وسط انسداد الافق اقتصاديا، يبدو «الانهيار» دون «كوابح»، في ظل الحصار الخارجي، والتآمر الداخلي، والارباك الحكومي، والعلاقة الملتبسة مع المصرف المركزي، وبعد تجاوز سعر صرف الدولار بالامس عتبة العشرة الاف ليرة،لا يبدو ان ثمة ما «يكبح» «السوق السوداء»، وكل الاجراءات تبدو «عقيمة»… تزامنا، تحرك الشارع من جديد «بنكهة» سياسية، وقطعت الطرقات في بيروت والمناطق، تحت عناوين مطلبية ومعيشية محقة، فالاقفال الجماعي للمؤسسات التجارية مستمر، والكثير من المواد التموينية باتت غير متوفرة، و«العتمة» ذكرت اللبنانيين بـ«زمن» الحرب»… وعلى الرغم من هذه المآسي، عاشت البلاد بالامس اجواء ضاغطة هدفت الى تهيئة المناخات لاسقاط الحكومة بعدما تضافرت جهود «المعارضة» «حزب المصارف»، مع اطراف سياسية مشاركة في الحكومة لخلق اجواء اوحت بأن ثمة قرار قد اتخذ باطاحة رئيس الحكومة حسان دياب، وما تبقى فقط «شوية» «رتوش» يجري العمل عليها قبل تصاعد «الدخان الابيض»، ليتبين لاحقا ان عملية «جس النبض» التي يقف وراءها «التيار الوطني الحر» بتغطية من الرئاسة الاولى، لم تكن سوى «اجتهاد» في غير مكانه بعدما ابلغ حزب الله كل من يعنيهم الامر بان الحكومة باقية ولا بديل عنها في الوقت الراهن… في هذا الوقت كان رئيس الحكومة حسان دياب «ينفتح» على الصين، ويرفع سقف خطابه مع السعودية والولايات المتحدة الاميركية منتقدا تحركاتهما الديبلوماسية في بيروت، بعدما «قطع الامل» من نجاح اي تواصل مع واشنطن التي ابلغت الفرنسيين صراحة انها لن تسمح بحصول الحكومة اللبنانية على اي مساعدة تخرجه من ازمته الاقتصادية، فيما يتحرك السفير السعودي على نحو «مريب» ويعمل على «محاصرة» الحكومة.
ووفقا لاوساط مطلعة على موقف حزب الله، لا تغيير حكومي في المدى المنظور، وكل ما حكي في هذا السياق مجرد ضغوط وشائعات تزامنت مع تحريك الشارع و«تورط» فيها بعض مكونات الحكومة، وساهم في تسويقها محسوبون على «العهد» وتكتل «لبنان القوي»…
لا مفاوضات مع الحريري
وفي هذا الاطار، تشير تلك الاوساط بان نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي لم يكن مكلفا من قبل القوى المشاركة في الحكومة بمفاوضة الرئيس سعد الحريري على شروط عودته الى «السراي الكبير»، وحصوله على «تغطية» رئاسية او من قبل «تكتل لبنان القوي» من عدمها، لا يغير من الوقائع شيئا، لان مسألة التغيير الحكومي لا «تطبخ» بحركات «بهلوانية» وتصريحات «لا تمت الى الواقع بصلة»، فثمة وقائع، وشروط، غير متوفرة بعد، ومنها ان اللاعبين الاساسيين وفي مقدمتهم حزب الله غير مقتنعين بأي تغيير حكومي في الوقت الراهن، وقد تم ابلاغ من يعنيهم الامر، بما فيهم رئيس الحكومة بأن كل ما يحصل غير جدي ومجرد ضغوط… وقد ترجم وزير الصناعة عماد حب الله هذا الموقف علنا باعلانه ان الحكومة لن تستقيل.
أسماء غير قابلة «للصرف»
ولذلك فإن كل الاسماء التي طرحت في الساعات القليلة الماضية غير قابلة للصرف، لا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ولا نواف سلام، وطبعا لا معنى لطرح اسم محمد بعاصيري، وفي المقابل، لا نية لرئيس الحكومة بالاستقالة، وهو لا يزال متماسكا ومستمراً بمواجهة الضغوط التي باتت مكشوفة من داخل حكومته وخارجها، وليس واردا ان يتخلى عن مسؤولياته طالما بقي حزب الله داعما له، وهذا الامر لم يتغير حتى الان…
وكانت الساعات القليلة الماضية قد شهدت حركة سياسية «نشطة» أوحت بأن التغيير الحكومي بات «قاب قوسين او ادنى» بعد ان خرجت زيارة نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، التي كانت مخصصة اصلا لتقديم كتابه الجديد، عن مسارها، عندما اعلن من «بيت الوسط» انه مع احترامه الكامل للحكومة الحالية، أعضاء ورئيساً، فإن مسألة إعادة النظر بالتركيبة الحكومية باتت أمراً لازما، وناشد الرئيس دياب أن يذهب باتجاه العمل من أجل تحقيق وتسهيل الأمر لإيجاد حكومة بديلة تساعد على إيجاد الحلول في المجتمع اللبناني… وقد حصل هذا الحراك على وقع تغريدة «مريبة» لرئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب قال فيها «ادعو الرئيس دياب للاستقالة قبل أن يسقطوه في الشارع، لأن مفاوضات تدور في المجالس المغلقة لتشكيل حكومة والخلاف على بعض التفاصيل. ودعوتي له دعوة محبّ لأنه رجل محترم…؟».
باسيل «يجس النبض»
في هذا الوقت، زار رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عين التينة والتقى الرئيس نبيه بري، وفيما كان الاجتماع مخصصا لإيجاد ارضية تفاهم حول الخلاف المتعلق بالتحقيق الجنائي في ارقام مصرف لبنان بعد علامات الاستفهام المثارة حول شركة «كرول»، افادت المعلومات ان باسيل استمزج ايضا فكرة التغيير الحكومي امام بري، بعدما اشتكى من تراجع انتاجيتها، متحدثا عن ضرورة الاتجاه نحو مسار آخر، لكنه فهم من رئيس المجلس ان الامور غير «ناضجة» بعد… ووفقا لمصادر «التيار»، فإن اللقاء تناول مروحة واسعة من المسائل ، وتم الاتفاق على مجموعة خطوات أبرزها قيام مصرف لبنان بما عليه لضبط تفلّت سعر صرف الدولار باعتباره شرطاً أساسياً لمنع حصول أي اضطراب اجتماعي ، وحثّ الحكومة على القيام بالإصلاحات المطلوبة والتعاون بينها وبين مجلس النواب حيث يلزم باعتبار ذلك حاجة لبنانية…
الحريري «يضع» شروطا «للعودة»؟
من جهته، اعلن الرئيس سعد الحريري في دردشة مع الاعلاميين ان لديه شروطاً للعودة إلى رئاسة الحكومة ونقطة على السطر، مشددا على انه لا يرغب بالعودة الى «السراي». وقال ان البلد يحتاج لطريقة مختلفة بالعمل كليا، واذا لم نخرج من المحاصصة وغيرها فلن يتغير اي شيء. واضاف: «لدينا أزمة اقتصادية والمطلوب اجراء إصلاح، وسمعت ما قاله الرئيس دياب الذي لم يتحدث عن الكهرباء والإصلاح، هو فقط يهاجم السلك الديبلوماسي الذي نحن بحاجة إليه من أجل مساعدة لبنان. وهاجم الحريري باسيل والتيار الوطني الحر، وتحدث عن موقف قاس جدا اذا كان العهد او رئيس الحكومة يفكران في إقالة رياض سلامة… واشار الحريري الى ان «النأي بالنفس لم يتم احترامه في حكومتي، واستمر فريق في انتقاد دول الخليج التي نطلب منها المساعدة»، وردا على ترشيح البعض محمد بعاصيري للحكومة قال: « لن أغطي أحدا قريبا مني لترؤس اي حكومة…».
دياب يتهم… ولا يسمي؟
في هذا الوقت، لم يصارح رئيس الحكومة حسان دياب اللبنانيين بهوية المتنمرين الحقيقيين على حكومته، لكنه وجه الاتهامات «يمينا ويسارا»، مؤكدا الاستمرار في المواجهة «غامزا من قناة» من يدعون الى الاصلاح في وقت يدعمون الفاسدين، وانتقد الديبلوماسية الاميركية والسعودية دون ان يسميهما بالاسم، فقال «سكتنا كثيرا عن ممارسات ديبلوماسية فيها خروق كبيرة للأعراف الدولية، والديبلوماسية، حرصا على علاقات الأخوة والانتماء والهوية والصداقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف بالعلاقات الأخوية أو الديبلوماسية. والأخطر من ذلك، بعض الممارسات أصبحت فاقعة في التدخل بشؤون لبنان، وحصلت اجتماعات سرية وعلنية، ورسائل بالحبر السري ورسائل بالشيفرة ورسائل بالـ«واتس آب»، ومخططات، وأمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل…».
وقال دياب «بكل أسف، هناك جهات في الداخل لا تهتم لمستقبل البلد وهي اما أدوات خارجية لإدخال لبنان في صراعات المنطقة وتحويله إلى ورقة تفاوض، أو هي تستدرج الخارج وتشجعه على الإمساك بالبلد للتفاوض عليه على طاولة المصالح الدولية والإقليمية»… ويلعبون لعبة رفع سعر الدولار الأميركي، والمضاربة على الليرة اللبنانية، ويحاولون تعطيل إجراءات الحكومة لمعالجة ارتفاع سعر الدولار. لعبة الدولار أصبحت مكشوفة ومفضوحة».
لماذا التصعيد مع واشنطن ؟
ووفقا للمعلومات، فان الموقف المتشدد من قبل رئيس الحكومة حسان دياب تجاه السفيرة الاميركية في بيروت دورثي شيا، جاء اولا للرد على ما صدر منها من دعوة «وقحة» لتغيير الحكومة، وثانيا، تدخلها العلني و«الفج» في الشؤون اللبنانية من خلال التحريض على شريحة واسعة من اللبنانيين، وعلم في هذا السياق ان رئيس الحكومة لم يكن راضيا لا شكلا ولا مضمونا عن اجواء لقاء السفيرة بوزير الخارجية ناصيف حتي الذي عمل على «تدوير الزوايا» بعدما استدعاها على «حياء» الى قصر بسترس حيث خرجت شيا وتعاملت مع الاعلاميين بطريقة غير لائقة معلنة انها «طوت صفحة الخلاف»، دون الاعلان عن التزامها بمعاهدة فيينا التي تنظم عمل البعثات الديبلوماسية…
ووفقا لاوساط مطلعة، لم تتوان السفيرة الاميركية في الايام القليلة الماضية عن التحريض على الحكومة عملاً باوامر من خارجيتها على اعادة «احياء» وتفعيل «اللوبي الخليجي» المعادي «للسراي» فالتقت السفيرين السعودي والاماراتي في بيروت، وابلغتهما قرار حكومتها بتصعيد الضغوط على الساحة اللبنانية، حيث جرى التداول في كيفية رفع مستوى التنسيق السياسي والعملاني لمواكبة سياسة التشدد الاميركي.
«الرسالة الفرنسية»
وفي هذا الاطار، تشير المعلومات الى ان رئيس الحكومة قطع «الامل» من امكانية الوصول الى تفاهمات الحد الادنى مع الاميركيين، وقد ابلغه الفرنسيون صراحة ان واشنطن ليست في وارد السماح لصندوق النقد الدولي بتقديم اي برنامج دعم لحكومته، ونصحوه بعدم الرهان على المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لانه سيكون مضيعة للوقت…
«التواصل» مع الصين…
وفي هذا السياق يأتي الاجتماع الوزاري الذي عقد في السراي الحكومي بالامس مع السفير الصيني في بيروت، وقد وجه رئيس الحكومة من خلال هذه الخطوة «رسالة» شديدة الوضوح الى دول الخليج والولايات المتحدة بان مروحة خياراته باتت مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن اتخذ قرارا باغلاق «الابواب» بوجه لبنان عليه ان يعرف ان ثمة «نوافذ» يمكن فتحها، واول «الغيث» استكشاف الرغبة الصينية في الدخول الى السوق اللبناني، وكذلك التعاون مع العراق، وسيكون للحكومة خطوات اخرى لاستكشاف النوايا الايرانية ايضا وكذلك الروسية، فالامر بحسب مصارد حكومية ليس «مناورة»…
وبعد اللقاء قال وزير الاشغال العامة والنقل ميشال نجار ان الصين مستعدة للتعاون والاسثمار من دولة الى دولة في الكهرباء، وسكك الحديد، والانفاق، والمحارق، والنفايات الصلبة، واشار الى ان الحكومة اللبنانية منفتحة على اي مساعدة من اي جهة تأتي، وعلم في هذا السياق، ان اجتماعات ثنائية ستعقد بين السفير الصيني والوزراء المختصين للبحث في كل قطاع، ووضع آلية عملية لتحويل الوعود الى واقع ملموس…
و«الانفتاح» على العراق
ووفقا للمعلومات، النية الحكومية جدية بالتعاون مع الصين والامر ليس «مناورة»، وفي هذا الاطار تم البحث في الاجتماع ، بمدى استعداد بكين للاستثمار في لبنان، وسيتولى وزير الصناعة عماد حب الله تنسيق العلاقات الثنائية، وسيعقد السفير الصيني اليوم اجتماعا مع وزيرالطاقة ريمون غجر، فيما يلتقي رئيس الحكومة وزير النفط العراقي، ووزيرالزراعة لبحث امكانية استيراد النفط من العراق مقابل منتجات زراعية وصناعية…
سلامة: السوق السوداء «ضئيلة»؟
وكان رئيس الحكومة ترأس جلسة لمجلس الوزراء في السراي شارك في جانب منها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، وقد طلب دياب من سلامة اطلاع مجلس الوزراء على خلفيات وحيثيات ما يحصل بتسعيرة الدولار ولماذا اجراءات المركزي لا تقدم نتائج ايجابية. وفيما يكتوي اللبنانيون بسعر الدولار الذي لامس الـ10 الالف ليرة بالامس، عرض سلامة لحجم السوق السوداء، وقال انها لا تمثل اكثر من 15 بالمئة، ولا سيطرة للمصرف المركزي عليها، مؤكدا ان 70 بالمئة من التعاملات تتم على سعر الدولار بـ1500ليرة، ونحو 15 بالمئة على سعر 3900، ووعد بتقديم تصوّر اليوم في الإجتماع المالي الأسبوعي مع رئيس الحكومة…
الدولار الى المصارف؟
وفيما «سخر» صفير ردا على سؤال حول وجوده في الجلسة قائلا انه «معزوم على كاس»، انتقل بعد الجلسة للقاء السفير السعودي الوليد البخاري، وتحدث خلال اللقاء عن جلسة «منتجة» مع الحكومة مؤكدا انه تم لاول مرة الاتفاق على رقم واحد للخسائر… ولفت صفير الى انه تم الاتفاق على عودة المصارف للعب دورها في تأمين الدولارات…
لا «عتمة» الاحد؟
من جهته دعا وزير الطاقة والمياه ريمون غجر اللبنانيين الى عدم شراء «الشمع» واشار الى ان ساعات التغذية ستتحسن بدءا من مطلع الاسبوع المقبل، نافيا ان تكون البلاد على موعد مع العتمة يوم الاحد المقبل، واشار الى ان «التقنين سببه عدم توفر الفيول، وتأخير تأمين الفيول سببه الموضوع القضائي بعد الحجز على الباخرتين»، مشيرا الى انه «في الأسبوع المقبل يفترض بدء تأمين الكمية الكافية من الفيول لشركة كهرباء لبنان».
الخلاف حول «كرول» ؟
في غضون ذلك، لا يزال الخلاف قائما بين الرئاسة الاولى المصرة على التدقيق الجنائي «المركّز» في المصرف المركزي ، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يرفض تكليف شركة «كرول» بهذه المهمة، وفي هذا السياق، ترى اوساط بعبدا ان الرئاسة الثانية لا تريد التدقيق من اصله، والاعتراض على هذه الشركة مجرد حجة لانها اصلا غير مدرجة ضمن قانون المقاطعة الذي يلتزم به لبنان، واذا كان ثمة اعتراض على شركة «كرول» فلماذا لم تكلف شركة اخرى؟ ام ثمة من يريد اخفاء المخالفات؟ في المقابل لم تنف اوساط تكتل التحرير والتنمية وجود ملاحظات حول «التدقيق» الجنائي، وتساءلت عن اسباب حصره فقط بالمصرف المركزي، لكنها اكدت ان المخاوف من قيام شركة «كرول» بتسريب المعلومات الى اسرائيل في مكانه وليس تجنيا… وفي الاطار نفسه علم ان حزب الله ابلغ من يعنيهم الامر انه لا يمانع اجراء «تحقيق جنائي» في حسابات مصرف لبنان واي مؤسسة اخرى…