يتوزّع الواقع السياسي بين مشهدين: المشهد الأول يتصدّره البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي كان له أكثر من موقف ولقاء بين بشري والديمان، وتصبّ مواقفه في الخانة نفسها المتصلة بالحياد، فيما تنوعت لقاءاته بين من يؤيّد علناً وصراحة ما يطرحه، وبين من يرفضه ضمناً، من دون ان يعلن ذلك، تلافياً للصدام مع البطريرك، فيضع لائحة من الشروط تحت عنوان التوافق، فيما أكثر من ملف استراتيجي وحساس يتمّ التفرُّد به. وقضية مثل الحياد شكّلت ركيزة ميثاق العام 1943 المطلوب التوافق حولها، خلافاً لكل منطق ودستور. ولا عجب في ذلك لانّ ما يحصل اليوم في لبنان يتجاوز كل عقل ومنطق.
امّا المشهد الثاني فيتصدّره الشارع المعترض على الغلاء وانقطاع الكهرباء وتكدُّس النفايات وتزايد البطالة وارتفاع منسوب النقمة. فعادت التحركات الى الشارع والاعتصامات والتظاهرات، وكل ذلك في غياب المؤشرات الى أي مساعدات او حلول للأزمة المالية، وسط تخبُّط الحكومة بالأرقام، والتي قال رئيسها إنّه لن يستقيل، خشية من فراغ طويل لا يتحمّله لبنان. فيما الناس تسأل، ماذا يختلف الوضع اليوم عن الفراغ الذي تحدث عنه الرئيس حسان دياب؟ لأنّ العنوان الأساس للفراغ هو غياب المبادرات والحلول والخطوات العملية والدوران في الحلقة المفرغة نفسها، وهذا ما هو عليه الواقع اليوم تحديداً. بل قد يكون الفراغ فرصة للاتفاق على خطة إنقاذية حقيقية تشكّل جسر عبور لخلاص اللبنانيين من أزمة لم يشهدوا مثيلاً لها في تاريخهم.
وبين المشهدين، ينتظر لبنان زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان أيف لودريان، آملاً ان يكون حاملاً معه مبادرة او أفكاراً لحلول. وفي انتظار وصوله الى ما تبقّى من أرز في وطن الأرز، يكثر الحديث عن ترسيم الحدود وتعديل مهمة قوات «اليونيفيل» العاملة في الجنوب والمحكمة الدولية التي ستصدر حكمها في 7 آب المقبل.
«تكامل بين الرئيس والبطريرك»
وفيما تدخل البلاد اليوم اسبوعاً جديداً، يُنتظر ان يكون حافلاً بالتطورات السياسية والمالية والاقتصادية، في ضوء الانهيار الذي تعيشه، تصدّرت زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل للبطريرك الراعي في الديمان أمس، الاحداث السياسية في نهاية الاسبوع، ورافقه فيها النائب ابراهيم كنعان والوزير السابق منصور بطيش ومستشار باسيل انطوان قسطنطين.
وقالت مصادر المجتمعين لـ«الجمهورية»، انّ المحادثات «كانت ايجابية وبنّاءة، وقد تمّ التشديد على مبدأ الحياد تاريخياً، حيث شكّل لبنان جسر عبور بين الشرق والغرب، من خلال هذا الدور، وحافظ لفترة طويلة على استقراره، قبل دخول العوامل الاقليمية والدولية على الخط. وكان التوافق تاماً على خلفية انّ الحياد لا يُفرض، بل يتكوّن من خلال إقتناع وطني مشترك، يشارك فيه المسلمون والمسيحيون، وهذا ما يطالب به البطريرك. وقد بحث الوفد مع البطريرك آليات متابعة للقاء، عبّر عنها النائب جبران باسيل في كلمته، وتضمنت التكامل بين الرئيس والبطريرك ودور التيار مع شركائه وحلفائه في الاطار نفسه».
وتخلّل النقاش جولة حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تهمّ المواطنين، واتُفق على متابعة التواصل في الايام والاسابيع المقبلة في عدد من الملفات. وبدا واضحاً رضى البطريرك على النتيجة الايجابية التي توصل اليها اللقاء. وستكون هناك آليات متابعة للقاء ولعدد من الملفات ذات الصلة مع غبطة البطريرك».
كنعان
وفي هذا السياق، قال النائب كنعان لـ«الجمهورية»، انّ «الحياد هو رسالة لبنان التاريخية في هذا الشرق. فالدور الوجودي الذي اضطلع به لبنان كجسر بين الحضارات والاديان والمنطلقات في هذه المنطقة لا يمكنه ان يستمر به من دون حياده الايجابي». واعتبر انّ «هذا الحياد يحتاج اليوم الى مقومات داخلية علينا تأمينها من خلال حوار وطني يستعيد هذه القناعة الوطنية. وهذا دورنا مع سائر القوى المؤمنة باستقلالية هذا اللبنان وريادته وتمايزه. وقد عبّرت البطريركية المارونية بشخص سيدها كعادتها، عن ثوابت لبنان التاريخية والوطنية التي تميّزت بها على مدى العصور، وعلينا استكمال هذا الطريق لتأمين المناخات التي تمكننا من استعادة هذا الدور وهذه الرسالة».
موقف توضيحي
وكان للبطريرك الراعي أمس موقف توضيحي للحياد الذي دعا اليه، فأكّد في عظة الاحد «انّ نظام الحياد يقتضي وجود دولة قوية بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها، وقادرة على الدفاع عن نفسها وشدّ أواصر وحدة شعبها، وخلق الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي». وقال:» ليس نظام الحياد طرحاً طائفياً أو فئوياً أو مستورداً. بل هو استرجاع لهويتنا وطبيعتنا الأساسية، وباب خلاص لجميع اللبنانيين دونما استثناء. رجائي أن يُصار إلى فهم حقيقي مجرد لمفهوم نظام الحياد الناشط والفاعل عبر حوارات فكرية علمية، تكشف معناه القانوني والوطني والسياسي، وأهميته للاستقرار والازدهار».
باسيل
ومن جهته اوضح باسيل، أنّ «سيدنا لم يقصد الحياد في صراع الباطل والحق ولا الحياد بوجه الظلم والفساد ولا الحياد بوجه الاحتلال او الارهاب». وقال : «الحياد هو أمر مطلوب منا ومن الغير لكي يتمّ ويُطبّق، والحياد هو تموضع استراتيجي، خيار اذا اتخذناه يجب التأكّد من إمكانية تطبيقه وملاءمته للواقع.
ولامكانية تطبيقه هناك ثلاثة عوامل: اولاً التوافق الداخلي، لأنّه لا يمكن ان يكون بالفرض او بالنزاع بل بالاقناع والحوار الوطني (…) وثانياً، تأمين مظلّة دولية ورعاية خارجية كاملة لتأمين احترام الحياد وتطبيقه من قِبل الدول، وهذا يتطلب وضعية قانونية معترف بها من قبل الامم المتحدة على غرار دول عدة تعتمد هذا الامر. وثالثاً، وهو الاهم، وجوب اعتراف الدول المجاورة وتسليمها بهذا المبدأ واحترامه وتطبيقه من خلال إخراج عناصر الخارج المتفجّرة في الداخل اللبناني». وحدّد باسيل هذه العناصر بخمسة هي «احتلال إسرائيل للارض والارهاب المنظّم الموجود في لبنان من الخارج وترسيم الحدود لكي نستطيع العيش دون خلافات مع الجوار، وموضوع النازحين السوريين الذي يشكّل عنصراً خارجياً متفجّراً في الداخل، والوجود الفلسطيني في لبنان».
اول زائر غربي
وفي الحراك الديبلوماسي، سيستقبل لبنان مساء بعد غد الأربعاء اول زائر غربي، هو وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، وهو اول زائر على هذا المستوى، بعد اعادة فتح مطار رفيق الحريري الدولي، وذلك في زيارة تمتد ليومين، يلتقي خلالها كبار المسؤولين، في ختام جولة شرق اوسطية له شملت بغداد والكويت.
وعلمت «الجمهورية»، انّ البرنامج الرسمي للزيارات يبدأ قبل ظهر الخميس، باللقاء الذي سيجمعه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، قبل ان يجول على كل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة حسان دياب ونظيره اللبناني ناصيف حتي.
ومن خارج اللقاءات الرسمية، تترقب الأوساط الزيارة التي سيقوم بها لودريان الى بكركي للقاء البطريرك الراعي، الذي سيوافيه اليها من الديمان. وهو لقاء مهّد له السفير الفرنسي، بزيارة للراعي، انجز خلالها جدول اعمالها والقضايا التي ستُطرح خلال اللقاء، والتي تتناول، الى الملفات اللبنانية، قضايا تعني الكنيسة المارونية في لبنان والمنطقة.
وعُلم انّه ستكون للودريان مجموعة من اللقاءات في مقرّ السفارة الفرنسية تشمل عدداً من اصدقائه واصدقاء السفارة من مختلف الإختصاصات والاهتمامات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
التحقيق الجنائي
وفي هذه الأجواء تترقّب الأوساط السياسية جلسة مجلس الوزراء غداً في قصر بعبدا، المخصصة للبحث في عدد من القضايا المالية والإقتصادية والادارية من دون التثبّت من إمكان البحث في قبول استقالة المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني وتعيين البديل منه، وسط معولمات تتحدث عن قرب البَت بالموضوع بعد التريّث فيه.
وفي ظل «التكتم» الحكومي على جدول اعمال الجلسة تحدثت مصادر مطلعة عن انّ ملف التحقيقات المالية في حسابات مصرف لبنان سيُطرح خلال الجلسة، في ضوء السعي الى تحديد المؤسسة التي تتولى هذه المهمة بعد صرف النظر عن مهمة شركة «كرول»، بعدما أعدّ وزير المال غازي وزني لائحة بمجموعة من المؤسسات من جنسيات اوروبية واميركية، والتي يمكن اختيار إحداها لهذا الغرض.
عون يغرّد
وفي هذه الأجواء قال زوّار قصر بعبدا لـ«الجمهورية» انّ موضوع التحقيق في حسابات مصرف لبنان سيحضر في جلسة الغد، سواء كان مدرجاً على جدول الاعمال ام لا. وكان رئيس الجمهورية قد غرّد السبت الماضي على حسابه في «تويتر» بالآتي: «عبثاً نحاول محاربة الفساد إذا لم نجرِ التحقيقات المالية لأننا لن نستطيع أن نصل إلى معرفة كيف هُدرت الأموال إن لم نَقم بعملية التدقيق الجنائي لحساباتنا، لأنّ في هذا شهادة براءة بالنسبة الى الأبرياء وإدانة بالنسبة الى الفاسدين».
خطة التعافي
الى ذلك، وفي انتظار وصول وفد من مؤسسة «لازار» الاستشارية الى بيروت هذا الاسبوع، من المتوقّع ان يتم التركيز على الخروج بخطة موحدة للتعافي، تجمع بين نقاط القوة الواردة في خطة الحكومة من جهة، وخطة المصارف من جهة أخرى، بالتماهي مع ما توصّلت إليه لجنة تقصّي الحقائق النيابية والرؤية التي قدّمها مصرف لبنان.
ويفترض ان يراجع الخبراء في «لازار»، وهي الاستشاري المالي للحكومة اللبنانية في مواجهة تداعيات اعلان التوقف عن دفع سندات «اليوروبوندز»، ما توصّلت اليه الاجتماعات المكثفة التي جرت بهدف توحيد الارقام والمقاربات.
وفي المعلومات، انّ اتفاقاً مبدئياً بات على قاب قوسين أو أدنى في شأن الخروج بخطة موحدة. وسيتم التركيز على تغيير النهج الوارد في الخطة السابقة، وإشراك الدولة اللبنانية في المساهمة في تَحمّل قسم من الخسائر من خلال إنشاء صندوق سيادي. ويبدو انّ فكرة الصندوق أصبحت مقبولة من الجميع، ولم تعد هناك من معوقات حقيقية امام إقرار تأسيسه.
وأكد مصدر متابع لـ«الجمهورية» انّ وفد «لازار» لن يعترض على التعديلات التي أدخلت على الخطة، ما دامت ارقام الخسائر الواردة فيها حقيقية وتعكس الواقع. ومن غير المتوقع ان يتم إجراء تغيير شامل في الارقام، بل تعديلات مقبولة، خصوصاً في ما خصّ خسائر القروض المصرفية الى القطاع الخاص، والتي حسمتها تقارير هيئة الرقابة على المصارف، والتي يمكن اعتمادها كمرجع مقبول لدى صندوق النقد الدولي.
كورونا
صحياً، تتزايد مخاوف اللبنانيين من استمرار انتشار فيروس «كورونا» مع تسجيل مزيد من الإصابات يومياً. وأعلنت وزارة الصحة أمس تسجيل 84 إصابة جديدة، 65 من المقيمين و19 من الوافدين، رافعةً العدد التراكمي إلى 2856.
ومع هذه الأرقام، عاد الملف الصحي ليتصدّر الواجهة، خصوصاً أنّ الإصابات توزّعت على مناطق عدة. وتأهّبت أمس بلدة قرنايل في المتن الأعلى بعد اكتشاف حالة وافدة مصابة، على ما أوضح رئيس بلدية البلدية.
وكان لافتاً أمس إعلان مستشفى سان جورج عن تسجيل 6 إصابات بين العاملين فيه، وقد أصيب 3 موظفين بالعدوى من خارج المستشفى لاختلاطهم بمصابين آخرين، وقد حُجروا مباشرة.
فهمي
وقال وزير الداخلية العميد محمد فهمي لـ«الجمهورية» امس انه سيُطلق بدءاً من اليوم حملة توعية في مواجهة ازدياد معدلات الاصابة بوباء كورونا، محذّراً من انّ عدم التجاوب مع شروط الحماية المجتمعية سيدفعه الى التشدد والقسوة في تطبيقها.
وأوضح فهمي انه سيتمنى على وسائل الإعلام «رفع منسوب التوعية إزاء مخاطر التفلّت من ضوابط الوقاية ضد فيروس كورونا»، وسيطلب من القوى الأمنية «توجيه النصح والارشادات لكل مواطن مخالف تحت طائلة محاسبته اذا كرّر المخالفة»، مشيراً الى انه يحاول قدر الإمكان تفادي فرض الغرامات المالية على المواطنين تحسّساً منه بالظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعانون منها، «لكن من واجبهم في المقابل ان يشعروا بالمسؤولية الوطنية وأن يساهموا في حماية أنفسهم ومحيطهم من خطر التعرّض للعدوى، لأن لا الدولة ولا المجتمع يتحملان فقدان السيطرة على هذا الوباء وما يمكن ان يلحقه ذلك من تداعيات بالقطاع الطبي والاقتصاد اللبناني».
إنارة بيروت
من ناحية اخرى، كشف فهمي لـ«الجمهورية» انه يدرس مع محافظ العاصمة ورئيس مجلسها البلدي «خيار اعتماد الـ Bot لمَد بيروت بالكهرباء 24 على 24 ساعة»، موضحاً «انّ المشروع سيُناقش أيضاً مع وزارة الطاقة، واذا تم إقراره فإنه سيُطبّق من خلال إجراء مناقصة شفّافة بموجب دفتر شروط تضعه دائرة المناقصات، على ان تتولى الشركة الفائزة التي تقدم افضل عرض تنفيذ المشروع».
طائرة مسيرة
جنوبياً، أفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» أنه بينما كان المنشد حسن حرب مع فرقته الموسيقية، يصوّران أنشودة جديدة من وحي ذكرى الانتصار في حرب تموز 2006، في محلّة «بانوراما» على طريق عديسة، في محاذاة الجدار الفاصل بين لبنان والاراضي الفلسطينية المحتلة، ووسط تَجمهر عدد من المواطنين لمشاهدة تصوير الفيديو كليب، عمدت القوات الاسرائيلية في الجهة المقابلة إلى إنزال الطائرة المسيرة وهي من نوع DJI، التي كانت تُستخدم في تصوير العمل الفني، وسحبتها إلى داخل الأراضي المحتلة.
ولاحقاً، غرّد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي عبر تويتر، فكتب: «قبل قليل رصدت قوات جيش الدفاع طائرة مسيرة تسللت كما يبدو من داخل لبنان إلى المجال الجوي الإسرائيلي». وأضاف أنّ الطائرة المسيرة «تابعتها القوات وتعاملت معها من خلال وسائل مختلفة»، لافتاً إلى أنّ الجيش الإسرائيلي «سيواصل العمل لمنع أيّ خرق للسيادة الإسرائيلية».
ولم يقدّم أدرعي معلومات أكثر تفصيلاً حول كيفية تعامل الجيش مع الطائرة.