اذا كانت الحكومة تقدمت أمس في مشروع التدقيق الجنائي المالي عبر تكليف شركة جديدة المهمة الصعبة والمعقدة، وقول رئيس الوزراء حسان دياب لمجلس الوزراء إن “اعتماد شركة للتدقيق الجنائي سيشكّل تحولاً جذرياً في مسار كشف ما حصل على المستوى المالي من هدر وسرقات”، فإن الانجاز بدا منقوصاً سياسياً وتقنياً في ظل أسئلة كثيرة تطرح حول الاعتراض الحقيقي الذي يغطي اعتراضاً ظاهرياً على هوية الشركات، ثم على الاختيار الخاطىء لتلك الشركات. وقد تجدّدت الاسئلة أمس حول اختيار شركة Alvarez and Marsal وإسقاط شركة Kroll ما دام البُعد الامني المتعلّق بالصلة بإسرائيل هو نفسه لدى كل شركات التدقيق المالي. وهو ما طرحته وزيرة العدل ماري كلود نجم سائلة: لماذا استبعدت كرول طالما أن البُعد الأمني شبيه لدى كل الشركات وكان عرضها المالي أقل من غيرها؟ ولم يقدم لها أي جواب، فيما اكتفى الرئيس دياب الذي ختم النقاش بالقول إن الشركة المكلفة هي الأنسب. أما الفريق الممانع، فتقدمه الوزير عماد حب الله بإعلانه تأييده لمبدأ التدقيق الجنائي وتحفظه عن الشركات وارتباطاتها، ولذلك قرّر استخدام الورقة البيضاء التي تعني لا معارضة ولا قبول وجاراه في موقفه الوزيران حمد حسن وعباس مرتضى بورقة بيضاء بهدف عدم العرقلة.
لكن اللافت، وفق متابعين للشأن المالي، أن شركة “ألفاريز آند مارسال”، كما تعرّف عن نفسها، تقدم الخدمات الاستشارية المتخصصة لمساعدة الشركات والمستثمرين والجهات الحكومية في كل أرجاء العالم من دون الاعتماد على الحلول التقليدية. تأسست عام 1983، وهي إحدى الشركات الرائدة على المستوى العالمي والتي تختص بتقديم الخدمات الاستشارية لتحسين أداء الأعمال ومراحل إدارة التحوّل.
وتعمل مع الشركات ومجالس الإدارة، وشركات الأسهم الخاصة، وشركات المحاماة والجهات الحكومية التي تواجه تحديات معقّدة وتسعى إلى تحقيق نتائج ملموسة. إضافة إلى مجموعة من الخبراء في هذا القطاع الذين يكرسون خبراتهم لمساعدة قادة الأعمال على تحويل التغيير إلى أحد الأصول التجارية.
ويذهب هؤلاء الى ان الشركة لا تعمل في مجال التدقيق الجنائي ولا خبرة لها في هذا المجال. وكانت هذه الشركة عملت لبنانياً مع بنك الشرق الاوسط وافريقيا (MEAB) عام 2015 حول اجراءات مكافحة تبييض الأموال المعتمدة في البنك بعد اتهامات وجّهت اليه في الولايات المتحدة الأميركية التي لم تأخذ بنتائج التقرير المعدّ. يُضاف الى ذلك أن أحد مديري الشركة هو الرئيس السابق لشركة “آرثر اندرسن” التي أقفلت عام 2002 بعد ادانتها في المحاكم الاميركية باتلاف أدلّة جرمية في قضية إفلاس شركة “انرون” وإخفاء عمليات احتيالية ورشى قامت بها.
الى ذلك، وبعدما كان التحقيق محصوراً بأربع سنوات وفق الاقتراح المعد، فإن التكليف جاء عن كل السنوات السابقة، محاطاً بعوائق سياسية وقانونية تسد طريقه، ولا يمكن تجاوزها الا بتعديلات في مجلس النواب، مثل قوانين السرية المصرفية والنقد التسليف وصلاحيات حاكم مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان. وهذه التعديلات لن تعبر بسلام ساحة النجمة كما أكد مصدر نيابي لـ”النهار” إذ قال إن هدف هذا الاجراء محاصرة الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والزعيم وليد جنبلاط، وهذه خطة لا يمكن أن تمر عبر مجلس النواب.
وفي المواقف السياسية من الإجراء، اعتبر “تكتل لبنان القوي” أن قرار مجلس الوزراء التعاقد مع احدى الشركات للقيام بالتدقيق المالي المحاسبي التشريحي لحسابات مصرف لبنان خطوة في الاتجاه الصحيح لتحديد الخسائر والمسؤوليات. ودعا الى إقرار قانون كشف الحسابات والممتلكات لكل القائمين بخدمة عامة لما له من أهمية في مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية.
في المقابل، رأت كتلة “المستقبل” أنه “كان الأجدى بالحكومة أن توافق على أن يشمل التدقيق الجنائي والمحاسبي كل مؤسسات الدولة وخصوصاً وزارة الطاقة والإنفاق على قطاع الكهرباء والمديونية المتأتية عنه”.
وتوقع الوزير السابق وئام وهاب “إنقلاباً سياسياً كبيراً وحملة لا رحمة فيها على رئيس الجمهورية والحكومة بعد تكليف شركات التدقيق المالي خاصة عند الإقتراب أكثر مما جرى طيلة ثلاثين عاماً. المهم أن لا تقف الأكثرية مع الإنقلابيين”.
لودريان
على صعيد آخر، وفي زحمة الأزمات، يصل الى لبنان اليوم، وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان، حيث يلتقي الرؤساء الثلاثة وعدداً من المسؤولين الرسميين، والبطريرك الماروني وأصدقاء له ولبلاده. وسيحمل لودريان رسالة حازمة الى السلطات والمسؤولين اللبنانيين للقيام بالاصلاحات الملحّة ورفض باريس تقديم دعمها المالي والاقتصادي قبل القيام بالاصلاحات الحقيقية التي ينتظرها المجتمع الدولي منذ مؤتمر “سيدر” وقد أعيد تأكيدها ووضعت خريطة طريق لتنفيذها خلال اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان الذي انعقد في باريس في 11 كانون الأول من العام الماضي.