كتبت الزميلة ليلى حاطوم على موقع “ليبانون ديبايت” الالكتروني:
“صار لك زمان هون؟”، سألتني مخافة أن أكون قد انتظرت مطولاً.
“لا، أبداً، ولا يهمك دكتورة”.
وبإصرار الأمهات اللبنانيات شددت: “شو بتشربي؟ ما بصير ولا شي”.
“باخد ماي إذا شي”.
كانت الساعة تُشير للتاسعة مساءً عندما التقيت بالدكتورة نوّار مولوي دياب لأوّل مرة، وكنت قد انتهيت من تغطية اجتماع في السراي الحكومي وقد وعدتني زميلة تعمل هناك بلقائها، طبعا بعد إلحاح كبير مني مدفوع بحشرية الإعلاميين لمعرفة من هي سيدة السراي، زوجة رئيس مجلس الوزراء د. حسّان دياب، التي حيكت حولها شائعات ومعلومات مضللة أقلّها أنها غير لبنانية.
لم تكن أبداً كما تخيّلتها.
رحّبت بي ببساطة أهل طرابلس وبلهجتهم المميزة التي اعتدت عليها منذ صغري لوجود مصاهرة بين أفراد من عائلتي مع عوائل طرابلسية معروفة. ثيابها أنيقة وعملية بلا مبالغة، وابتسامتها من القلب.
“القعدة معها متل القعدة معك. بتحسسك أنها أم، وما عندها تكلّف وكتير طبيعية ومثقفة”، قلت لوالدتي صباح اليوم الثاني عندما سألتني عنها.
ما لم أعرفه قبل لقائي بها، أنها كانت تُنهي جداول ومقررات تتعلق بعملها قبل لقائنا.
وفي هذا الإطار كشفت د. نوّار، المتخصصة في تعليم اللغة الانكليزية ومديرة برنامج الترجمة في الجامعة اللبنانية الأميركية التي تُعلّم بها، أنها تتحضر للعودة للتعليم الشهر المقبل.
فهي، وبعكس كل من أتين قبلها من عقيلات رؤساء الحكومات السابقين، إمرأة عاملة في نطاق تخصصها، وليست فقط منتسبة شرفياً في جمعيات محددة بحكم منصب زوجها.
وبعد إلحاحٍ منّي، وافقت وبتردد على أن أنشر مقتطفات من لقائي بها، لأنني أؤمن بأنه على الجميع أن يعلم من هي وماذا تفعل، خارج إطار طبيعة عمل زوجها.
“انا راجعة عالشغل بشهر آب. مش واردة عندي استقيل واقعد بالبيت… نحنا منعلم بأواخر آب لكن فعلياً منسلّم بمنتصف آب كل الكورس يلي بدنا نعطيه. أخدت فترة قصيرة كإجازة بحثية، ويحق لي بذلك من بعد ترقيتي بـ2016، لكني ما طلبت هالإجازة إلا يوم تم تعيين زوجي رئيس حكومة”.
“وليه طلبتيها؟”
“خلال الشهر يلي كان زوجي عم يألف فيه الحكومة، أنا كنت عم بصحح امتحانات… الضغط عنا بالبيت كان كتير كبير. والتعب مضاعف واستقبال المرشحين وناس داخلة وناس طالعة، بظلّ ظروف صعبة بالبلد تزامنت مع الثورة”، تقول د. نوّار.
“ومتل ما بتعرفي من تاريخ تسليم الامتحانات، عندك كدكتورة بالجامعة مهلة 72 ساعة لتصحيح الاوراق وتسليم علاماتك. وكل فصل له مقرر، ولازم تحطي ملف بكل الاشياء يلي درّستيها وكل القراءات وكل الامتحانات يلي أعطيتيها… ولتجمعي كل هالمواد بدك وقت وجهد وتحضير. وصرت فكّر قدم اجازة بحثية لمدة فصل حتى شوف اذا بقدر كمّل بعدين بالشغل وبالمهام الجديدة… والحمد لله انا ملتزمة فعلا بالعودة للتدريس”.
وعن الزواج وتأسيس أسرة تقول د. نوّار، أن الأمر يحتاج لتضحيات، وأنّها لو خُيِّرت بين العائلة والعمل لكانت اختارت العائلة.
“أهلي ربّوني ان عائلتي تأتي أوّلاً. وهالتربية تتوافق مع نمط تفكيري وقناعاتي. بالنسبة إلي، إذا الشخص ما قادر يحط عيلته اولا، ما يتزوج. الزواج بده تضحية كتير ويلي داخل على زواج على اساس فيه مين يطبخله او يلي بتريد تتزوج على أساس زوجها بيجبلها سوليتير، هيدا ما بينفع. فيه تضحيات وتنازلات وشغل لبناء زواج ناجح وعيلة سعيدة”.
تتذكر د. نوّار أيام طفولة أولادها وتقول ضاحكة أنها كانت محظوظة كونها كانت تنجبهم في الصيف وتعود للتدريس في الخريف.
“لما كانوا اولادي صغار كنت أخصص معظم وقتي لهم. كان نهاري يبدأ من الساعة 6 صباحًا. أحضّر للأولاد سندويشاتهم وراجعلهم دروسهم خاصة لما يكون عندهم امتحان… ومتل ما بتعرفي أكثر أم متطلبة هي الأم الاستاذة… وبين هيدا عنده إملاء وهيدا عنده فرض إنشاء، خلّص معهم، وبعدها زوجي ياخدهم للمدرسة. وبهالوقت القصير الباقي كنت حضّر حالي وروح للتدريس. وأوّل ما خلّص إرجع جيب الأولاد من المدرسة وتابعهم بالغداء والدرس للمساء، وبعدين حممهم وعشيهم وخبرهم قصص والساعة 8 خلاص يناموا”.
“وهيدا كان وقت راحتك بعد الـ 8؟”
“لاء. بعد الـ 8 بيصيروا عيوني هيك” تضحك هي وتقوم بالتأشير بيديها إلى ناحيتين مختلفتين.
وتؤكد “لما اولادي يناموا، كنت افتح هالاوراق (تقصد أوراق تلامذتها) واقعد صحح وحط امتحان وحضّر لصفوف تاني يوم…”
أسفها الوحيد كان أنها هي وزوجها لم يتعلموا فصل حياتهم العملية عن الحياة الشخصية، بالرغم من أن كليهما يمتهن التدريس.
تتكلم عن دولة الرئيس بكثير من المحبة وابتسامة طبيعية عندما سألتها عن كيف تمضي وقتها معه.
”زوجي وأنا قراب (قريبين) كتير من بعض… لكننا للأسف من الازواج يلي ما عرفوا يفصلوا بين البيت والشغل. وصحيح كنت مقسمة وقتي منيح، بس ما كان عندي وقت لي لوحدي. وكل ضهراتي مع زوجي عند رفقاتنا وشخصياً أنا من النوع البيتوتي.“
تضيف د. نوّار، التي تتابع علاجاً فيزيائياً حالياً بسبب إصابة حديثة في كتفها، أنها تشتاق لمنزل العائلة، وهي تذهب إلى هناك بين وقت وآخر: ”بْطُلّ على بيتنا وبجيب اغراض من هونيك.“
سألتها إن كانت قد لاحظت ارتفاع الأسعار وبخاصة أنها ربّة منزل ففاجئني بمعرفتها بالتسعيرة وارتفاعها كل فترة، وهي كما تقول، تتابع كل شي.
“الاسعار غليانة كتير. بجيب القلم وبسطّر عالفاتورة وفيه أشياء بتصدم. وكتير أحيان بتصيري تستغني عن امور كنتي تجيبيها من قبل وما تحسبيلها حساب. تخيلي 17 الف ليرة حق كيلو الرز! والمخلوطة صار سعرها طلوع متل البورصة. حتى اللحمة صارت بدها ينحسبلها حساب”، تقول د. نوّار.
فجأة أراها تتطلع ورائي وكأن هناك ما يُشغل بالها وتقول وكأنها تستحضر صورة في رأسها:
“بتضايق لما أم ما تقدر تطعمي اولادها. فيه دعاية بتذكرني بالحالة الصعبة يلي وصل لها البلد. ام عم تحكي قصة لابنها عن ولد وارنب عم ينطوا (يقفزوا)، و لأن الولد بطنه فاضية بينط أعلى من الأرنب. بالدعاية الولد بيقول لأمه: يعني منيح ينام الواحد هو وجوعان؟ وبنشوف الام عم تبتسم له وبعدين بيفرجونا الغصة ع وجهها، هيدا الشي كتير بيوجعني، وحال البلد بيوجعني. بعض الناس بيفكرنا ما منتابع وما منشوف. بس أنا بنت هالبلد وأنا من هالشعب. بنقهر كيف انتقلنا من لبنان بلد رفاهية وبلد خير ووصلنا للبنان بلد ما قادرة الناس تاكل”.
أنتقل بها إلى موضوع آخر حول وضع المرأة في لبنان، وكغيره من نقاشنا الطويل كانت لديها عدة نقاط أثارتها معي، وكأنني أستعيد من خلالها كافة نقاشاتي ولقاءاتي مع نساء لبنانيات يردن التغيير نحو الأفضل.
تكشف د. نوّار عن معاناة المرأة في لبنان بمثلين بسيطين حصلا معها.
”كنت دايما أفكر اننا محظوظات بلبنان وعنا كتير اشياء أفضل من اخواتنا في العالم العربي. هيك كنت مفكرة”، تقول د. نوّار.
لكنها صُدِمت منذ حوالي 15 سنة عندما احتاجت أن تفتح حساباً مصرفياً لأحد أبنائها، وإمضاء ورقة لإبنها تسمح له بالسفر لحضور مخيّم مع المدرسة.
“وقتها كان زوجي مسافر. قعدت (جلست) إشرح بكل جدية للموظف بالبنك اني بدّي (أريد) افتح حساب لإبني، وليس أخذ الحساب منه. فكرت الموظف ما عم بيفهم عليي، وما كنت افهم ليش اذا عندي مصاري ما بقدر افتح حساب له!! نفس الشي صار لما ابني كان بده يسافر ووقعت له ورقة. ابني رجع لي الورقة تاني يوم وقال لي “البابا لازم يمضيها”، رديت عليه أن والدك مسافر، فقال لي ايه ما بيمشي الحال، ما بقدر سافر اذا البابا ما بيمضيها”.
تُضيف: “هيداك اليوم كان من أسوأ الأيام بحياتي. تخيلي انا عندي 3 اولاد عم ربيهم ودرّسهم واهتم بصحتهم وعم بشتغل، وفيني اعمل كل هيدا بس ما فيني امضي على ورقة لابني عشان يسافر. ساعتها انتبهت اننا بالقانون غير محميين. نحنا عصريين باللبس… لكن لما يجي الوقت للحقوق، نحنا كتير بعاد اننا نحصل على حقوقنا”.
بالنسبة لها وضع المرأة القانوني في لبنان يتحسن تدريجياً، لكننا لسنا في المكان الذي يجب أن نكون فيه.
“بعد عنا طريق طويلة”، تقول د. نوّار التي تُثني على عمل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة التي تعمل من أجل تعديل القوانين لتحسين وضع المرأة اللبنانية.
“المرأة تقوم بكافة واجباتها كالرجل وتدرس وتعمل لكنها لا تحصل على نفس الحقوق كمواطنة وبالدستور اللبناني الكل متساوي (لبناني ولبنانية) لكن لما تجي عمليا كي تطبقي لا نرى مساواة”.
من هذا المنطلق تؤمن د. نوّار أنّه لكي يتم تعديل القوانين المجحفة، يجب ملاحقة المشرّعين، وهذا ما تقوم به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة التي تعمل على عدة قوانين.
“حتى نعالج الامر، المرأة لوحدها لا تكفي ونحتاج للرجل. معظم المشرعين هم رجال. ونحتاج للعمل معهم”، تقول د. نوّار، في بلد لم تستلم فيه المرأة حقائب وزارية إلا في التسعينات.
ومن جملة ما يتم حالياً دراسته تعديل قانون الاحوال الشخصية وقانون حق المرأة اللبنانية اعطاء الجنسية.
“فيه شغل كتير حلو صار بهالكم سنة، وحتى موضوع الحضانة كمان تحسن. هالموضوع بالذات كان كتير يزعجني لأنه لما كان يحصل طلاق، بمعظم الأوقات كانت تطلع المرا بدون اولادها، وبيكون سبب الطلاق احيانا هو الرجل. وهناك موضوع حماية المرأة والطفل من العنف، وهالموضوع يهمنّي جداً. وهناك مجهود يحصل على الارض للحد من العنف ضد الفئات المستضعفة بمساعدة من اليونيسيف”.
تبقى إشاعة أن د. نوّار غير لبنانية، وهي إشاعة انطلقت مع تعيين زوجها رئيساً للحكومة.
تضحك إبنة طرابلس، فهي من عائلة معروفة بالعلم، ووالدها أسس في أوائل التسعينات جامعة رشيد كرامي للتعليم العالي، والتي كانت تُعرف بالمنار وتغيّر اسمها لاحقاً ليُصبح جامعة المدينة. لطرابلس مكان خاص في قلبها، كما تقول، وهي تزورها كلما سنحت لها الفرصة.
المصدر: موقع “ليبانون ديبايت” الالكتروني