بالمختصر المفيد، بات رئيس الجمهورية ميشال عون أمام خيارين لا ثالث لهما: “الانحياز” الذي يفرضه عليه تفاهم مار مخايل أو “الحياد” الذي يدعوه إليه مار بشارة بطرس الراعي… فزمن التموضع الرمادي بين البينين ولّى إلى غير رجعة بعدما بات الجميع أمام لحظة حقيقة مصيرية تضع هوية البلد وكيانه وثقافته وحضارته على محك “القرارات الجريئة” التي طالب البطريرك الماروني المسؤولين باتخاذها تحت سقف ثلاثية “الحياد والسيادة والهوية”، في مواجهة “عبث أية أكثرية شعبية أو نيابية بالدستور والميثاق والقانون وبنموذج لبنان الحضاري، تعزله عن أشقائه وأصدقائه من الدول والشعوب، وتنقله من وفرة إلى عوز ومن ازدهار الى تراجع ومن رقي إلى تخلّف”.
هي إذاً جبهة “حياد لبنان وعدم تنازل الدولة عن قرارها وسيادتها تجاه الداخل والخارج وألا يتفرد أي طرف بتقرير مصير البلد بشعبه وأرضه وحدوده وهويته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته”، أطلقها رأس الكنيسة، ودعا رأس الجمهورية للانضمام إليها من أجل “حماية لبنان ورسالته وتجنّب الانخراط في سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية”، لا سيما وأنّ عظات البطريرك الماروني السيادية والحيادية ونداءاته المتصاعدة في هذا الاتجاه تأتي في سياق منسجم “مع توجهات الفاتيكان إزاء معالجة الأزمة اللبنانية” كما أكدت مصادر مطلعة على أجواء الحاضنة البابوية لـ”نداء الوطن” كاشفةً أنّ الزيارة الفاتيكانية المرتقبة للراعي ستكرس هذا التوجه وتبلور أكثر فأكثر صورة الدعوة الرعوية لتعزيز جبهة “حياد لبنان” باعتبارها الكفيلة وحدها بالحؤول دون أن تبتلعه نيران الإقليم ومحاوره المتناحرة.
وعلى هذا الأساس، أضحت الأنظار متجهة إلى كيفية تفاعل الرئاسة الأولى مع عظة “الحياد” الكنسية المؤازرة بزخم بابوي، وهو ما ستبدأ تتكشف معالمه من خلال أجواء اللقاء المرتقب الذي سيجمع البطريرك الراعي برئيس الجمهورية عشية مغادرة الأول إلى الفاتيكان، في وقت لا تزال تُرصد محاولات من جانب أهل السلطة للالتفاف على نداء “الحياد” سواءً عبر تأويلات “خنفشارية” لمعاني كلام البطريرك الماروني تضعه في خانة واحدة مع التوجهات العونية، أو من خلال الزيارة التي علمت “نداء الوطن” أنّ رئيس الحكومة حسان دياب يعتزم القيام بها نهاية الأسبوع الجاري إلى الديمان للقاء الراعي، باعتبارها تندرج ضمن إطار السعي لتظهير صورة تجمع الراعي بدياب على أنها تحييد شكلي لحكومة 8 آذار عن دائرة سهام “الحياد”.
وفي الغضون، تبدو سياسة “لا داعي للهلع” التي اتبعتها حكومة دياب في مواجهة تسرّب وتفشي وباء “كورونا” مهددة فعلياً اليوم تحت وطأة الهلع المتزايد جراء ارتفاع عداد الإصابات بشكل دراماتيكي خلال الأسبوع الأخير وصولاً إلى بلوغه مستوى الذروة مع تسجيله أمس رقماً قياسياً بلغ 166 إصابة مثبتة مخبرياً، كان لشركة “رامكو” للتنظيفات حصة الأسد منها بعدما تبيّن وجود أكثر من 131 مصاباً بالكورونا في صفوف موظفيها القاطنين في أحد مباني الشركة الكائن في منطقة رومية، ليصار على الأثر إلى نقلهم تباعاً بآليات الصليب الأحمر إلى مركز مخصّص للعزل في الكرنتينا يخضع لحراسة بلدية بيروت. ولأنّ الاتكال على الإجراءات الحكومية وحدها لم يحجب خطر تفشي الوباء، بات على الناس اعتماد إجراءات احترازية ذاتية تقيهم خطر الإصابة وسط تشديد مصادر حكومية لـ”نداء الوطن” على أنّ الحل الناجع الوحيد في مواجهة الأزمة هو “حبس الأنفاس” عبر التزام سلسلة خطوات إرادية تبدأ بوضع “الكمامات والمحافظة على مسافة التباعد الاجتماعي وتفادي التواجد في أماكن مكتظة”، مشيرةً إلى أنّ لجنة “كورونا” ستعقد اجتماعاً لها اليوم في السراي الحكومي للتباحث في مسألة الارتفاع المستمر بأرقام المصابين، على أن يصدر عنها “مزيد من التوصيات المتعلقة بوجوب تطبيق الإجراءات الوقائية وحضّ المواطنين على الالتزام تحت طائل تحميلهم المسؤولية”.
ورداً على سؤال، أكدت المصادر الحكومية أنّ “الوضع الاقتصادي لا يسمح بإعادة فرض قيود حالة الطوارئ والتعبئة العامة كما كانت في السابق”، لافتةً إلى أنّ “الأمور ستبقى مرهونة بمسار الأيام المقبلة وسط معطيات تشي بأنّ أرقام الإصابات، التي من الممكن أن تظل مرتفعة نسبياً خلال هذا الأسبوع، ستعود لاحقاً إلى الانخفاض، وإلا فلا مفرّ من العودة إلى التشدد في الإجراءات الزجرية في حال عدم التزام المواطنين بالتدابير الذاتية”.
تزامناً، استرعت الانتباه سلسلة من الهواجس وعلامات الاستفهام طفت على سطح فحوص الـ”PCR” التي يجريها الوافدون في مطار بيروت، والتي تمحورت وفق ما نقل بعضهم لـ”نداء الوطن” حول مصير داتا الـ”DNA” الخاص بهم والتي يمكن استخلاصها من العينات المأخوذة منهم لدى وصولهم إلى المطار، موضحين أنّ ما عزز هواجس البعض منهم في هذا الإطار هو أنّ عملية أخذ وتحليل هذه العينات تم تلزيم قسم منها على الأقل إلى مختبرات طبية محسوبة على “حزب الله”.