من رحم المآسي والقهر الذي يغرق به اللبنانيون دون حول أو قوة، لأن متعهدي السلطة لا يفقهون فيه، ودول الخارج القريب والبعيد تستثمر في أزمة لبنان بدل الاستثمار فيه، كانت محاولة رفض موسيقية إنبعثت ليل أمس من معبد باخوس في بعلبك، تنشد أملاً بعودة لبنان.
لكن أرض الواقع في دوائر الحكم في بيروت ومحيطها، لم تكن وردية كأمواج موسيقى بعلبك وأضوائها، بل هنا كان التفنن في تركيب الصفقات مستمر، وجديدها انزال أسماء بالبارشوت على اقتراحات التعيينات المدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء غدا، اذ إن بعضها لم يمر بأي من مراحل آلية التعيين التي باتت قانوناً ملزماً.
وكما أبكى الحفل الموسيقي الذي أحيته “الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية” في بعلبك آلافاً من اللبنانيين حنيناً الى زمن جميل وحلم أجمل، فإن الأداء الحكومي السيء يبكيهم كل لحظة وجعا وجوعا. ولا آفاق لأي حل بفعل التخبط الحكومي في مقاربة الأزمة، وسياسة الهروب الى الأمام خوفا من مواجهة غضب الشعب ومصارحته بحقيقة الفشل في إنقاذ البلد كما وعدت في بيانها الوزاري.
وفي هذا الوقت دقت بكركي ناقوس الخطر فوجهت جملة رسائل للداخل والخارج وصلت الى حد مناشدة رئيس الجمهورية ميشال عون “فك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني اللبناني”، والطلب من الأمم المتحدة العمل على إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وإعلان حياده، معتبراً ان حياد لبنان هو ضمانة وحدته وتموضعه التاريخي في هذه المرحلة المليئة بالمتغيرات الجغرافية.
وبالتزامن مع صرخة البطريرك الراعي كانت صرخة مماثلة للمطران الياس عودة الذي سأل أهل السلطة “هل ينامون مرتاحين؟ وهل من تسلمتم مسؤوليتهم يموتون انتحارا؟”.
مصادر قصر بعبدا ردا على سؤال لـ “الأنباء” قالت إن كلام الراعي “يأتي من خلفية وطنية كما عودنا، وقصد بالمطالبة بفك أسر الشرعية أن لا يكون لبنان منتمياً لجهة دولية معينة، وهذا ما يحرص عليه الرئيس عون منذ ما قبل انتخابه رئيسا للجمهورية وما زال”.
وفي ما يتعلق بمطالبة الراعي الدول الصديقة نجدة لبنان، أملت المصادر أن “يكون كلام الراعي مسموعا”. وعن الحيادية أكدت المصادر أن “لبنان هو في الأساس بلد حيادي وليس تابعا لأي منظومة دولية، ولكن هناك مصالح بين الدول ولبنان مضطر أن يتعاطى معها بإيجابية بما يخدم مصالحه ومصالح الشعب”، مشددة على “العلاقة الجيدة بين البطريرك الراعي والرئيس عون”.
مصادر “التيار الوطني الحر” أشارت بدورها لـ “الأنباء” الى “العديد من المواقف التي تحدث عنها الراعي وتتلاقى مع مواقف التيار باستثناء بعض النقاط التي يلزمها توضيح وتحديدا حول ما إذا كان كلامه موجها الى حزب الله”. وأضافت: “إذا كان الموضوع يتعلق بالحزب فالعلاقات ليست مقطوعة بينه وبين بكركي وهناك زيارات في المناسبات. اما إذا كان المقصود غير حزب الله، فالمطلوب توضيح الأمر”.
مصادر بكركي أكدت لـ “الأنباء” أن ما قاله البطريرك الراعي “ينطلق من ثوابت بكركي وحرصها على سيادة واستقلال لبنان، وهي لا تطالب بأكثر من ذلك، وهذه المواقف جاءت بعد الحديث عن محاولة البعض جرّ لبنان الى خارج محيطه الطبيعي الذي أنشئ قبل مئة سنة على أساسه وتكرس بإعلان استقلال لبنان والإتفاق على أن لبنان سيد حر مسقل وذو وجه عربي، وفي وثيقة الطائف لبنان وطن نهائي لكل أبنائه ما يعني أنه غير تابع لا للشرق ولا للغرب”، ولفتت الى أن “بكركي مع المطالبة بحياد لبنان عن الصراعات من أي جهة كانت، ومقارنة الراعي بين لبنان الماضي الذي كان مدرسة الشرق وجامعة الشرق ومستشفاه الشرق وكذلك مرتعه السياحي، وبين الناس الذين يموتون جوعا ويفضلون الانتحار على حياة الذل والعوز، فهي حق لصاحب الرعية ان يسأل عن رعيته وخاصة بكركي التي أعطي مجد لبنان لها”، مؤكدة ان “بكركي ملزمة بالمطالبة بحقوق الناس والعيش بكرامة وهذا غير متوفر اليوم مع الأسف”.
وفي الشأن المالي مع ترقب سريان مفعول ضخ مصرف لبنان الدولار الى المصارف، أوضح الخبير المالي والإقتصادي أنطوان فرح لـ “الأنباء” أن ضخ الدولار الى المصارف “لا علاقة له بتراجع سعر الدولار، لكنه من الناحية التنظيمية يكون أفضل ويصبح تأمينه الى المصارف مريحا أكثر وخاصة إذا كان مخصصا للإستيراد”.
ورأى فرح أن “الميزة فيه أنه ينظم العمل ويخفف ولو بشكل جزئي من تداول الدولار في السوق السوداء”، مؤكدا أن “سعر الدولار سيبقى خاضعًا للارتفاع والهبوط كما حصل في اليومين الماضيين، ولن يكون هناك تغيير جذري في لعبة السعر والتداول. أما الميزة الثانية أنه يعطي دورا للمصارف يكون أكثر فاعلية”.
وفي ملف التعيينات، فثد أوضحت مصادر حكومية لـ “الأنباء” أن “الإتجاه يميل الى تعيين مجلس إدارة للكهرباء وتشكيل الهيئة الناظمة للقطاع، وقد تمرر بنفس الطريقة التي جرت فيها التعيينات السابقة من دون الرجوع الى الآلية التي أقرها مجلس النواب لأنها لم تصدر بعد في الجريدة الرسمية”، مشيرة الى أن المرشحين الى هذه المواقع ”هم بغالبيتهم من الفريق الذي تشكلت منه الحكومة مع بعض الاستثناءات مراعاة للشفافية والابتعاد عن المحاصصة”، على حد قول المصادر.