بدت مفارقة متكررة ولافتة في دلالاتها السلبية أن السرايا الحكومية تطمئن من خلال وزير الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان عقب اجتماع عقد لمجلس إدارة المؤسسة برئاسة رئيس الوزراء حسان دياب، الى التحسن العائد في التغذية الكهربائية، فيما كانت أزمة التقنين والتعتيم تشتد وتتصاعد مثيرة ردود فعل شعبية ساخطة في الكثير من المناطق. ووسط نهج الانكار الذي يطبع سياسات هذه الحكومة في تعاملها مع الأزمات المتصاعدة ولا سيما منها أزمات الخدمات، نشطت حركة الاحتجاجات الشعبية على انقطاع الكهرباء وترجمت بحركة قطع طرق في عدد من المناطق، غير أن أبرزها سجّل على الطريق الرئيسية المؤدية الى مطار رفيق الحريري الدولي حيث قطع أولاً الطريق القديم ومن ثم قطع الأوتوستراد عند الأوزاعي، مما أدى الى زحمة خانقة.
هذه النماذج من التأزم لم تقف عند حدود أزمة التقنين والتعتيم، إذ أن شبح أزمة نفايات كبيرة عاد يثقل مجدداً على الوضع البيئي والصحي، مع الانذار الذي أعلنه اتحاد بلديات الضاحية والشويفات بوقف استقبال نفايات بيروت والشوف وعالية في مطمر الكوستابرافا في نهاية الشهر الجاري.
وسط تصاعد هذه الأجواء الخانقة، بدأت التحركات المتصلة بانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 تتخذ وتيرة تصاعدية يبدو أنها ستشكل في حلقاتها المختلفة دفعاً جديداً للاحتجاجات التي يعتقد أنها ستعود الى تسخين الشارع بقوة. وفي هذا السياق تتجه الأنظار الى محطة احتجاجية شعبية اليوم سيكون مسرحها وسط بيروت حيث دعت “جبهة الانقاذ الوطني” الى اعتصام حاشد سيكون قطباه النائب العميد المتقاعد شامل روكز والوزير السابق شربل نحاس. وجاء في الدعوة الى الاعتصام: “أمام سلطة العجز واللاقرار التي تهدّد المجتمع ببقائه، البديل موجود وهو حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية ترسي شرعية الدولة المدنية.لا سلطة تحاصصية طائفية للفساد، ولا سلطة تكنوقراطية لتغطية السلطة الفعلية، ولا سلطة عسكرية لقمع الحرّيات. وعليه، ندعوكم الى التظاهرة التي تنظّمها “جبهة الإنقاذ الوطني”، وتشارك فيها “حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، يوم الجمعة 17 تموز 2020 الساعة 4:30 بعد الظهر في ساحة الشهداء في بيروت، على أن يتخلّلها كلمتان: الأولى للأمين العام لحركة مواطنون ومواطنات في دولة شربل نحاس، والثانية للنائب شامل روكز”.
الجامعة العربية
في غضون ذلك، استرعى انتباه الأوساط السياسية والديبلوماسية أمس، موقف مفاجئ للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط الذي ذهب الى التحذير من أن “الوضع في لبنان خطير للغاية، ويتجاوز كونه مجرد أزمة اقتصادية أو تضخماً”، معتبراً أنها “أزمة شاملة لها تبعات اجتماعية وسياسية خطيرة، ويمكن وياللأسف أن تنزلق الى ما هو أكثر خطراً”. وأعرب عن تخوّفه من أن “يتهدّد السلم الأهلي في البلاد، بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي يتعرّض لها اللبنانيون”.
وقال في حديث إلى “وكالة أنباء الشرق الأوسط” المصرية: ” أن نصف اللبنانيين الآن يعيشون تحت خط الفقر، ويقبع الربع تحت خط الفقر المدقع، وهو وضع مقلق للغاية في بلد له تركيبة خاصة نعرفها جميعا، لذلك فإنني أتفهم تماماً معاناة اللبنانيين وأتألم لما نشاهد ونقرأ عنه من مآس اجتماعية، كانتحار مواطنين بسبب الفقر وعدم قدرتهم على تلبية حاجات أبنائهم الضرورية”.
وأضاف: “أرجو بكل صدق أن تستشعر الطبقة السياسية هذه المعاناة غير المسبوقة، لأنني حتى الآن لا أرى أن رد فعل الطبقة السياسية في مجملها على الأزمة يعكس ما كنا نأمله من استشعار للمسؤولية الوطنية أو الإدراك الكافي لخطورة الموقف الذي يواجه البلد، فما زال هناك تغليب للمصالح الضيقة على مصلحة الوطن، وهو ما يعمّق الأزمة”.
ووجه نداء إلى الدول والهيئات المانحة “ألا يُترك اللبنانيون وحدهم في هذا الظرف الصعب”، مؤكداً أنه “لا بد من أن يكون هناك حل لإنقاذ الوضع الاقتصادي، لأن تبعات ما يجري ستطاول الجميع في لبنان وخارجه”.
الحريري ورئاسة الحكومة
أما على الصعيد الداخلي، فبرزت مواقف جديدة للرئيس سعد الحريري الذي أسف لاتهام رئيس الوزراء حسان دياب “رئيس حزب معين بتدخله لدى الدول العربية لمنعها من مساعدة لبنان”، وقال في لقاء صحافي: “إن هذا الأمر مرفوض وأنا لن أدخل في جدال معه وآسف أن يتحدث موقع رئاسة الحكومة بهكذا أمر وأن يتدنى خطابه إلى أمور من نسج الخيال. موقع رئاسة الحكومة تبهدل. تاريخنا يشهد أننا كنا نساعد دون أن نسأل”، نافياً أن يكون قد اتصل بأي مسؤول في الكويت.
ووصف الرئيس الحريري علاقته بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً بأنها ممتازة، مشدداً على “أن هذه الدول هم الأصدقاء الفعليون الذين وقفوا مع لبنان ولم يتخلوا عنه خلال كل الأزمات والحروب التي مرّ بها، ومن الضروري أن نبقى على تواصل دائماً معهم للحصول على دعمهم ومساعدتهم للبنان”.
ودعا الى اعتماد سياسة “لبنان أولاً” وتحييده عن الصراع الإيراني – الأميركي، قائلاً: “يجب أن يكون لبنان أولاً واللبنانيون أولاً، وقبل كل قضية تحيط بنا. قبل سوريا وفلسطين والسعودية وإيران وكل قضية أخرى، لكي يتمكن المواطن من أن يعيش حياة كريمة”.
وتساءل: “ما هو الفرق بين النأي بالنفس والحياد؟”، لافتاً إلى أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي “هي التي اعتمدت مفهوم النأي بالنفس بإجماع أعضائها، بما فيهم حزب الله، ونحن طبقنا هذا المفهوم بالممارسة، فهل طبقه حزب الله؟ لا يقولنّ أحد لنا اليوم إن الحديث عن النأي بالنفس يحتاج إلى حوار وطني وغيره، وإن الكلام عنه وكأننا نخرج عن القواعد”. وأكد “أن إسرائيل عدو ونقطة على السطر، ولا يزايدنّ أحد علينا في هذا الأمر”.
وسئل عن الجولة التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبرهيم على الدول العربية فأجاب: “هذه الحركة يجب أن تحصل، فنحن من ضمن الجامعة العربية، وهؤلاء هم الأصدقاء الفعليون الذين وقفوا مع لبنان طوال المرحلة السابقة وفي كل الأزمات التي مرّ بها لبنان. الخليج لم يتخلّ لحظة عن لبنان في كل الحروب العبثية وغيرها التي حصلت على أرضه. فمن وقف مع لبنان ومن كان ينهض بالاقتصاد اللبناني؟ من غير السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان وكل هذه الدول؟ لكن الواضح اليوم أن هناك تصعيداً إقليمياً غير مسبوق. من هنا يجب على لبنان أن يبقى على تواصل دائم مع هذه الدول العربية ويحاول أن يأتي بالمساعدات للبلد”.
وعن الحكم الذي ستصدره المحكمة الخاصة بلبنان في السابع من آب المقبل قال: “في كل البيانات الوزارية نقول إننا نحترم كل القرارات الدولية. فهل سنصبح مثل إسرائيل التي تتعاطى بالقطعة مع القرارات الدولية؟ إما أن نكون ضمن المنظومة في هذا المجتمع الدولي وإما خارجها إذا أراد الشباب ذلك؟
رفيق الحريري استشهد في 14 شباط 2005، والناس هم من طالبوا يومها بالحقيقة والعدالة. وفي 7 آب سيصدر الحكم وسيكون لي كلام، فاسمعوني في 7 آب”.
وفي الشأن الاقتصادي والمالي قال: “نحن ننتظر أن ينخفض سعر صرف الدولار. أليس هذا ما تقوله الحكومة؟ هل سنصوّت ضد ذلك؟ إذا قدّمت الحكومة مشروعاً ينقذ لبنان فإننا سنكون معها ولن نكون ضدها، لكن ليقدموا أمراً يفيد لبنان ولينجزوا الإصلاحات اللازمة وليس المحاصصة الحاصلة. فعلى سبيل المثال، يصوبون اليوم على قانون في موضوع الكهرباء، وهو القانون 462 وهم يريدون تغييره، في حين أننا اليوم في أزمة اقتصادية عميقة، والمجتمع الدولي يطالب لبنان بإصلاحات، فلماذا يريدون القيام بعكس ما يريده المجتمع الدولي؟”.
وقيل له إن الوزير السابق جبران باسيل قال في تغريدة له إن طريق عودته الى رئاسة الحكومة ستكون طويلة، فما ردك؟ أجاب: “هذا الكلام قاله قبل ثلاث سنوات، أليس هو من قال أيضاً إنه سيأتي بالكهرباء 24 على 24 ساعة؟”.