تمعن واشنطن في اتخاذ اجراءات مباشرة وغير مباشرة لتجويع الشعب اللبناني، بحجة التضييق على حزب الله واضعافه في الداخل، وتواصل سياسة التصعيد على لبنان وعلى مؤسساته في وقت يتعمق الخلاف اللبناني وتبرز انقاسامات سياسية حادة، والمؤسف ان بعض الاحزاب اللبنانية وجهات سياسية اعمى بصيرتها الحقد على حزب الله فلا تخجل من تضامنها مع الولايات المتحدة، رغم ان واشنطن تمارس العقاب الجماعي والدليل ان ليس فقط انصار حزب الله يواجهون الصعوبات المعيشية والاقتصادية بل جميع اللبنانيين يعانون الجوع من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب من اقصى الشرق الى اقصى غرب البلاد. والمحزن ان هناك جهات ومسؤولين لبنانيين لم تتعظ من التعامل مع الاميركيين ولم تاخذ عبرة من طريقة تعاطي واشنطن مع حلفاء لها باعتهم بين ليلة وضحاها. فهل هؤلاء المسؤولون والاحزاب الذين يدعون الوطنية والحفاظ على السيادة اللبنانية يحمون شعبهم بتجويعه وبترك واشنطن تتمتع بعذاب الشعب اللبناني ؟
في هذا السياق، قال السفير الروسي لدى لبنان الكسندر زاسبكين للدياران: «الممارسات الاميركية على لبنان تتوسع ومن الواضح ان التصعيد نهج استراتيجي تتبعه واشنطن بمعزل ان كانت هذه الاستراتيجية تؤدي الى تجويع شعب باكمله او الى انهيار بلد ما». وتابع ان هذه الاستراتيجية تعمل على احداث تغيير على المدى الطويل منها القضايا الاقليمية ومصير المنطقة مشيرا الى ان الضغوطات الاميركية ستستمر على لبنان. اما الاهم لدى السفير الروسي هو الجواب اللبناني على هذه الممارسات الظالمة الاميركية وكيفية التعاطي معها؟ وعليه، يرى ان كافة القوى والتيارات والاحزاب السياسية اللبنانية عليها ان ترفض التصعيد الاميركي لانه يهدد الشعب اللبناني كله. واضاف انه يجب ان يكون هناك حد ادنى لقاسم مشترك بين الجهات السياسية اللبنانية هو موقف لبناني موحد تجاه ما يواجهه البلد وعدم قبول الثوار او بعض الاحزاب بربط مطالب الاصلاحات والفساد للحصول على مساعدات مالية مقابل تسليم سلاح حزب الله.
ورأى السفير الروسي لدى لبنان ان الاميركيين يعتمدون العقوبات هدفا للوصول الى مبتغاهم ولذلك اسلوب استرضاء الخط الاميركي هو طريق غير صحيح لان في لبنان خطوط حمراء وان تم تجاوزها فهذا يعني الانزلاق الى الفتنة. واستطرد قائلا ان الحل لمواجهة الضغوطات الاميركية هو بالتضامن بين اللبنانيين الى جانب الارتكاز على نصيحة عامة عالمية اعتمدتها بلدان كثيرة عندما تعرضت لحصار او ضغوطات وهي ان يتخذ لبنان اجراءات اقتصادية من خلال تطوير القدرات الذاتية والاعتماد عليها كما تعزيز الشراكة مع اطراف اخرى على الصعيد العالمي تكون قادرة على مساعدة لبنان من بينها الخيار الشرقي.
من جهته، استبعد السفير الروسي الكسندر زاسبكين حصول حرب بين حزب الله واسرائيل لان كل الاطراف اليوم لا تريدها. فلا الولايات المتحدة او ايران او حزب الله او اسرائيل يريدون اندلاع حرب في المنطقة في الوقت الحالي.
في سياق متصل، قالت اوساط سياسية ان حزب الله يدرس مواقفه بدقة وهو الان في حالة ترقب للتطورات الاقليمية والدولية حتى موعد انتخاب رئيس للولايات المتحدة في تشرين الثاني ليبني على الشيء مقتضاه لان بعد الانتخابات سيكون هناك استراتيجية مختلفة في التعاطي مع مشاكل المنطقة .ذلك ان المرحلة التي تسبق الانتخابات الاميركية الرئاسية يتخللها الكثير من عرض عضلات واستخدام اوراق اقليمية لاستثمارها في الداخل الاميركي من قبل مرشحي الرئاسة. من هنا لا يريد حزب الله دخول لبنان في الفوضى عبر اسقاط حكومة او الاتيان باخرى لان هذه المرحلة الدقيقة تتطلب الصبر والتأني في اتخاذ اي قرار سياسي كما انه لا يريد التورط او الانزلاق باي معركة او مواجهة الان لا تصب في مصلحته.
اصلاحات في الكهرباء: تعيين مجلس ادارة جديد
داخليا، اقر مجلس الوزراء تعيينات لمجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان الامر الذي لقي ترحيبا في الداخل اللبناني وشكل رسالة ايجابية للمجتمع الدولي وخاصة صندوق النقد الدولي بان لبنان جدي وبدأ ورشته الاصلاحية.
وتشدد أوساط نيابية على ان التوافق ضروري وقد تم في مسألة الكهرباء لان الشغور في مجلس الادارة يعطي صورة غير حميدة عن الجدية في الاصلاح والبداية من الكهرباء.
وتكشف لـ«الديار» عن ان غياب التوافق منع من عرض الهيئة الناظمة للكهرباء، وتلفت الى ان عدم طرحها في جلسة الحكومة امس مرده الى عدم جهوزيتها التقنية وكذلك «الطائفية» لذلك التعيينات فيها مؤجلة حتى التوافق وقد يكون الاسبوع المقبل تفاؤل قد يفرج عنها.
وهنا نورد اسماء اعضاء مجلس الادارة الجديد لمؤسسة الكهرباء وهم :
ثلاثة اعضاء ينتمون الى التيار الوطني الحر:
* حبيب سرور: متخصص في المصاعد الكهربائية
* شادي كريدي يعمل في Indevco
* نسيب نصر، صاحب شركة Apav Bureaude Control
وعضوين للثنائي الشيعي
* حسين سلوم، مهندس كهرباء يعمل في مجلس الإنماء والاعمار
* علاء مكي يعمل في روسيا في محطة لتوليد الكهرباء
يذكر ان شروط العضوية لمجلس إدارة الكهرباء لبنان هي الإقامة الدائمة في لبنان، لذا علاء مكي ترك عمله في روسيا.
من جانبه، اعرب الخبير الاقتصادي سامي نادر عن خشيته من ان ما حصل حول تعيين مجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان يندرج في خانة الالتفاف على الاصلاحات والذي لن يؤدي الى نتيجة مرضية لا بل سيكبد لبنان المزيد من الخسائر. ولفت نادر ان لبنان اليوم تحت المجهر الدولي اكثر من اي وقت مضى فاي تذاكي على صندوق النقد او المجتمع الغربي ستنعكس تداعياته السلبية على الاقتصاد اللبناني المتأزم اصلا. وتابع ان تعيين الهيئة الناظمة امر اصلاحي ضروري ذلك انه يخلق سلطة تشكل توازنا مع سلطة الوزراة اي Check in balance . وشدد نادر الى ان الهيئة الناظمة يجب ان يكون لديها اصلاحات حقيقية لا وهمية لان التوازن بين السلطات هو مقياس بالغ الاهمية لمنع الاستئثار في القرارات ومنع الهدر وتنظيم الامور في مؤسسة كهرباء لبنان وغيرها.
وحول ازمة المحروقات وتقنين الكهرباء، كشف نادر ان سبب الازمة عدم وجود المال الكافي لتأمين المازوت الى جانب عمليات التهريب التي لم تتوقف والتي تكبد مصرف لبنان خسائر طائلة. واعتبر الخبير الاقتصادي ان لبنان لم يعد يمتلك الحرية او الهامش كما في السابق وهو الان في فوضى كبيرة فلا نعلم اذا تم دفع لشركة سوناطراك الدفعة الاخيرة لها ام لا ؟ ولفت ايضا الى ان ازمة السيولة تتفاقم ولا نرى اي معالجة فعالة في هذا المجال.
القوات اللبنانية: هناك جهات تسعى لوضع يدها على احتياطي مصرف لبنان
في غضون ذلك، قالت مصادر قواتية للديار بان حزبها هو الاعلم بان لبنان لا يملك ترف الوقت نظرا للازمة المالية المتفاقمة ولذلك اعطينا فرصة لحكومة دياب ولكن لم تستفيد من هذه الفرصة. وعندما رأينا ان الوضع ازداد سوءا مع مجيء هذه الحكومة بما انها لم تنجز اي من الاصلاحات المطلوبة وان اداءها كان افشل من الفراغ، قررت القوات اللبنانية المطالبة بحكومة جديدة لا يكون لهذه الاكثرية الحاكمة يد فيها وتكون قادرة على معالجة الازمة وفرملة الانهيار. وعليه ترى المصادر القواتية ان المرحلة تتطلب خطوتين: اولا تغيير حكومي لضمان تطبيق مشروع اصلاحي في البلد اما الخطوة الثانية فهي تعيين موعد لانتخابات نيابية مبكرة من اجل تغيير هذه الاكثرية الحاكمة. وهنا شددت المصادر القواتية على اهمية معرفة الرأي العام اذا كان سيعطي الشرعية للاكثرية الحاكمة التي اوصلت البلاد الى الانهيار المالي ام سيعطي الشرعية لفريق اخر من اجل اعادة انتاج سلطة جديدة.
وتأكيدا على كلامها حول اداء السلطة في التعيينات وفي ادارة المؤسسات, كشفت المصادر القواتية ان ثلاثة اعضاء في مجلس الادارة الجديد لمؤسسة كهرباء لبنان تابعين للتيار الوطني الحر. وقالت : هل يعقل ان قوى سياسية لا تخجل في ظل انهيار مالي وازمة كيانية وغير مسبوقة على كل المستويات ان تستمر هذه القوى بالمحاصصة في التعيينات؟ وهل يعقل ان لا يعين عضو مستقل في مجلس الادارة الجديد بدلا من ان يكون لديهم انتماء سياسي؟ والحال ان ما حصل يؤكد ان عدة قوى سياسية لم تتعظ من الثورة ومن الانهيار ومن الكارثة المالية بل ما زالت تعين الازلام والمحاسيب على حساب البلد والمالية العامة والاستقرار المالي والوطني. فلو كانت الحكومة حريصة فعلا ان تطل بشكل ايجابي امام الشعب اللبناني وامام صندوق النقد الدولي كان بامكانها ان تقول انها ستتبع الية واضحة وشفافة.
وحول التدقيق في حسابات مصرف لبنان، اعربت المصادر القواتية عن تأييدها لهذه العملية وايضا طالبت ان يشمل التدقيق باقي المؤسسات وليس فقط البنك المركزي. واشارت الى ان التعاطي مع شركات التدقيق يدل الى خلفية سياسية فهنالك من يتحجج بان هذه الشركة اسرائيلية متساءلة: «الم يعد هناك شركات تدقيق بديلة عن تلك المقترحة؟». وهنا رأت هذه المصادر بان هنالك جهات لا تريد التدقيق الحقيقي والفعلي كما يجب على جهات معينة ان تتطلع الى المستقبل ولا تبقى في الماضي فالطريقة التي يتعاطى بها المسؤولون اليوم لا تدل على مقاربة وطنية شفافة ولا حرص على المال العام.
وحول تقنين الكهرباء, كشفت المصادر القواتية ان هناك جهات تريد الاستفادة بكل ما يملكه مصرف لبنان من احتياطي وتسعى لاخذ هذه القدرة المالية لدى المصرف لاعتبارات وفقا لحساباتهم في وقت هناك خطر حقيقي والاحتياطي يستنزف بشكل كبير وبالتالي امام وضع دقيق للغاية. وتابعت ان مصرف لبنان لا يمكن ان يواصل دعمه خاصة ان الاحتياطي يتراجع ومصرف لبنان يستخدم احتياطي المصارف وهذا يؤدي الى افلاس كامل. و تعقيبا على ذلك، اعطت المصادر دليل مستشفيات على طريق الاقفال وهذا يشكل خطراً على مصير المواطن اللبناني الذي بحاجة للاستشفاء .
التدقيق في حسابات مصرف لبنان
الى ذلك، بات معلوما ان صندوق النقد الدولي يشدد على ضرورة اجراء تدقيق لحسابات مصرف لبنان لكي يصبح لديه صورة كاملة عن الوضع النقدي والمالي في لبنان . ولكن هل يحصل ذلك بالقوة او بالاجماع في مجلس الوزراء وبموافقة مصرف لبنان؟
على سبيل المثال, الخلاف الذي وقع بين مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف.بي.اي.) وشركة آبل، بعد ان طلب اف.بي.أي الوصول الى بيانات هاتف ايفون , اعترضت شركة آبل على هذا الامر وحكم قاض في الولايات المتحدة بانه لا يمكن الزام شركة ىبل بفك الشيفرة لجهاز الايفون عام 2016. وبالتالي لو ان صندوق النقد الدولي يريد التدقيق بحسابات المصرف المركزي لا يمكنه استخدام القوة لتحقيق مبتغاه بل بالحصول على اجماع في مجلس الوزراء لمبادرة عملية التدقيق في حسابات مصرف لبنان.
تعقيبا على ذلك، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر ان التدقيق في حسابات مصرف لبنان يجب ان يكون احترافيا مشددا ان التذاكي على صندوق النقد الدولي لا ينفع بل يضر بسمعة لبنان وصورته امام المجتمع الدولي. وقال نادر: «نطالب بوجود طرف ثالث نأتمنه على الاشراف على تطبيق الحكومة الاصلاحات المطلوبة وبالطريقة الصحيحة لان هناك ازمة ثقة مع هذه الحكومة».
بكركي: المسيحيون لا يشعرون بالطمأنينة في لبنان وهم من اسسه
في موازاة ذلك، قالت اوساط سياسية للديار بان البطريرك بشارة الراعي ممتعض مما آلت اليه الامور من انهيار مالي وتدهور معيشي وفقر وعوز خاصة انه يبني نظرته للبنان من خلال شقين. الشق الاول هو ثقافي اذ يعتبر البطريرك الراعي ان الموارنة هم من اسس لبنان ومن قدموا التضحيات تلو الاخرى في سبيل الوطن ولذلك عبر عن اسفه وغضبه في عظة الاحد بما ان مدارس ومستشفيات واديرة مسيحية على طريق الاقفال. ويرى الراعي ان هذا يدل على انحسار الدور الثقافي للمسيحيين وللموارنة تحديدا في لبنان كما انه اعتبر ان وصول الرئيس القوي الى سدة الرئاسة كان من المفترض ان يبعث شعوراً ايجابياً عند المسيحيين ويعزز موقعهم في بلدهم انما العكس حصل. فالبطريرك لمس خوف المسيحيين في عهد الرئيس ميشال عون وهو يلوم الرئيس ضمنيا على ذلك اذ لم يعد المسيحيون يشعرون بالطمأنينة في ظل دولة تتفكك وتنهار. وهذا الامر دفع بالبطريرك الماروني الى رفع الصوت عاليا لانه يخشى من هجرة مسيحية واسعة في هذه المرحلة بعد ان اقفلت كل الابواب امامهم.
اما الشق الثاني بالنسبة للبطريرك الراعي فهو شق سيادي. وعليه يستند على ان المناخ السياسي الايجابي هو عامل اساسي في انعاش ظروف المسيحيين في لبنان ولذلك يتوجب احترام حدود كل طائفة على الصعيد المؤسساتي وفي مراكز النفوذ.
وفي نطاق متصل، قالت مصادر ديبلوماسية ان الفاتيكان اعطى الضوء الاخضر للبطريرك بشارة الراعي للعب دور بارز في حماية المسيحيين وفي تعزيز موقعهم في لبنان وقد رافق ذلك ايضا دعم فرنسي واميركي الى جانب نشاط عربي يهدف الى تعويم دور البطريرك في لبنان. وهذا القرار يعود لتراجع ادوار الاحزاب المسيحية وعدم كفاءتهم في تطمين ابناء بيئتهم ولذلك هناك توجه بان يكون البطريرك الراعي من يملأ الفراغ على الساحة المسيحية.
التعاون بين العراق ولبنان: فرصة لاعتماد لبنان على نفسه
وعلمت الديار بان في اواخر شهر تموز سيكون هناك نقلة نوعية في التعاون بين لبنان والعراق حيث سيزود الاخير لبنان بالفيول الثقيل بعد الاتفاق على الاسعار بين الطرفين مقابل منتجات زراعية لبنانية تدخل السوق العراقي . وفي هذا الاطار, تقول المعلومات ان الوفد الوزاري العراقي قام بجلسة نقاشية هامة على اساس جلسة تمهيدية وسيتبعها جلسات اخرى للوصول الى الهدف المرجو منه.
ويذكر ان السوق العراقي لديه امكانية كبيرة باستيعاب الكثير من الانتاج اللبناني وهذا سيحث لبنان على الاعتماد على ذاته وعدم الارتكاز فقط على الاستيراد وبالتالي يحسن الوضع الاقتصادي اللبناني. ولكن امام اي تعاون تبرز عقبات ابرزها التدخلات الاميركية في المرور الجغرافي في بو كمال على الحدود السورية – العراقية فلا تسمح بفتحه بالشكل الصحيح الامر الذي يصعب التبادل بين لبنان والعراق. فاذا رفعت يدها واشنطن عن ممر بوكمال يصبح التبادل بين لبنان والدولة العراقية اسهل واقل كلفة. كما يطرح السؤال نفسه بما ان واشنطن تحاول بشتى الوسائل تضييق الخناق على لبنان وتجويع شعبه من هنا هل ستمارس الولايات المتحدة الضغط على الحكومة العراقية فتعرقل التعاون بين البلدين؟