كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : حينما سمّت السلطة فريقها الوزاري بـ”حكومة مواجهة التحدّيات”، ظنّ الناس انفسهم، امام “حالة سوبرمانيّة” تمتلك قوة خارقة لكل الحيطان التي تمنع الهواء عن لبنان، وتسدّ كل المنافذ المؤدّية الى انفراجات. ولكن سرعان ما ذاب الثلج عن وجهها التكنوقراطي، وبانت على حقيقتها كحصان مربوط في آخر عربة البلد، يجرّها الى الخلف، وانحدر معها البلد من انهيار الى هريان كامل وعلى كل المستويات. ولم تقدّم للبنانيين سوى مسلسل طويل من السقطات في كل المجالات، نالت منه بامتياز لقب: حكومة العتم والهريان واللاحلول.
مسلسل السقوط
سقطت السلطة في التعيينات، وفي التشكيلات، وفي التخطيط، وفي الادارة، وفي الكهرباء وكامل القطاعات، وحتى في النفايات، وايضاً في ما وصفتها “خطة التعافي” او بالاحرى خطة التخبّط والارتباك والاختلاف على الارقام. وسقطت أمام الدولار، وأمام صندوق النقد الدولي وامام المجتمع الدولي وكل مؤسساته المالية. واخيراً وليس أخراً، سقطت امام “كورونا” الذي حصد يوم امس 91 حالة جديدة.
ومع ذلك، فإنّ مسلسل السقوط ما زال مستمراً، وبوتيرة مخيفة ومتسارعة، حتى وصلت الازمة الاقتصادية والمالية الى وضع غير قابل للسيطرة او الاحتواء. أمّا المواطن اللبناني فأصبح في ظلّ هذه السلطة متسوّلا للقمته، ولم يبق له سوى ان يقتطع من لحمه ليؤمّن قوت ابنائه.
والأنكى من كل ذلك، انّ هذه السلطة، قرّرت بكل وقاحة، الاّ يرفّ لها جفن، امام الحالة المأساوية التي بلغها البلد، بل الهروب الى الأمام؛ المكابرة هي الفعل اليومي لهذه السلطة، عينها فقط على الماضي لتلقي بكل المسؤوليات عليه، ولغة التعالي هي الوحيدة التي تتقنها امام كل من يدعوها للنظر الى الامام، ولغة التحدّي هي الوحيدة التي تواجه فيها كل من يحاول ان يتوجّه اليها بالنُصح، او ينهاها عن الخطأ، او يرشدها الى الصحّ، وحديثها الدائم عن حصار خارجي لها، ومتآمرين في الداخل يمنعون تقدّمها وإقدامها، ويسعون الى الانقلاب عليها.
لقد افلست هذه السلطة بشكل كامل؛ لم تعد تعني أيًّا من اللبنانيين بل صارت عبئاً عليهم، يزيد من أعبائهم يوماً بعد يوم، والعالم كلّه ملّ منها، ومن مطالباته المتكرّرة لها بالإقدام، على خطوة واحدة، تثبت من خلالها انّها تمتلك، ولو بعض قليل جداً، من الحسّ بالمسؤولية. لا بل أنّ العالم كله صار يسخر منها، ولا يتردّد في توبيخها على تمنّعها، غير المبرر وغير المفهوم، سلوك طريق الإنقاذ دخولاً من باب الإصلاحات، وهو وضع جعل العالم بأسره يجاهر علناً بلا اهليتها، والمثال الاخير في ما توجّه به وزير الخارجية الفرنسية ايف لودريان الى السلطة ومفاده، “ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم”. وهذا يكمّل سلسلة الرسائل القاسية التي تلقتها هذه السلطة من مجموعة الدعم الدولية للبنان والمستثمرين والمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدّمها صندوق النقد الدولي، والتي اجمعت جملةً قيلت بكل اللغات، لعلّ السلطة تفهم مغزاها ومعناها، ومفادها: “لم نرَ دولة في العالم تحارب نفسها كما يحصل في لبنان”.
بالأمس، ذاق اللبنانيون مرارة يوم جديد من الأزمة التي تعصف بهم، والدولار يطرق باب الـ10 آلاف ليرة. واما السلطة فما زالت على رهانها بأنّ الدولار سينخفض، وتتحدث عن “السوق السوداء” كأمر واقع مسلّم به، وكقوة جبارة غير قابلة للإقفال او الاحتواء، ومن دون ان تحرّك اجهزتها المالية والامنية والعسكرية لردعها. علماً انّ تسعير الدولار في “السوق السوداء” بالشكل الذي يحصل فيه والقفزات من 1000 الى 2000 ليرة في اليوم الواحد، تنذر بأنّه لن يطول الوقت حتى يصل سعره الى سقوف خيالية.
الشيطان الاخرس
حاولت “الجمهورية” ان تستفسر عمّا اذا كانت السلطة ستبقى في موقع الشيطان الاخرس الساكت على جريمة ضرب العملة الوطنية، ام انّها ستبادر الى اجراء ما يمنع الجريمة المتمادية بحق لبنان، فجاء الجواب من وزارة الداخلية، “بأنّ التحكّم بالسوق السوداء أمر صعب جداً، ذلك انّ شرائح واسعة من الناس تشارك في لعبة الدولار، تُضاف الى ذلك “غروبات الواتساب” التي تسعّر الدولار كما تشاء، بالتوازي مع عملية خطيرة تتبدّى في بعض “التطبيقات الالكترونية”، او ”الابليكايشن” ومصدرها بغالبيتها من خارج لبنان، تقوم بالتلاعب المنظّم والمدروس بالدولار، وتخفيض قيمة الليرة اللبنانية، وهذا الامر قيد المتابعة”
اما جواب السرايا، فجاء عبر مصادرها لـ”الجمهورية”، ويفيد بعدم القدرة على مواجهة السوق السوداء، وحتى الآن لا يوجد في يد الحكومة اي اجراء لردعها، وخصوصاً انّ كل الناس دخلت في لعبة الصيرفة، وهذا تلمسه في كل المجالات.
اضافت المصادر: “اننا نعوّل على السلّة الغذائية والاستهلاكية المدعومة، والتي ستخلق مع بدء سريانها الذي اصبح وشيكاً جداً، واقعاً جديداً يخفف الطلب على الدولار، ويخفّض الاسعار، ونحن ما زلنا على يقين بأنّ الدولار سيشهد انخفاضاً كبيراً في الفترة المقبلة، وتقديراتنا انّه سينخفض الى ما دون الـ5 آلاف ليرة. وكل المؤسسات المالية والاقتصادية تؤكّد انّ سعر الدولار ليس هو الطبيعي المتداول في السوق السوداء، بل هو سعر سياسي، المقصود منه ليس انهيار الليرة فقط، انما انهيار الحكومة، وهذا ما لن يحصل”.
ماذا بعد الكويت؟
الى ذلك، ووفق معلومات “الجمهورية”، فإنّ النتائج التي ترتبت على طرق الباب الكويتي سعياً لمساعدات مالية وعينيّة، لم تكن مرضية للجانب الحكومي.
وقالت مصادر ديبلوماسية معنية بالشأن الكويتي لـ”الجمهورية”: ”الكويت لم تشرْ لا من قريب أو بعيد الى إمكان تقديم هبات او ودائع مالية للبنان. بعض اللبنانيّين استعجلوا بهذه الفرضيات التي لا نعتبرها بريئة، بل انّ الكويت وانطلاقاً من حرصها على استقرار لبنان، وما تكنّه من عواطف اخوّة للبنان، راغبة في مد اليد العون للبنان، ومحادثات اللواء عباس ابراهيم مع المسؤولين الكويتيين تناولت كلّ الابواب التي يمكن للكويت ان تساعد فيها، وخصوصاً في مجال المشتقات النفطية، وقد تلقّى وعداً بالاستجابة الى ما يطالب به لبنان، وهذا الامر بطبيعة الحال يتطلب متابعة وبعض الدراسة، كما يتطلب في الوقت نفسه ان تبادر الحكومة اللبنانية الى اجراء اصلاحات تخفف من خلالها وطأة الازمة على لبنان”.
ولم تستبعد المصادر حصول تواصل جديد بين الكويت ولبنان في فترة لاحقة، وقالت: “الايام القليلة المقبلة ستشهد تدفقاً للسياح الكويتيين الى لبنان، وهو ما ابلغه السفير الكويتي في لبنان عبد العال القناعي الى رئيس مجلس النواب نبيه بري في زيارته الاخيرة له في عين التينة”.
بري: الانفتاح العربي
وكان اللواء ابراهيم قد وضع الرئيس بري في اجواء محادثاته في الكويت. وقالت مصادر عين التينة لـ”الجمهورية”، انّ الاجواء التي نقلها اللواء ابراهيم ايجابية ومشجعة، وعكست حرصاً كويتياً اكيداً على لبنان.
ورداً على سؤال قالت المصادر، انّ رئيس المجلس يرى انّ من الضروري جداً ان تتكثف حركة الاتصالات والرسل في اتجاه الاشقاء العرب، وهو حتى الآن ما زال مؤملاً في انّه لا بدّ من ان يكون هناك انفتاح عربي.
ابراهيم والبخاري
وكانت لافتة للانتباه امس، زيارة قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري، في دارته في اليرزة. وتأتي هذه الزيارة غداة عودة اللواء ابراهيم من زيارة الى الكويت، مرتبطة بتقديم مساعدات للبنان في محنته الراهنة.
وبعد اللقاء، قال ابراهيم: “الزيارة من دون هدف، والسفير شَرّفني ودعاني للعشاء، وأنا أشعر أنني في منزلي، والإنشغالات أبعدتنا قليلاً وسبق أن زارنا السفير بخاري في منزلي، ونعتبر السعودية المفتاح للدول العربية ولسنا ساعين للاصطفاف في أيّ مكان، والسعودية هي الشقيق الأكبر للبنان”.
واعتبر أنه “لا أحد يحاصر الحكومة وهي تعمل ومستمرة في العمل والناس تحكم على النتائج، وأخبرتُ السفير السعودي بما نقوم به، ولا شيء يمنع أن تكون البداية والنهاية في السعودية”. وقال: “الأجواء إيجابية جداً، ونحن نبحث عن مساحات مشتركة تعود بالفائدة على الدول التي نزورها وعلى لبنان، وأنا لا أطلب ودائع، وهناك تكامل إقتصادي عربي يجب أن يستفيد منه لبنان كما الدول العربية”.
كلمة من الاميركيين
في السياق ذاته، قالت مصادر وزارية قريبة من رئيس الحكومة لـ”الجمهورية”، انّ الحكومة راغبة في الانفتاح على كل الاشقاء العرب، وهي مقتنعة ومدركة تمام الادراك انّ الاشقاء لن يتركوا لبنان.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت الحكومة تأمل في ان تلقى مبادرات سريعة من الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، تخفف من وطأة الازمة، قالت المصادر: “يجب ان نعترف انّ كل ذلك متوقف على كلمة واحدة من الاميركيين، وهذا الامر لم يحصل حتى الآن”.
الصندوق”: وقف التحويلات
مالياً، علمت “الجمهورية” انّ لجنة المال والموازنة بصدد عقد جلسات مكثفة حول موضوع “الكابيتال كونترول”، وذلك بعد تلقيها الملاحظات المكتوبة التي طلبتها في اجتماعها الاخير، من وزارة المالية، ومصرف لبنان وجمعية المصارف. وذلك ليصار الى صياغة جديدة لاقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، وفق الملاحظات التي قدّمها صندوق النقد الدولي، وتمّ توزيعها على النواب في الجلسة.
وقالت مصادر اللجنة لـ”الجمهورية”، انّ صياغة الاقتراح لن تأخذ وقتاً طويلاً، فيما لو استجابت الجهات الثلاث وقدّمت ملاحظاتها في وقت سريع. وخصوصاً انّ الاقتراح القديم قد تمّ سحبه من الجلسة التشريعية لمجلس النواب، واحيل الى لجنة المال والموازنة، بعدما تبيّن انّه بالصيغة التي كان عليها غير قابل للإقرار، وبعدما اشار صندوق النقد الى انّ لديه سلسلة ملاحظات ينبغي ان تؤخذ في الاعتبار لكي يحقق الاقتراح الغاية المرجوة منه.
وعلمت “الجمهورية”، انّ ملاحظات صندوق النقد تركّز على مسائل اساسية يرى الصندوق ضرورة ان يلحظها اقتراح القانون، حيث تلحظ ملاحظاته المساواة في التحويلات، وعدم التمييز بين المودعين. ووفقاً لملاحظاته يؤكّد الصندوق ضرورة “الكابيتال كونترول” لأنّه ان تمّ الاتفاق على برناج مع لبنان، وتلقّى قروضاً من صندوق النقد، فإنّ الصندوق يشدّد على ان تُستعمل هذه القروض في داخل لبنان، اي ان تذهب الى اهدافها المحدّدة لها، وليس ان تتوفّر سيولة عبر هذه القروض، وتصل الى المصارف التي قد تقوم بتهريبها الى عملائها المميزين من سياسيين وغير سياسيين الى خارج لبنان. ومن هنا اصرار الصندوق على وقف التحويلات الى الخارج.
فضيحة المفاوضات
بدأت مسألة المفاوضات مع صندوق النقد تتحول فضيحة إضافية تُضاف الى لائحة الفضائح التي تشوّه سمعة البلد، وتُنفّر المجتمع الدولي منه. وتتمثل الفضيحة الجديدة بالشلل الذي يصيب التفاوض مع الصندوق، والمراوحة حول نقطة واحدة: توحيد ارقام الخسائر وتوزيعها على الدولة والقطاعات. وحول هذه النقطة لا تزال الامور جامدة، وكأنّ الحكومة لم تعقد 17 اجتماعاً حتى الآن مع المفاوضين في الصندوق.
هذا الكلام ليس من باب التحليل، بل يؤكده مسؤول سابق في صندوق النقد، يعرف خفايا المفاوضات التي تجري بين الدول والصندوق.
وكشف هذا المسؤول لـ”الجمهورية” انه “لو توحّدت السلطات، من مجلس نواب وجمعية المصارف ومصرف لبنان، حول الارقام الواردة في خطة الحكومة لكان لبنان قد توصّل منذ فترة الى برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي “لأنّ المفاوضات لا تحتاج الى تلك الفترة الطويلة ولم يكن يجب ان تبقى قائمة لغاية اليوم”.
ونصح الحكومة اللبنانية بنقل الكرة من ملعب الخلافات اللبنانية الداخلية حول الارقام والخسائر، ورَميها في ملعب صندوق النقد الدولي الذي يملك كافة الارقام وكافة التقديرات، عبر الطلب من الصندوق اقتراح البرنامج الذي يعتبره مناسباً وشاملاً لكل القطاعات، على أن تكون الحكومة مستعدّة لدعمه.
وفي السياق ذاته، قالت مصادر مطلعة على اجواء صندوق النقد الدولي لـ”الجمهورية” انّ موضوع الارقام مهم جداً، والأهم هو ان تأتي الارقام منطقية وموضوعية لا تكبر حجم الخسائر ولا تقللها، وهذا ما يطلبه الصندوق.
وعكست المصادر انتقاداً من الصندوق لأداء السلطة اللبنانية، وخشية من ان يكون الاستغراق في الارقام والخلاف حولها، فيه نوع من القنابل الدخانية للتغطية على المشكلة الحقيقية التي هي عدم إجراء الاصلاحات، التي تؤخر الاتفاق مع صندوق النقد حول برنامج لمساعدة لبنان، ويجب ان تعلم الحكومة اللبنانية أن لا مجال لدفع أيّ قرش من الصندوق طالما انّ الاصلاحات المطلوبة لم تنفذ.
طار الحاضر والمستقبل
الى ذلك، قالت مصادر الهيئات الاقتصادية لـ”الجمهورية” انّ الوضع بات يُنذر بخطر كبير، وكل القطاعات الاقتصادية في حالة شبه انهيار، ما يعني انّ المستقبل غير مطمئن على الاطلاق، خصوصاً انّ آلاف المؤسسات والقطاعات أقفلت او هي على طريق الاقفال، ما يعني عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل.
وبحسب المصادر فإنّ لبنان مهدد بالكامل، وعلى السلطة أن تدرك انه لا يستطيع ان يُكمل بهذه الطريقة التي تدمّر حاضره ومستقبله. وبالتالي، فإنّ المطلوب اجراءات إنقاذية سريعة، توقِف الانهيار الذي يهدد كل شيء.
يتقاطع ذلك مع تحذيرات الخبراء الاقتصاديين والماليين من انّ الحلول الترقيعية لا تفيد لبنان ابداً، إذ انّ أقصى ما يمكن ان ينتج عنها هو بعض التسكين للوجع، فلا يوجد أي حل لا بِسلّة ولا بغير سَلة، وإجراءات السلطة كلها لم تكن بمستوى الازمة، فلبنان يعاني العجز في كل شيء: عجز في ميزان المدفوعات، عجز في الخزينة وعجز في الموازنة. والانهيار المالي كبير جداً، ما يعني الهريان الكامل، وانّ الحل الوحيد يبدأ في حالة وحيدة وهي ان تهبط علينا المليارات، وعندما يفرج القرار السياسي عن الاصلاحات التي يطالب فيها العالم بأسره، وكما هو واضح انّ كلا الأمرين صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً.
إقتدوا بقبرص
كهربائيّاً، البلد يصارع العتمة الناجمة عن هريان القطاع الكهربائي، وتَسلّط عصابات الفيول وسرقة المحروقات التي تتصدّرها فضيحة ”محميّات لصوص المازوت”، حيث اعترف الوزير المعني، وعلى الهواء مباشرة، انّ المازوت تبخّر، ولكن الى أين ومن أخذه؟ لا جواب، ولا أي إجراء رادع تُبادر اليه السلطة.
وعلى مسافة كيلومترات بحراً من لبنان تقع قبرص التي قدمت بحق القيّمين على قطاع الكهرباء منذ سنوات طويلة، شهادة إثبات بطريقة غير مباشرة، على كيفية ادارة القطاع الكهربائي والعقلية الفاشلة التي حًكمته وتسببت بخسارة مليارات الدولارات.
وقال معنيّون بالقطاع الكهربائي لـ”الجمهورية”: وَضعنا الكهربائي من سيئ الى أسوأ، ومنذ ما يزيد على 10 سنوات، يُحكى عن محطات تغويز بدل الفيول، وبطرق مريبة جرى الاصرار على بواخر الكهرباء التي تعمل بالفيول، وبكلفة يتكبّدها لبنان بمئات ملايين الدولارات سنوياً، ولم تنفع المطالبات الحثيثة من كل جانب بالانتقال الى الغاز وصَرف النظر عن هذه البواخر، التي لم تبدّل في واقع الحال الكهربائي شيئاً، بل بالعكس زادته سوءاً لِما تستبطنه من صفقات.
وأشار هؤلاء الى انّ قبرص، وهي دولة جارة للبنان، تعرف مصلحتها، حيث اتخذت قراراً واشترت محطة تغويز نقالة، مثل البواخر التي يستأجرها لبنان، وقامت بتركيبها قبل ايام، وبكلفة 268 مليون يورو، أي ما يقارب 320 مليون دولار، وهو مبلغ يساوي اقل من نصف ما يدفعه لبنان إيجاراً لبواخر الفيول.
وأشارت المصادر الى انّ الصندوق، وحتى الآن، لم يقفل الباب امام لبنان، بل هو يلجأ الى مساعدة الجانب اللبناني وإرشاده الى ابواب الحلول، وأولها الاصلاحات، وآخرها الخطة التي قدمتها الحكومة، التي لا يرى الصندوق انها تتمتع بالقوة الانقاذية للأزمة، ومن هنا جاء الكلام الاخير لممثل صندوق النقد حينما دعا الى الاتفاق بين اللبنانيين على ارقام الخسائر، وأعلن جهوزية الصندوق لتحسين الخطة، والمشكلة انّ الجانب تعامل مع الشق المتعلق بالارقام، وتجاهَل الشق الاساس في كلام ممثل الصندوق عن استعداد لتحسين الخطة، فهذا معناه انّ الخطة المقدمة من الحكومة ليست صالحة للاتفاق على برنامج مساعدات للبنان على أساسها.
عصابة الفيول
يأتي ذلك، بالتوازي مع فضيحة كبرى كشفتها التحقيقات بأنّ اكثر من عصابة تستفيد من الفيول وبمبالغ خيالية. وبحسب ما كشفته مصادر موثوقة لـ”الجمهورية” فإنّ المعنيين بالفيول قد حدّدوا بطريقة عجيبة غريبة مواصفات الفيول المستورد الى لبنان، وهي ليست متوفّرة دولياً، ففي العالم تنتج المصافي امّا 1 % كبريت أو 3 % كبريت، أمّا مواصفات الفيول الذي يُورّد الى لبنان فهو 2 %. وللوصول الى الـ2 % هذا يفرض عليهم ان يعدّوا ما يمكن وصفها بـ”الخلطة الخاصة”. فيشترون نفايات المصافي من الفيول بأسعار رخيصة، ثم يقومون بخلطها في مكان ما في البحر، ومن ثم تنقل الى لبنان، وهم على هذا المنوال منذ سنوات طويلة، ما يعني لصوصية سرقت مئات ملايين الدولارات من لبنان.
عون والراعي
سياسيّاً، برزت أمس زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى القصر الجمهوري ولقاؤه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وقال الراعي: “الحياد يعني أن نلتزم القضايا العربية المشتركة من دون الدخول في صراعات سياسية وعسكرية أو الدخول في أحلاف، إنما أن نكون المدافع الاول عن العدالة والسلام والتفاهم في القضايا العربية كما الدولية مع استثناء إسرائيل”.
أضاف: “الحياد يعني دولة قوية وجيشاً قوياً ولا إشكال بهذا الموضوع مع فخامة الرئيس، وهو كان من أول المُنادين به”.
وأوضح الراعي “أنّ بكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة، فإنْ مَشينا مع أحد الاطراف سنخسر كلمتنا الحرة”. وقال: “أوضحتُ للرئيس عون أنني أعني الجميع في موضوع حصار الشرعية، ومنهم اولئك الذين يقاطعون الرئاسة”.
وفي المعلومات انّ البطريرك أوضح لرئيس الجمهورية انّ فكرة الحياد لا تستهدف أي طرف إنما تحييد لبنان عن الصراعات، فيما أكد الرئيس عون للبطريرك “انّ التوافق بين المكوّنات اللبنانية هو الاساس لأيّ خيار يتناول الواقع اللبناني”، واعتبر “أنّ الوفاق الوطني هو الضمانة الاساسية لأي حل للازمة اللبنانية”.
”الجبهة المدنية الوطنية”
الى ذلك، وتحت عنوان “الثورة مستمرة”، تلاقى عدد من ناشطي ثورة 17 تشرين ومجموعاتها وقادة الرأي من أكاديميين وقضاة وسفراء سابقين وضباط متقاعدين، وأطلقوا “الجبهة المدنية الوطنية” إطاراً وطنياً جامعاً لتنسيق العمل وتوحيد الجهود للوصول إلى تحقيق مطالب الثورة.
وتمّ وضع وثيقة تأسيسية شدّدت على عدد من الثوابت: تشكيل حكومة مستقلة ذات صلاحيات إستثنائية تضطلع بالمهام التالية:
- وضع خطة اقتصادية إنقاذية قابلة للحياة.
- تنفيذ الاصلاحات الهيكلية المطلوبة لبرنامج الإنقاذ الاقتصادي.
- تنظيم انتخابات نيابية مبكرة حرة ونزيهة، مع إقرار نظام انتخابي يحقق عدالة التمثيل.
- بناء قضاء مستقل.
- التشبّث بالسيادة اللبنانية، وتثبيت مسار الدولة المدنية، وبناء اقتصاد وطني منتج ومستدام في خدمة المواطن.
وعقدت خلوة للمشاركين لمناقشة آليّات المتابعة. حيث ستعمل الجبهة على تكريس مطالب الثورة انطلاقاً من روحية ما نادى به الشعب في 17 تشرين الأول 2019، وتضع في رأس أولوياتها اتّخاذ التدابير التي تكرّس استقلالية القضاء وإقرار نظام للحماية الاجتماعية الشاملة.