فيما رئيس حكومة “الإنقاذ والتعافي” حسان دياب منهمك في مقاضاة الجامعة الأميركية في بيروت، ووزارة متعهدي السدود منهمكة في محاورة نفسها بشأن مشروع سد بسري، كانت فرنسا أكثر قلقاً على لبنان من الانهيار من بعض أهل السلطة. فوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان أعرب عن حزنه لما آلت اليه امور اللبنانيين متحسّراً على الإصلاحات التي لم تنفّذ، داعيا لبنان لمساعدة نفسه كي يساعده الآخرون. أما واشنطن فرسالتها مباشرة أتت، زيارة لقائد عسكري رفيع الى بيروت وتصريح لوزير خارجيتها مايك بومبيو: “لن نترك لبنان لإيران”. وإذا كان اللبنانيون ذاقوا مرارا لوعات المواقف الدولية المتحمسة التي كانت غالباً ما تنتهي بـ”بيعة مسا” في صفقة دولية اقليمية هنا او اتفاق هناك، لم يعد لديهم أي باب للأمل لا في السلطة القابعة على أنفاسهم تخنقها وترميهم في العتم والجوع، ولا في مساعدات خارجية لم يتصاعد دخانها الأبيض بعد. والخيار الوحيد الصمود والنضال لأجل العيش الكريم وحقوق المواطن.
وإذا كانت زيارة الجنرال الأميركي كينيث ماكنزي تكتسب دلالة من حيث الرمزية والمؤشر، خاصة أن واشنطن تستحضر التفجيرات التي استهدفت قوات المارينز في العام 1983، ما يعني ان دفتر الحساب فتح بمفعول رجعي، فإن الإحتفال التكريمي الذي كان ماكينزي ينوي اقامته في ذكرى هؤلاء الجنود، لا يتطابق مع موعد حصول التفجيرات، وهو ما يؤشر بشكل إضافي إلى الإستعجال الأميركي بالتعاطي المباشر بالملف اللبناني في ظل استمرار التصعيد والضغوط، وفق ما أشارت مصادر مراقبة عبر “الأنباء”.
وعلى وقع ذلك انتقلت المواجهة بين حزب الله والولايات المتحدة إلى تخوم مطار رفيق الحريري الدولي الذي وصله قاسم تاج الدين المفرج عنه في واشنطن بعد سجنه بتهمة العمل المالي لمصلحة حزب الله، وفي الوقت نفسه وصله ماكينزي الذي لم يتمكن من إجراء حفل التكريم، حيث انتظرته تظاهرة لمناصرين لحزب الله، ما دفع به إلى طرح أسئلة حول عدم قدرة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية عن تأمين طريق من المطار إلى السفارة الأميركية، من حيث المبدأ اللوجستي. فيما كان واضحاً من المشهد أن حزب الله أراد إيصال رسالة بأنه يسيطر على الأرض وهو الذي يتحكم بها وقادر على التحكم بمسار أي مسؤول أميركي يزور لبنان وأراد دخوله من بوابة مطاره.
وبحسب ما تكشف معلومات “الأنباء” فإن الجنرال الأميركي بحث مع المسؤولين الذين التقاهم كل التطورات على الساحة اللبنانية إنطلاقاً من مبدأ تعزيز التعاون مع لبنان وخصوصاً مع الجيش اللبناني الذي تقع عليه مهمات كبيرة جداً من الحفاظ على الإستقرار وأمن المواطنين، بالإضافة إلى إغلاق المعابر غير الشرعية وضبط عمليات التهريب. وكذلك شدد الجنرال الأميركي مع المسؤولين على أن بلاده لن تتساهل مع أي عمليات لتجاوز قانون قيصر بما يضع لبنان خارج الشرعية الدولية، داعياً إلى وجوب التعاطي وفق ما يتطابق مع مصلحة لبنان، لأنه لا يمكن معارضة مصلحة لبنان ثم الذهاب لطلب الدعم من المجتمع الدولي.
كل هذه المؤشرات تؤكد بأن التصعيد الأميركي مستمر، وتكشف المعلومات أن هذه الزيارة ستكون في سياق استباق لإجراءات أميركية أخرى لجهة الضغوط أو لجهة إرسال الجيش اللبناني للمزيد من التعزيزات إلى السلسلة الشرقية لإقفال المعابر. فيما هناك من يتخوف من إحتمال إشغاله في الداخل لعدم إكمال هذه المهمة.
وفي هذه الأثناء، دخلت باريس على الخط من خلال الكشف عن زيارة سيقوم بها الى لبنان خلال الأيام المقبلة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، في واحدة من أولى مهماته الخارجية في الحكومة الفرنسية الجديدة. وأشارت مصادر متابعة عبر “الأنباء” الى ان زيارة لودريان الى لبنان تكتسب أهمية خاصة وهو الذي كان أبرز مهندسي مؤتمر “سيدر” لدعم لبنان، وهو العليم بالتركيبة اللبنانية كما بحاجات لبنان ومدى الضرورة الملحة للبدء بالإصلاحات لإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والمالي، ومن الطبيعي انه سينقل هذه الرسالة الى المسؤولين الذين سيلتقيهم.
وفي هذه الأثناء، واصلت الحكومة غرقها في مراكمة الإخفاقات، هذه المرة من بوابة وزارة الطاقة التي تركت اللبنانيين غارقين بالعتمة وانشغلت بتسويق مشروع سد بسري، ضاربة بعرض الحائط كلمة الناس ورفضهم له، وقد قررت ان تحاور نفسها مستغيبة كل المعنيين بهذه القضية من مجتمع مدني وأهلي وناشطين.
الاجتماع الحواري المفترض الذي انسحبت منه وزيرة الاعلام منال عبد الصمد احتجاجا على مقاطعة كل المعنيين، غُيب عنه مفوض الحكومة في مجلس الانماء والاعمار الدكتور وليد صافي، الذي قال في حديث مع “الأنباء”: “شهدنا في السراي مسرحية من مسرحيات الوزراء في هذه الحكومة، فالحوار تجلّى بأبهى صوره حول مشروع مات سريرياً فيما المسؤولون يتحاورون بين بعضهم البعض”.
واعتبر صافي ان “رسالة مقاطعة الحوار تدل على ان المشروع قد بات مستحيلًا تسويقه، وعلى المسؤولين لا سيما في وزارة الطاقة الانتباه لهذه الرسالة التي تؤكد أن الرأي العام والمجتمع الأهلي والمدني متمسك بخيار تحويل مرج بسري الى محمية طبيعية، وكل ما قيل عن المشروع وفوائده وجدواه أصبح من الماضي”.
وأضاف: “الرسالة كانت قوية وعلى المعنيين ان يتلقفوها ويتوقفوا عن المكابرة وان يبدأوا بالبحث عن بدائل لمشروع السد”.
وردا على سؤال عما اذا تم التواصل معه بعد بيانه الشاجب لاستبعاد مفوض الحكومة وممثلها في مجلس الانماء والاعمار عن حوار السراي، قال: “لم يتم التواصل معي لا قبل ولا بعد البيان، وهذا ان دلّ على شيء فعلى انهم لا يريدون الاستماع الى الرأي الاخر، ولكن الرسالة قد وصلتهم من خلال المقاطعة العريضة من قبل كل المعنيين بقضية مرج بسري”.