لم تعد تنفع المسكّنات مع المرض الخطير المستشري في جسد لبنان. بات المطلوب عمليات جراحية لإنقاذه من الموت المحتّم اذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه من انهيار اقتصادي معيشي يتفاقم، واستهتار رسمي يتعاظم. وبعد النداءات المتكررة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لإنقاذ لبنان الذي يكمل مئويته الأولى في بحر متلاطم، جدد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في مواقفه التلاقي الوطني حول ضرورة أن نمنع عن البلد أتون الموت. دعوات الرجلين للنجاة بسفينة الأرز من الغرق، تنتظر أن تلاقيها أصداء من باقي القوى السياسية لتجتمع أقله على الحياد الايجابي بلبنان.
وقد علقت مصادر مطلعة على مواقف الراعي وجنبلاط، بالاشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلتقي فيها مواقفهما في الدعوة لمنع الأخطار عن البلد كلّما تلمّسا ما يحدق به من كل صوب، وبالأخص في هذه المحنة التي يتخبط بها منذ حوالى السنة.
”القوات اللبنانية”، وبلسان مسؤول التواصل والاعلام فيها شارل جبور أكدت وقوفها الى جانب البطريرك الراعي وكل المطالبين بحياد لبنان، مشيرا في حديثه لـ”الأنباء” إلى وفد قواتي إلى الديمان دعماً لموقف الراعي، “فالحياد بالنسبة للقوات من الثوابت الوطنية اللبنانية التي على أساسها ارتكز ميثاق 1943، وقد صيغ آنذاك بالقول “لا شرق ولا غرب” حيث تم اعلان الحياد الذي هو مسألة بنيوية كيانية ميثاقية لازمة للجمهورية اللبنانية، وفي كل مرة تم فيها تجاوز الحياد واسقاطه، سقط الاستقرار في لبنان، فمن من أجل ضمانة الدولة يجب اعادة الاعتبار لمفهوم الحياد”.
”التيار الوطني الحر” بدوره أيّدت مصادره في اتصال مع “الأنباء” مطالب الراعي وجنبلاط بحياد لبنان عن الصراعات الاقليمية والدولية بالرغم من موقعه الجغرافي الذي يشكل نقطة تواصل بين الشرق والغرب، معتبرة أن “مسألة الحياد الإيجابي ضرورية جدًا لبلد مثل لبنان، بشرط ان لا يشكل هذا الحياد عائقا في علاقاته مع أشقائه العرب ومع الدول الصديقة التي ينبغي عليها مساعدته في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها وبالأخص في المجال الاقتصادي لتخطي أزمته المعيشية والمالية”.
في المقابل فإن مصادر حزب الله طالبت بتحديد مفهوم الحياد وماذا يمكن ان يشمل هذا الحياد، قائلة لجريدة “الأنباء”: “كيف يمكن لدولة ضعيفة مثل لبنان تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ان تطالب في هذه الظروف بحياد لبنان بعد تخلي كل المجتمع الغربي عنه؟ فكيف يمكن اعلانه دولة محايدة في وقت هو أحوج ما يكون الى المساعدة والخروج من الأزمة التي يتخبط بها؟”. ورأت مصادر حزب الله أن “مطالبة الدول الصديقة والشقيقة بالمساعدة لا يعني ارتهانا او خضوعا كما يفسر البعض”.
توازيا، اعتبرت مصادر عين التينة عبر “الأنباء” ان “كل الدعوات للحياد تصب في اطار الدولة السيدة والمستقلة”، مشيرة الى ان “سياسة النأي بالنفس التي يعتمدها لبنان يمكن ان تكون مرادفة للحياد الايجابي الذي تحدث عنه جنبلاط، لكن لبنان بوصفه جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي لا يمكن تطبيق مبدأ الحياد عليه من منطلق التوازي في العلاقات بين مفهوم الدول الصديقة والدول الشقيقة مع ترجيح كفة الانتماء العربي التي لا ينطبق عليها مبدأ الحياد مثل بقية الدول”.
من جهة اخرى، وبعد الزيارة التي قام بها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط للرئيس نبيه بري، كشفت أوساط عين التينة أنها تندرج في سياق استكمال المشاورات في اطار المواقف الهادفة لإنقاذ لبنان من أزمته الخانقة “بعد فشل الحكومة وتهربها المستمر”.
في هذه الأثناء، برزت مواقف غير مطمئنة حيال مصير المفاوضات مع لبنان من قبل صندوق النقد الدولي، الذي طالب الحكومة اللبنانية بخطة للانقاذ وحذر من خطر محاولة التقليل من حجم الأزمة.
مصادر مالية مطلعة على مسار المفاوضات عبّرت عبر “الأنباء” عن خيبتها من الطريقة اللامسؤولة التي تدار بها المفاوضات من قبل الجانب اللبناني وما أوصلها الى طريق مسدود وأدى الى تعليقها أكثر من مرة. ونقلت المصادر عن المفاوضين الدوليين انزعاجهم من الطريقة التي تدار بها المفاوضات لجهة الاكثار من النظريات التي لا تؤدي الى حل قريب، سائلة عن السبب الذي يمنع حتى الساعة من توحيد ارقام الخسائر التي لا يزال الصندوق ينتظر اجابات واضحة حولها، بالاضافة الى تخلف الحكومة عن تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء والاصلاح الموعود في الادارة والجمارك.
الخبير المالي أديب طعمة رأى في حديث مع “الأنباء” ان الخلاف مع الصندوق مرده لعدم قيام الحكومة بمحاسبة جنائية توضح أسباب الخسارة، لأن صندوق النقد طالب الوفد المفاوض اللبناني الاعتراف بالخسارة، فقوبل بالرفض منعا لاجراء المحاسبة، واصفا ما يجري بالمهزلة والهروب الى الأمام، واعتبر انه اذا استمرت الأمور على هذه الحال فقد تتجمد المفاوضات مع الصندوق بعد ان تصل الى طريق المسدود، في ظل استياء الصندوق من طريقة لبنان لاحتساب الخسائر.