشه”، إلّا أن عجاقة أشار إلى ”عدم قدرة الحكومة الحالية التي فقدت رصيدها داخليا وخارجيا الإكمال في إدارة البلاد ومفاوضة صندوق النقد، والمطلوب اليوم حكومة جديدة تحظى بالثقة وتتبنى الأرقام الأخيرة لتبدأ مسار المفاوضة من جديد”.
ويختم عجّاقة حديثه مشددا على “ضرورة استعادة الثقة وتطبيق الإصلاحات توازيا، إذا لا مفر منهما في أي مسار إنقاذي تتخذه السلطة”، لافتا إلى أنه “من الممكن التوجه إلى حلول أخرى، لكن لصندوق النقد الأفضلية على الصعيد القانوني، والسياسي لتفادي أي صدام مع واشنطن”، مشيرا إلى “ضرورة البدء بمكافحة الفساد والهدر ومعالجة ملفات الكهرباء والتهريب وغيرها، لإظهار نوايا إصلاح فعلية تفرج عن المساعدات الخارجية، والأموال المخبّئة في المنازل اللبنانية التي تقدّر بـ8 مليار دولار”.
الحجار: بيفاني أخطأ
في السياق نفسه، يرى عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجّار أن “آلان بيفاني أخطأ ويتحمّل المسؤولية بقدر مشاركته في وضع أرقام الخطة المالية غير الدقيقة، إلّا أنه قد يكون بمثابة “كبش محرقة” اليوم لتبرير فشل العهد وحكومته في مفاوضات صندوق النقد”، لافتا إلى أن “المسار بأكمله غير سليم بشكل عام”.
وفي إتصال له مع جريدة “الأنباء”، يرد الحجّار فشل المفاوضات “إلى الخطة الحكومية التي تحمل أرقاما خاطئة وعدم مناقشة مجلس الوزراء المصارف ومصرف لبنان، كما للممارسات غير الإيجابية في التعاطي مع الملفات الأساسية، من الكهرباء إلى التشكيلات القضائية والتعيينات وغيرها”.
هاشم يأسف “لتخلّي البعض”
من جهته، أسف عضو كتلة التنمية والتحرير قاسم هاشم لتخلّي البعض عن مسؤولياته في اللحظات الحرجة والمصيرية في الواقع اللبناني، مشيرا إلى أن “لبنان مليء بالطاقات والقدرات”.
وفي إتصال له مع “الأنباء”، يرى هاشم أن ”بيفاني كان مسؤولا لمدة عقدين من الزمن، والمسؤولية هي في كل وقت من الأوقات وليست تبعا لظروف، ووجب السؤال اليوم وبعد تصريحه لماذا لم يواجه بيفاني مصرف لبنان بالأخطاء التي كانت ترتكب سواء بالهندسات المالية أو لجهة الإستدانة للدولة اللبنانية من موقعه كمفوض الحكومة لدى المصرف المركزي؟ فهو غير معفي من مسؤوليته”.
ويؤكّد هاشم أن “المفاوضات مرتبطة بالموقف اللبناني بشكل عام وليس بشخص محدد أيا كان موقعه، ومن المفترض أن يكون الموقف اللبناني يعبّر عن رأي حكومي”.
وتعليقا على إستقالة عضوين من الوفد، وإحتمال توالي الإستقالات لدوافع سياسية تكمن في عدم إنجاح المفاوضات، رأى هاشم أنه “لا علاقة للإستقالات بقرار مفاوضة صندوق النقد المتّخذ من قبل الحكومة اللبنانية والموافق عليه من مختلف الأطراف السياسية، والإستقالة هي حق شخصي تبعا للمعطيات”.
إجراءات تحمي الأفران والناس
وفي الشق المعيشي، وبعد أن عانى اللبنانيون شح الخبز يوم السبت بسبب عدم تسليم الأفران التجار، وجرّاء القلق الذي أصابهم خوفا من عودة السيناريو نفسه، طمأن نقيب أصحاب الأفران علي ابراهيم في إتصال مع “الأنباء” أن “الأجواء إيجابية مع وزير الإقتصاد، وهناك إتفاق جرى برفع إجراءات لمجلس الوزراء تحمي حقوق أصحاب الأفران والناس معا”، مستبعدا “عودة إنقطاع الخبز من السوق إلّا بحال عدم تجاوب الحكومة