بمعزل عن تعيينات مجلس إدارة شركة كهرباء لبنان وما بات معروفاً على رؤوس الأشهاد من أنها أتت وفق معايير تحاصصية بحتة تؤمن التغذية لـ”التيار الوطني الحر” وتبسط سطوته أكثر فأكثر على قطاع الطاقة إدارياً كما وزارياً، وبغض النظر عن سابقة تعيين مجلس إدارة جديد بلا رأس ولا مدير عام، ومن دون الحاجة إلى تأكيد المؤكد في ما ظهر من استمرار ذهنية العهد وحكومته في “استهبال” الناس وتصوير سياسة زرع الأزلام في الإدارات على أنها سياسة إصلاحية تندرج ضمن خانة إنجازات حكومة حسان دياب الخلّبية… كل هذه الترهات في “كفّة” ستبقى منعدمة الوزن في ميزان الحسابات الوطنية الإنقاذية، وكلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله التهكمي عن المؤهلات اللبنانية أمس في “كفة” أخرى بدت للمراقبين “طابشة” بعض الشيء لصالح تعمّد “إعلاء شأن إيران وخفض شأن لبنان” الذي اعتبره لا يرقى “بمؤهلاته ومواصفاته وعناصره” إلى التشبّه بالنموذج الإيراني، حسبما جاء في مضامين رده على كل من يعارض الانفتاح اقتصادياً على طهران إلى درجة لم يتوانَ معها عن إشعار اللبنانيين بأنهم أقل شأناً ومرتبةً من الإيرانيين على قاعدة: يصحلكن تكونوا متلهم.
ففي خضمّ تمدد مشهدية الجوع والبطالة والفقر في البلد، أطل نصرالله أمس لزجر كل من يعارض تصور “حزب الله” للخروج من الأزمة الخانقة، واضعاً جميع المعترضين من اللبنانيين على هذا التصور في سلة “انهزامية” واحدة تضم “أدوات أميركية” لبنانية فاقدة لإرادة المواجهة أمام “شوية عقوبات وشوية تخويف”، في مقابل إشادته بعزيمة الحكومة وصلابة دياب الذي بادر إلى التوجه شرقاً، ليجعل منه مطية غير مباشرة نحو شن هجوم مضاد على الغرب، وتحديداً على الولايات المتحدة، معبراً بذلك عن تعاظم حنق “حزب الله” على السفيرة دوروثي شيا، وتعبيد الطريق تالياً أمام تحركات شعبية تستهدف التواجد الأميركي في لبنان، وقد تظهر طلائعها اليوم، بحسب ما تسرّب من معطيات، أمام مطار رفيق الحريري الدولي بالتزامن مع زيارة يقوم بها مسؤول عسكري أميركي لإحياء ذكرى ضحايا تفجير المارينز عام 1983 في بيروت، لا سيما وأنّ نصرالله شدد في كلمته أمس على وجوب إطلاق “صرخة” في وجه التدخل الأميركي في لبنان، وضد السفيرة شيا التي توجه إليها برسالة: “احترمي حالك” ولإدارتها بنصيحة: “سياستكم لن تجعل بيئة محور المقاومة تنقلب علينا بل هي ستضعف حلفاءكم وتدفع لبنان ليكون بالكامل في هذا المحور”.
وعلى وقع شد الحبال بين الشرق والغرب الذي يخوضه “حزب الله”، يبدو “التيار الوطني الحر” واقفاً مترنحاً بين الخيارين لا هو قادر على إغضاب الحزب ولا هو راغب في استعداء الأميركيين، وفي هذا الإطار برز خلال الساعات الأخيرة تداعي تكتل “لبنان القوي” برئاسة جبران باسيل لعقد جلسة مطولة تباحث خلالها على مدى 3 ساعات في “خياراته” سواءً بالنسبة للسياسات المالية والاقتصادية أو في “القضايا الاستراتيجية والسياسات الخارجية”، لتخلص المناقشات إلى نتائج غير حاسمة حتى الساعة تجسد وضعية “إجر بالشرق وإجر بالغرب”، إذ وبحسب المعلومات التي رشحت عن هذه الجلسة فإنّ البحث في خيارات التكتل لا يزال يحتاج إلى مزيد من التدارس والنقاش في جلسات لاحقة تعقد للغاية نفسها توصلاً إلى تحديد “الخيارات النهائية”، في ظل ما ظهر أمس من تفاوت في الآراء والتوجهات “شرقاً وغرباً” بين أعضائه باعتبارهم لا ينتمون جميعاً إلى “التيار الوطني الحر” بل هم كناية عن “ائتلاف نيابي متنوع” وفق تعبير مصادر المجتمعين لـ”نداء الوطن”، كاشفةً عن مداخلات عدة ألقيت في اجتماع أمس “تخللها طرح البعض خياراته وسط تشديد على أنّ خيار الذهاب شرقاً لا يجب أن يتعدى البعد الاقتصادي أو يعني أن نكون في محور الشرق أو نتبنى خياراته السياسية والثقافية، مع التأكيد في الوقت عينه على ضرورة الانفتاح على الغرب بثقافته وممارسة هذا الأمر من دون مواقف عقائدية أو تفكير عقائدي”.