لا تزال «الحركة» دون «بركة»، هكذا يمكن اختصار الحراك الداخلي والخارجي «لفك» طوق الحصار الاقتصادي الاقليمي والدولي على لبنان، فكلمة «السر» المعممة اقليميا ودوليا عنوانها «النأي بالنفس»، والشروط السياسية باتت اكثر وضوحا خلال الساعات القليلة الماضية مع ربط الولايات المتحدة مجددا للمساعدات بخروج حزب الله من الحكومة، فيما خرجت ايران عن «صمتها»، تزامنا مع حراك سفيرها في بيروت، حيث اتهمت الخارجية الايرانية الرياض وواشنطن بعرقلة مساعي طهران لتقديم مساعدة لبيروت في مجال الطاقة بعدما ابدت ايران استعداداتها لبناء معملين لتوليد الكهرباء…
هذه الاجواء الضاغطة، تشير الى جولة «كباش» جديدة على الساحة اللبنانية، وسط مخاوف جدية من موجة «كورونا» جديدة، وتخبط في كيفية مواجهتها، وسط تفاقم الازمات المعيشية. سياسيا، تشير المعلومات الى وجود «برودة» واضحة في بعبدا ازاء طرح البطريرك بشارة الراعي لاستراتيجية «الحياد»، فيما تعمل بكركي الى تحويل المقترح الى وثيقة، وتزخيمه بحراك شعبي يواكب «الحج» السياسي الى الديمان…
«البوابة» السعودية
وفي السياق نفسه، بات واضحا ان اي مساعدة خليجية لن تمر الا من «البوابة» السعودية، وهو ما يفسر زيارة اللواء عباس ابراهيم الى دارة السفير السعودي في اليرزة امس الاول، وبحسب اوساط سياسية بارزة، فان ما سمعه مدير عام الامن العام في الكويت، دفعه الى «طرق» الابواب السعودية، فلبنان الذي طلب تزويده بالمشتقات النفطية، وبالمواد الغذائية والطبية، سمع ان عجز الميزانية المقدر بـ60 مليار دولار في الكويت بعد ازمة «كورونا» يجعل من الاستحالة الحصول على اي وديعة مالية، وقد سمع اللواء ابراهيم من المسؤولين الكويتيين نصيحة للحكومة اللبنانية بضرورة التطبيع مع دول الخليج وفي مقدمتهم الرياض، وهذا التطبيع مشروط بالتزام الدولة اللبنانية سياسة «النأي بالنفس» عن الصراعات الدائرة في المنطقة، خصوصا في اليمن وسوريا، وهذا يستدعي «الضغط» على حزب الله لتخفيف حدة لهجته تجاه الرياض والانكفاء الى الداخل اللبناني.
تصعيد اميركي ايراني
في هذا الوقت، لا يزال السجال الايراني ـ الاميركي على خط الازمة اللبنانية على اشده، ففيما نقلت وسائل اعلامية عن وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو تلميحه الى ان المساعدات للبنان مشروطة بحكومة غير تابعة لحزب الله، كشف مساعد وزير الخارجية الايرانية حسين اميرعبداللهيان في تغريدة على تويتر عن قيام السعودية والولايات المتحدة الاميركية بمنع بلاده من انشاء معملي كهرباء في لبنان… دون الافصاح عن كيفية حصول هذه الضغوط.
لبنان يدير «ظهره» لطهران؟
وفي هذا السياق، يسلم سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى في الساعات المقبلة، رسالة من الخارجية اللبنانية إلى الخارجية الأميركية تطلب إعفاء لبنان من عقوبات يفرضها قانون قيصر، وتتعلق باستجرار الكهرباء من سوريا والسماح بتصدير المنتجات الزراعية، والترانزيت، لكن اللافت بحسب اوساط سياسية بارزة ان «الرسالة» اللبنانية لا تتضمن طلب الحصول على اعفاءات حيال العقوبات على ايران، ما يشير الى عدم وجود نية لبنانية جدية في التعامل مع العروضات الايرانية…
في هذا الوقت، كان لافتا زيارة السفير الايراني محمد جلال فيروزنيا، الى الديمان، ووفقا للمعلومات قدم السفير الايراني شرحا مسهبا للبطريرك حيال العوائق الاقليمية والدولية التي تمنع ايران من تقديم العون للبنان للخروج من ازمته الاقتصادية، وخصوصا في قطاع الكهرباء، مبديا استعداد بلاده لتقديم اي مساعدة ممكنة، مجددا الالتزام بحصول التبادل التجاري بالليرة اللبنانية… في المقابل، شرح البطريرك الراعي للسفير الايراني مفهوم «الحياد» الذي يطالب بتطبيقه لبنانيا، مجددا التأكيد انه لا يستهدف احداً، بل يسعى لتحييد لبنان عن «العواصف» في المنطقة… وردا على سؤال عن مشروع الحياد قال السفير الايراني ان «الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تتدخل بشؤون لبنان الداخلية، وهذا الموضوع شأن لبناني. ونحن نؤكد على تعزيز الوحدة الوطنية خصوصا في هذه الظروف التي يمر بها لبنان…
«ضعف» الموقف الفرنسي
وفيما تنتظر بيروت زيارة رئيس الديبلوماسية الفرنسية جان ايف لودريان الذي وصل الى بغداد بالامس، نصحت اوساط ديبلوماسية غربية المسؤولين اللبنانيين بعدم الرهان على اي دور فرنسي حيوي في الازمة اللبنانية بعدما اظهرت باريس ضعفا ديبلوماسيا مقلقا في الاونة الاخيرة اظهر هشاشة موقفها وقدرتها على الزام الاميركيين او حلفائهم في المنطقة بأي خطوة تجاه لبنان…
«الطيف» الاميركي
واذا كان لودريان قد ناقش مع المسؤولين العراقيين الانفتاح العراقي على الحكومة اللبنانية مشجعا على المضي قدما في تقديم ما يلزم لمنع الانهيار الاقتصادي، الا انه سمع كلاما عراقيا واضحا حيال «الضوابط» الاميركية الموضوعة في هذا الملف، وفهم ان «طيف» واشنطن كان مرافقا لزيارة لودريان فتأثير الاميركيين في «دوزنة» اي مساعدة مقترحة يبقى العامل الحاسم، سواء في لبنان او العراق، حيث ينتظر الجانبين «الضوء الاخضر» الاميركي للمضي قدما في تسييل المحادثات الاخيرة الى افعال، وقد فهم لودريان ان التأخير في بلورة التفاهمات منشأه لبناني بعدما اوضح العراقيون الهامش المتاح للمساهمة في التبادل الاقتصادي.
ووفقا لتلك الاوساط، لا يبدو الفرنسيين في موقع مؤثر ويمكن القول ان التجربة الليبية واضحة للعيان حيث وصلت السياسة الفرنسية الى «حائط مسدود»، واظهرت الاحداث تضاؤل «وزن» فرنسا التي لم تستطع التأثير في ملف حيوي مؤثر على الامن القومي الفرنسي. ولهذا لا يمكن التعويل على مواقف باريس التي تبدو عاجزة عن خلق «المبادرات» «الخلاقة».
الراعي يصعد!
واذا كان حزب الله «غير مرتاح» «ازاء طرح البطريرك الماروني بشارة الراعي لاستراتيجة «الحياد»، فهو يلتزم «الصمت» حيال الطرح، ولا يجد نفسه معنيا بالدخول في اي سجالات علنية مع بكركي، صعد الراعي موقفه تجاه الحزب بالامس، واعتبر في حديث «لفاتيكان نيوز» أن هناك نوعا من هيمنة لحزب الله على الحكومة وعلى السياسة اللبنانية بسبب الدخول في حروب وأحداث عربية ودولية، مؤكدًا ان لبنان لا يريدها بالأساس وتحييده هو الحل»… واضاف «لسنا ضد حزب الله لكننا نريد أن نعيش سوية بمساواة وبناء مجتمعنا اللبناني»، معتبرًا ألا حل إلا بإخراج لبنان من الأحلاف السياسية والعسكرية مع أي دولة ويكون لبنان بذلك دولة حيادية فاعلة ومفيدة من أجل السلام والاستقرار… وقال ان الواقع اللبناني اليوم مهدد لأننا متروكون من البلدان العربية وخاصة الخليج ومتروكون من أوروبا وأميركا، لأن الجميع يقول لا نستطيع ان نساعد لبنان لأننا بمساعدة لبنان نساعد حزب الله لأنه يسيطر على البلاد.
«برودة» في بعبدا
اما خلاصة الموقف في بعبدا فقد تظهرت بعد ساعات من لقاء البطريرك الراعي مع الرئيس ميشال عون، ووفقا لمصادر مطلعة لم يبد الرئيس «حماسة» ازاء الطرح لعلمه المسبق بعدم امكانية تسويقه داخليا ولدى المجتمع الدولي، وسبق ان فشلت تجربة «النأي بالنفس» التي جرى اقرارها في اعلان بعبدا الشهير، ومن هنا كان اصرار الرئيس على تأمين التوافق الداخلي على اي مبادرة، وهو امر لن يحصل في ظل «ضبابية» الطرح وعدم انسجامه مع الوقائع والتحديات الخارجية المحيطة بلبنان.
ووفقا للمعلومات، سيكون للبطريرك الراعي مواقف يشدد فيها على تمسكه بمبادرته في عظة الاحد، فهو يعمل على تحويل «اعلان الحياد» الى إطار محدد، وسيجول به على عواصم اقليمية واوروبية بعد زيارة الفاتيكان من اجل تسويقه وحشد الدعم الدولي له.
وجاء كلام عون بالامس ليؤكد هذا المنحى بتأكيده أن لبنان « ليس في وارد الاعتداء على أحد أو تأييد الخلافات والحروب مطلقا إلا أننا ملزمون بالدفاع عن أنفسنا سواء كنا حياديين أو غير حياديين».
كورونا ترفع نسب المخاطر…
وفيما سجل عداد «كورونا» ارتفاعا جديدا مع تسجيل 57 اصابة جديدة بالامس، يضغط الوضع الصحي المرتبط مجددا في ظل انقسام واضح في مجلس الوزراء حيال كيفية التعامل مع الموجة الثانية المتوقعة «للوباء» في الخريف المقبل، وجاءت دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون في الجلسة الاخيرة للحكومة، للتشدد في الاجراءات واتخاذ ما هو مناسب لمنع انهيار النظام الصحي في حال خرجت الامور عن السيطرة، وسط عدم يقين لدى الوزراء المعنيين بكيفية التعامل مع الوضع المستجد عالميا ومحليا في ظل وضع اقتصادي ضاغط لا يسمح باعادة اقفال البلاد مجددا، ووفقا لاوساط مطلعة، يعتقد وزير الصحة حمد حسن بأن المؤشرات لا تبدو مشجعة في المستقبل، وقد تكون الحكومة مضطرة للعودة الى اقفال جزئي للاقتصاد اذا ما لامست المخاطر حدود انعدام القدرة على المعالجة في المستشفيات، فان ثمة رأي آخر يقوده وزير الاقتصاد راؤول نعمة ويؤيده العديد من الوزراء، يرفض على نحو قاطع اي عودة الى اغلاق البلاد، لان الامر سيعني حكما الانهيار…
اسبوعان حاسمان…
وامام هذه الجدلية القائمة على المفاضلة بين الامن الصحي، والانهيار الاقتصادي، تبنى رئيس الحكومة حسان دياب «قلق» الرئاسة الاولى ودعا الوزراء المعنيين ولجنة مكافحة «كورونا» للاعداد لاسوأ السيناريوهات كي لا تفاجأ الحكومة بموجة ثانية من «الوباء»، وشدد على ضرورة اتخاذ اجراءات متدرجة تمنع «كورونا» من الانتشار، كي لا يصبح الاقفال امرا لا مفر منه، وسيكون حينها مدمرا للاقتصاد المنهار اصلا، ووفقا للمعلومات يفترض ان يكون التصور الكامل لخطة المواجهة جاهز خلال اسبوعين، وعندها يبنى على «الشيء مقتضاه»…
وامام اللجنة اكثر من نموذج للاقتداء به، وتبدو الاجراءات الالمانية، الاقرب الى الواقع، حيث تعتزم برلين العودة الى فرض تدابير حجر منزلي مشددة لاحتواء بؤر محلية تداركا لخطر حصول موجة ثانية من الإصابات، وذلك وفق مسودة اتفاق بين الحكومة الفدرالية والولايات المحلية، حيث ستفرض السلطات الألمانية «حظر الدخول والخروج» على مستوى مناطق جغرافية محدودة سيفرض فيها الحجر المنزلي مجددا على السكان بعد ظهور بؤر اصابة «بالوباء»…
الازمات الحياتية «تنفجر»
في غضون ذلك، وفيما يعود الحراك الشعبي اليوم الى ساحة الشهداء مع دعوة الضباط المتقاعدين للتظاهر، تبدو الحكومة عاجزة عن حل الازمات المتراكمة في البلاد، فوعود وزير الكهرباء بزيادة ساعات التغذية ذهبت «ادراج الرياح»، وقد توسعت الاحتجاجات الشعبية على التقنين الكهربائي القاسي بالامس، حيث قطعت الطرقات في الضاحية الجنوبية على اوتوستراد السيد هادي نصرالله، وطريق المطار، وقرب السفارة الكويتية، احتجاجا على غياب الكهرباء ووقف المولدات عن تزويد السكان بالتغذية الكهربائية بسبب نقص المازوت… اما ازمة النفايات فتبدو انها ستنفجر نهاية الشهر الجاري، فالحكومة لن تؤمن مطمر جديد لنفايات بعبدا، وعاليه، وبيروت، بعدما اعلن رئيس بلدية الشويفات زياد حيدر في مؤتمر صحفي «لاتحاد بلديات الضاحية والشويفات» التوقف عن استقبال المزيد من كميات النفايات في مكب الكوستابرافا اعتباراً من تاريخ 31-7-2020»، معتبراً ان مجلس الوزراء لم يف بوعوده تجاه الشروط والمعايير والحوافز، وكل الخطط المؤقتة التي وضعت منذ 5 سنوات أصبحت حلولا دائمة.
الحريري «يطوق» مفاعيل المحكمة؟
من جهته يتجه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى تطويق مفاعيل قرار المحكمة الدولية مطلع الشهر المقبل، في هذا الوقت واصل هجومه الممنهج على رئيس الحكومة حسان دياب، واشار الى أن موقع رئاسة الحكومة «تبهدل»، نافيا ضلوعه بالتحريض ضد المساعدات… وعن الحياد سأل: «الا يعني الحياد النأي بالنفس؟ وهل أن الفرقاء السياسيين طبقوه وبخاصة حزب الله… وقال: «علينا أن ننأى بأنفسنا عن كل المشاكل في المنطقة وهذا هو الحياد «وما حدا يزايد علينا» بموضوع عداء إسرائيل. وبالنسبة للمحكمة الدولية قال: «علينا احترام كل القرارات الدولية المعنية والناس طالبت بالحقيقة والعدالة، وتابع: «في 7 آب سيصدر الحكم في قضية والدي وسيكون لي موقف، ولا نستطيع التعاطي مع القرارات الدولية باستنسابية أو نكون مثل إسرائيل نقبل ما نريده ونرفض ما لا يعجبنا.. وفي هذا السياق، تؤكد اوساط عليمة ان الحريري سيعمل على «امتصاص» قرار المحكمة الدولية منعاً لانفلات الشارع، غير أنه سيشيد بتحقيق العدالة لكنه سيعمل على عدم حصول انعكاسات داخلية للحكم…