بعدما طويت «صفحة» الاستقالة الحكومية الاسبوع الماضي بعد وضع حزب الله «ثقله» لحماية حكومة «مواجهة التحديات» من «الحلفاء» قبل «الخصوم»، تستعد الولايات المتحدة الاميركية «لوجبة» جديدة من «الضغوط» على الساحة اللبنانية تزامنا مع رفع «سقف» المواجهة مع ايران التي تعرضت منشآتها النووية لسلسلة هجمات «غامضة» تحمل بصمات اسرائيلية- اميركية، وقد حذرت باريس بيروت من مرحلة جديدة من «الكباش» المفتوح على مصراعيه بعدما اخفقت واشنطن من خلال «الوجبة» الاولى من الضغوط في احداث تغيير حكومي لمصلحتها، وفي هذا السياق نصحت باريس بتقديم «وجبة» اصلاحية تساعد في «زحزحة» «تصلب» واشنطن المستاءة من نجاة الحكومة من السقوط، وذلك لمساعدة اوروبا بفتح «الابواب» امام تقديم دعم ولو محدود يساعد في وقف «الانهيار»… وفيما يتواصل «تفلت» سعر الدولار في «السوق السوداء»، ومع استمرار الحلول «الارتجالية» على وقع انهيارات متتالية في القطاعات الاقتصادية، تتجه الانظار اليوم الى جلسة مجلس الوزراء، المطلوب منها عبور «حقل الغام» تشكيل الهيئة الناظمة في الكهرباء، بعد تمسك التيار الوطني الحر بالتعديلات المقترحة التي تسحب الصلاحيات من «الهيئة» لصالح الوزير، وهو ما يعترض عليه اكثر من طرف وازن في مجلس الوزراء، فيما يبدو تعيين مجلس ادارة اكثر سهولة بعد الاتفاق على «المحاصصة».
في هذا الوقت، يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم في كلمة يحدد فيها «معالم المرحلة» المقبلة في ضوء المواجهة المفتوحة مع واشنطن على الساحة اللبنانية، ومن المقرر ان يتحدث عن مسار التطورات السياسية، والاقتصادية، والامنية التي تلت خطابه الاخير قبل نحو اسبوعين، وما تلاه من دخول اميركي مباشر على خط الازمة اللبنانية حيث بدأ «اللعب» من دون «قفازات» وعلى نحو «وقح»، كما سيكون له كلام في الشأن الحكومي بعد «الخضة» الاخيرة، وكذلك الوضع الاقتصادي حيث سيستكمل ما بدأه من كشف لرؤية حزب الله لمعالجة الازمة الراهنة، و«النوافذ» التي فتحتها الحكومة باتجاه الصين والعراق، وما يمكن ان تقدمه ايران للبنان، خصوصا بعد جولة السفير الايراني بالامس على وزيري الطاقة والصحة، وسط توتر متصاعد في المنطقة التي تشهد تصعيدا على كافة الجبهات…
تحذير من تصعيد اميركي
وفي هذا السياق، تشير أوساط ديبلوماسية الى ان الجانب الفرنسي لم يلمس اي «ليونة» اميركية تجاه الوضع اللبناني، خصوصا ان محاولة «جس النبض» الاخيرة لاجراء تغيير حكومي «يرضي» واشنطن «اجهض» خلال ساعات ولم تنجح حركة السفيرة الاميركية دوروثي شيا اتجاه السفيرين السعودي والاماراتي في تسويق هذا الخيار، بعدما ابلغ السفير الفرنسي برونو فوشيه نظيرته الاميركية بأن باريس التي نجحت في «تليين» موقف رئيس الجهورية ميشال عون ورئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل، لا تستطيع «خرق» «جدار» حزب الله المتمسك بالحكومة التي يمثل سقوطها بالنسبة اليه «هزيمة» سياسية خصوصا ان الاسماء المطروحة لرئاسة الحكومة «مستفزة» وشروط تشكيلها تفترض خروج الحزب من الحكومة، وهو امر مرفوض وغير قابل للتفاوض.
عجز اوروبا
ووفقا للمعلومات، ترجح باريس استمرار التصعيد الاميركي على «الساحة» اللبنانية وقد تم ابلاغ المسؤولين اللبنانيين ان الدول الاوروبية «عاجزة» عن اختراق الموقف الاميركي الذي يشكل جزءا من استراتيجية التصعيد في المنطقة، خصوصا ان الحكومة لم تقدم حتى الان اي خطوة «اصلاحية» يمكن تسويقها لمحاولة «تليين» الموقف الدولي، وقد نصحت باريس بيروت بالاقدام على خطوة ملموسة والبدء بقطاع الكهرباء كي «يبنى على الشيء مقتضاه»، وقد خاطب السفير الفرنسي احدى المرجعيات السياسية البارزة بشفافية قائلا له: «ارجوكم ساعدونا، افعلوا شيئا كي نتحرك» لاعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد. فيما تبدي باريس قلقها من لائحة عقوبات اميركية جديدة قد تشمل مروحة واسعة من الشخصيات اللبنانية.
هذه التحذيرات الفرنسية تتقاطع مع تصعيد اسرائيلي في الاجواء اللبنانية حيث تتزايد الخروقات الجوية كثافة في الآونة الاخيرة في ظل تزايد القلق من محاولة اسرائيل استغلال حالة الارباك في المنطقة لتوجيه ضربات مستهدفة «لاعدائها» ومنهم حزب الله الذي نجح في ايجاد توازن «للردع» بعد عملية «حي معوض» الفاشلة قبل اشهر حين وقف جنود الاحتلال على «اجر ونصف» على طول الحدود.
لماذا يقلق الفرنسيون؟
لكن ما يقلق الفرنسيين في هذا السياق، ليس فقط الاستهداف الممنهج الذي تعرضت له ايران في الايام القليلة الماضية، بعد تعرض عدة منشآت نووية «للتخريب»، بل مخاطر اتهام طهران لإسرائيل بالهجوم على المنشآت في نطنز وفورتشين، ووفقا لمعلومات الفرنسيين، فان إسرائيل تأخذ هذا الامرعلى محمل الجد، ووضعت منظومات الدفاع الجوية في حالة تأهب لمواجهة هجمات صاروخية محتملة من الاراضي السورية، وكذلك هجمات «سايبر» موجهة نحو منشآت حساسة، وعلى الرغم من اعتقادهم بأن الإيرانيين سيمتنعون عن مواجهة واسعة وشاملة مع الاميركيين والاسرائيليين الا انهم يعتقدون ان ردا ما في اطار التبلور لردع «اسرائيل المتورطة بالهجمات الاخيرة، ولاحراج ترامب قبيل الانتخابات، والارجح ان يحصل ذلك في سوريا او العراق». لكن يبقى الحذر قائما، بحسب اوساط معنية بهذا الملف، من احتمال اقدام الاسرائيليين على «خطوات» متهورة من خلال عمليات دون «بصمات» على الساحة اللبنانية، في اطار «ارباك» حزب الله الذين يعتقدون انه يمر في حال من «الضعف» بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان، وزيادة تحليق الطائرات المعادية في الاجواء اللبنانية يثير الكثير من علامات الاستفهام حول اهدافه.
الحكومة و«الغام» الكهرباء
وتتجه الانظار اليوم الى جلسة مجلس الوزراء في بعبدا، حيث تحط تعيينات مجلس ادارة الكهرباء والهيئة الناظمة، وتعيين خلف لمدير عام وزارة المالية المستقيل الان بيفاني على «طاولة» البحث… واذا كان المجتمع الدولي ينتظر بفارغ الصبر ان يتمكن اللبنانيون من حل هذا «اللغز» لوقف العجز في الخزينة، فان الامتحان الاساسي يبقى في عبور «حقل الغام» الهيئة الناظمة التي يصر التيار الوطني الحر على جعلها هيئة استشارية ونقل صلاحيتها الى الوزير. وفي هذا السياق، اعد الوزير ريمون غجر مشروع التعديل الذي يحول الهيئة الى مجرد «شاهد زور» على قرارات الوزير، وهو تلقى ملاحظات غير مشجعة من وزراء حزب الله وحركة امل الذين يصرون على اعطاء الهيئة صلاحيات واسعة لكي تكون فاعلة ولا يكون دورها «هامشيا»..
واذا لم يتم تذليل العقبات قبيل الجلسة فقد تتجه الحكومة الى تشكيل لجنة وزارية لدراسة مشروع الوزير غجر الذي تصر مصادره على ان التعديلات ضرورية لمصلحة القطاع لان الامر ليس استهدافا للهيئة بل لانها لن تكون قادرة على الاطلاع على الملف الكهربائي وتحتاج الى سنتين على الاقل لتصبح جاهزة، والكهرباء في لبنان لا تتحمل ذلك، ولهذا يجب ان تكون الصلاحيات بيد الوزير.
«سيطرة» وزير «الطاقة»
وتستنسخ هيئة الكهرباء، تجربة هيئة البترول، لناحية الصلاحيات المحدودة، التي تضمن سيطرة وزير الطاقة عليها، ولناحية وهي تراعي المحاصصة الطائفية بين الطوائف الرئيسية، وفي هذا السياق فان تعديل المادة السابعة يشير الى وجوب أن تنشأ الهيئة في وزارة الطاقة، وتكون قراراتها خاضعة للمخطط التوجيهي الذي تعده الوزارة، على أن ترفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الوزير للمصادقة عليها، ويشمل القانون وتعديلاته ايضا مصير مؤسسة كهرباء لبنان ومصير الموظفين، والأهم أنها تنهي دور الدولة في قطاعات الإنتاج والتوزيع، وتترك لها السيطرة الجزئية على قطاع النقل. والمحاصصة مؤمنة ايضا في الهيئة، وبحسب القانون الحالي فهي مؤلفة من رئيس وأربعة أعضاء، ولذلك، اضاف تعديل الوزير عضو واحد وجعل مدة التعيين 6 سنوات بدلاً من خمس.
التدقيق بحسابات «المركزي»
وفي ملف التحقيق بحسابات مصرف لبنان، تبدو الامور «سالكة» بعدما اقترح وزير المال غازي وزني اسم جديد لشركة تدقيق جنائي غير «كرول»، وهو بذلك «يقطع الطريق» على تشكيك التيار الوطني الحر بنوايا فريقه السياسي بممناعة اجراء هذا النوع من التحقيق في حسابات المصرف المركزي.
التقنين يهدد «قطاعات» حيوية
في غضون ذلك، ادى ازدياد التقنين الكهربائي الى تهديد قطاعي الاستشفاء والاتصالات، وعمدت مستـشفى رفيق الحريري الحكومي إلى وقف عمل المكيفات عن قطاعات ثانوية في المستشفى بسبب عدم توافر مادة المازوت، ومن جهتها وبعدما أعلنت هيئة «أوجيرو» أن خدماتها في بعض المناطق قد تشهد اضطراباً أو انقطاعاً في حال توقف أصحاب المولدات الخاصة عن تزويد بعض محوّلات وغرف الاتصالات بالطاقة، وذلك بسبب زيادة ساعات التقنين ونفـاد مادة المازوت. اعلنت الهيئة مساء امس انها تمكــنت من تأمين مادة المازوت لتسيير كافة المنشآت لمدة 3 اشهر.
هل ينخفض الدولار «الاسود»؟
في هذا الوقت، ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء مجددا وتجاوز الـ9000ليرة، في المقابل أعلن مصرف لبنان انه سيؤمن المبالغ اللازمة بالعملات الأجنبية لتلبية حاجات مستوردي ومصنّعي المواد الأساسية والأولية التي تدخل في الصناعات الغذائية على أساس سعر صرف 3900 ليرة، وهي تشمل مستوردي ومصنعي المواد الغذائية الاساسية والمواد الاولية التي تدخل في الصناعات الغذائية على ان يتم تقديم الطلبات للمصارف وتسديد قيمتها نقدا بالليرة اللبنانية الى المصرف الذي سيسلمها بدوره الى مصرف لبنان، ويقوم هذا الاخير بتحويل قيمتها بالدولار الى حساب المصرف المعني لدى المصرف المراسل المعتمد لديه. وعلم في هذا السياق ان السلة الغذائية المدعومة ارتفعت من 30 سلعة الى نحو 300 وهي تشمل عدة انواع من اللحوم، ومواد اولية لتربية الدجاج، واسماك، ومعلبات، وادوات يحتاجه المواطن في يومياته… وقد استبعدت مصادر مصرفية ان يؤدي هذا الاجراء الى تراجع سعر الدولار في السوق السوداء؟
متى تعود «المفاوضات»؟
في هذا الوقت لم يتحدد بعد موعد جديد لاستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعلم من مصدر مطلع، ان وفد الصندوق ينتظر بيانا واضحا من المصرف المركزي يقر من خلاله بارقام الخسائر التي تبناها صندوق النقد، والواردة في الخطة الحكومية، وعندها سيعلن عن موعد استئناف المفاوضات، ومن المقرر ان يعلل حاكم مصرف لبنان تراجعه عن ارقامه السابقة لتسهيل التفاهم والانتقال الى مرحلة معالجة الخسائر خلال ايام.