كتبت صحيفة ” الديار ” تقول : تشهد الساحة اللبنانية بابعادها الداخلية والخارجية ما يمكن وصفه بمراجعة حسابات للعبة “عض الاصابع” الناجمة عن الضغوط التي مارستها وتمارسها الادارة الاميركية وحلفاؤها على لبنان تحت شعار محاربة “حزب الله” ومحاولة تحجيمه.
وتؤكد الوقائع الاخيرة ان هذه اللعبة التي وصلت الى الذروة قبل اسبوع وكادت تؤدي الى مزيد من التصعيد والتفجير تراجعت في الايام الماضية لتأخذ منحى آخر هو بين الهدنة القصيرة ومرحلة اعادة ترتيب الاوراق.
وتعوّل اوساط الحكومة والقوى المشاركة فيها على الحركة الناشطة التي قام بها المسؤولون باتجاه اكثر من دولة سعيا للحصول الى مساعدات او فتح ابواب الدعم والتعاون في مجالات عديدة لا سيما مجال النفط الذي يشكل مادة ضاغطة على لبنان واللبنانيين.
وفي هذا المجال كشف مصدر بارز لـ”الديار” عن ان اجواء التواصل مع العراق ثم الكويت تتميز بالجدية والايجابية، مشيرا الى ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم عاد من الكويت بنتائج طيبة ومثمرة تفيد بان المسؤولين الكويتيين وعدوا بمساعدة لبنان، واكدوا “ان الكويت لا ترضى بتركه في مثل هذه الظروف”، لكنهم لم يتطرقوا بالتفصيل الى نوع المساعدة مرددين ان امير دولة الكويت يحب لبنان الذي له مكانة خاصة في قلبه، وانه يجدد تأكيد وقوفه الى جانب هذا البلد العزيز والشقيق.
وقال المصدر ان الحديث مع الكويت يتركز حول امكانية التعاون في مجال النفط وانجاز عقود لشراء الفيول والمواد النفطية بدفع مؤجل لستة اشهر او اكثر.
وجدد المصدر قوله ان نتائج زيارة اللواء ابراهيم ستظهر في وقت لاحق، وان هذا الموضوع سيتابع باشكال عديدة ومنها مع السفير الكويتي في لبنان.
اما في ما يخص التعاون مع العراق كشف المصدر ان هناك تحضيرات متسارعة لمتابعة ما كان بدأه الوفد الوزاري العراقي في زيارته مؤخراً الى بيروت، وان رئيس الحكومة حسان دياب مهتم شخصياً في هذه المتابعة حيث يتوقع ان يزور بغداد في مرحلة لاحقة بعد التمهيد اللازم لهذه الزيارة.
واكد المصدر ان التواصل الذي بدأ مع الصين ليس مجرد محاولة ولا يندرج في اطار بعث الرسائل لاي دولة او جهة، بل هو في اطار سياسة الانفتاح التي بدأتها الحكومة لتوسيع دائرة التعاون مع كافة الدول بعيدا عن سياسة المحاور كما يتراءى للبعض.
اللواء ابراهيم الى مائدة البخاري
وامس وسع اللواء ابراهيم نطاق مهمته وزار مساء السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي استبقاه على مائدة العشاء.
واوضح في تصريح له ان ما نقوم به هو ليس طلب المساعدة بل نتطلع الى مساحات اقتصادية مشتركة تعود بالنفع علينا وعلى الدول العربية التي نزورها.
ورداً على سؤال قال “نعتبر ان السعودية هي المفتاح للتعاطي مع الدول العربية، ولسنا ساعين للاصطفاف في اي مكان، والسعودية هي الشقيق الاكبر”.
وقال “لا احد يحاصر الحكومة وهي تعمل ومستمرة في العمل والناس تحكم على النتائج”، مشيراً الى اجواء ايجابية جداً ونحن نبحث عن مساحات مشتركة ترتد بالفائدة على الدول التي نزورها وعلى لبنان، “وانا لا اطلب ودائع وهناك تكامل اقتصادي يجب ان يستفيد منه لبنان كما الدول العربية”.
الراعي في بعبدا
وفي الحديث عن سياسة المحاور فان البارز امس زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لبعبدا ولقاؤه الرئيس ميشال عون بعد خطابه الاخير الذي دعا فيه الى حياد لبنان.
وفي هذه الزيارة وضع الراعي النقاط على الحروف حول مضمون وابعاد دعوته خصوصا في ضوء محاولات بعض القوى المعارضة لاستثمار هذا الموقف في اطار معركتها مع العهد والحكومة.
ونفى في تصريح له بعد اللقاء ان يكون هناك اي خلاف بينه وبين الرئيس عون بسبب موضوع الحياد، مذكرا بان رئيس الجمهورية اول المطالبين بالحياد “عندما تقدم بمشروع اكاديمية الانسان للحوار والتلاقي وتم التصويت عليها في الامم المتحدة، والقاعدة لهذا المشروع ان يكون لبنان حيادياً ليتمكن من ان يصبح مكاناً للحوار”.
وقال الراعي “ان الحياد يعني ان نلتزم القضايا العربية المشتركة من دون الدخول في صراعات سياسية وعسكرية او الدخول في احلاف، انما نكون المدافع الاول عن العدالة والسلام والتفاهم في القضايا العربية كما الدولية مع استثناء اسرائيل”.
واضاف: “الحياد يعني دولة قوية وجيشا قوياً ولا اشكال بهذا الموضوع مع فخامة الرئيس وهو كان اول المنادين به”. وان الحياد لا يعني ان اجلس جانباً ولا اتعاطى بشيء وانما الحياد الايجابي والمفيد”.
ورأى: ان مشاكلنا كثيرة وما “بيقيمنا اليوم الا الحياد”، مؤكدا ان بكركي لا تسير لا مع معارضة ولا مع موالاة وقال “اوضحت للرئيس عون بانني اعني الجميع في موضوع حصار الشرعية ومنهم اولئك الذين يقاطعون الرئاسة”.
وقد وضعت زيارة البطريرك الراعي للرئيس عون في بعبدا خطابه عن حياد لبنان في حجمه وابعدته عن التجاذبات والصراعات السياسية الداخلية، او الرهانات على محاربة العهد واضعافه.
وقالت مصادر مطلعة لـ”الديار” ان اللقاء بين الرجلين تميز كالعادة بالايجابية والمصارحة، وانه تطرق الى كل المواضيع والقضايا المتعلقة بالتطورات التي تعصف بلبنان. وجرى التأكيد على وجوب تأمين كل العناصر التي تساهم في تجنيب لبنان المزيد من التدهور والانهيار ومساعدته على الخروج من محنته.
وكان بعض المعارضين المتشددين تلقف منذ اللحظة الاولى خطاب البطريرك الماروني حول حياد لبنان مراهنين على تحويله الى اطار لتشكيل جبهة او تكتل سياسي واسع في وجه العهد والحكومة. ونشطت الزيارات باتجاه بكركي ومراجع مسيحية اخرى لاستثمار موقف البطريرك الراعي في الصراع السياسي القائم.
وفي المقابل رأت مصادر سياسية مقربة من الحكومة ان دعوة البطريرك الراعي الى الحياد والنأي بالنفس ليست جديدة او الاولى من نوعها، لا بل ان ما قاله في خطبته الاخيرة سبق وان ردده باشكال وعبارات مشابهة في خطب وعظات سابقة، لكن ربما التوقيت اليوم اخذ هذا المنحى من الاهتمام والتداول، بالاضافة الى المحاولات المقصودة من بعض الجهات لتضخيم الامور وخلق ما يشبه المناخ التناحري بين الدعوة الى الحياد وبين المعارضين لها.
واضافت المصادر ان لبنان يواجه اليوم ازمة اقتصادية ومالية خطيرة ويحتاج الى توفير وتوحيد كل الجهود للتصدي لهذه الازمة.
وبالتالي لا يجوز حرف الانظار عن المشكلة التي نعيشها واثارة مادة خلافية تزيد الوضع ارباكاً وتساهم في اضعاف لبنان.
وحرص مصدر بارز في 8 اذار على عدم التعليق مباشرة حول خطاب البطريرك الراعي عن الحياد، مؤكدا في الوقت نفسه ان لبنان ليس حيادياً في مواجهة اسرائيل التي تحتل ارضنا وتهدد سيادتنا يومياً، وان هذه المواجهة تفترض دعم خيار المقاومة الذي استطاع تحرير الارض ومواجهة العدوان.
المفاوضات مع الصندوق
في هذا الوقع كشف مصدر مطلع لـ”الديار” ان المفاوضات مع صندوق النقد الدولي سلكت مسارها مجدداً بعد استئنافها مؤخراً، لكنه اضاف ان المشكلة: هي في الاسراع وحسم توحيد الموقف اللبناني من الارقام والحسابات المتعلقة بخسائر الدولة، عدا عن بلورة رؤية ناجزة ونهائية موحدة لخطة الحكومة الانقاذية.
وقال المصدر ان هذه المفاوضات تحتاج لفترة غير قصيرة للتوصل الى نهاياتها والحصول على الاموال والمساعدات المالية التي يحتاجها لبنان، لذلك فان المنحى الذي سلكته الحكومة مؤخراً بالتوجه نحو التعاون مع الصين والعراق وايران هو منحى ضروري في ظل استمرار الضغوط التي يتعرض لها لبنان من الادارة الاميركية وفي ظل عدم قدرة الاتحاد الاوروبي على ترجمة مواقفه التقليدية الداعمة للبنان.
لكن المصدر نفسه لفت الى اشارات ايجابية ظهرت بعد استئناف المفاوضات مع صندوق النقد منها اعلان المسؤولين في الصندوق استعدادهم على مساعدة لبنان في اقرار وتطبيق الاصلاحات التي يركز عليها الصندوق، وابداء رغبتهم ايضاً في تسريع توحيد الموقف اللبناني حول خطة الحكومة الانقاذية.
ورأى المصدر ان هذه الاشارات الايجابية تشجع على خلق اجواء افضل لجولات المفاوضات المقبلة مع الصندوق، لكننا في نفس الوقت مسؤولون عن انجاز ما علينا من خطوات اصلاحية في اقرب وقت ممكن لان ذلك سيساهم في تقصير فترة انتظار المساعدات من الصندوق.
بومبيو
وجدد وزير الخارجية الاميركي بومبيو القول امس “ان صندوق النقد الدولي سيوفر التمويل اللازم للحكومة اللبنانية، اذا قدمت برنامجاً اصلاحياً”.
ازمة الكهرباء
على صعيد آخر لم يطرأ على ازمة التيار الكهربائي اي تحسن يذكر، ووعد وزير الطاقة ريمون غجر بتحسن ملحوظ الاسبوع المقبل.
لكن مصادر مطلعة قالت ان الخروج من هذه الحالة الصعبة يحتاج الى انتظام تزويد لبنان بمادة الفيول من دون معوقات وبالحجم المطلوب، مشككة بحصول ذلك في ظل مشكلة اعاقة او تأخير تنفيذ الاعتمادات.
وقالت المصادر ان هذه الازمة التي باتت تشكل هاجساً يوميا، وعبئاً ثقيلاً على اللبنانيين تحتاج الى جلسة خاصة لمجلس الوزراء من اجل ايجاد حلول آنية وسريعة.
واضافت ان ملف الكهرباء يعتبر المطلب الاول من ملف الاصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والدول المانحة.