يأتي وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان في زيارة هامة في المضمون والتوقيت، حاملا رسالة مزدوجة: التأكيد على تنشيط الدور الفرنسي باتجاه لبنان، وحث الحكومة اللبنانية على الاسراع بالاصلاحات من اجل اتاحة الفرصة لفرنسا لمساعدة لبنان والى جانب الهيئات والدول المانحة.
ووفقا لمصدر بارز لـ«الديار» فإن ابرز علامات هذه الزيارة هي هذه العودة للدور الفرنسي بعد ان حجبته تداعيات ازمة كورونا وعوامل اخرى، منها الفيتو الاميركي الذي وضع بوجه باريس منذ فترة، بعد ان انبرت الادارة الاميركية لممارسة ضغوط مباشرة على لبنان في اطار خطة التضييق على حزب الله وحلفائه.
وفيما لم تتضح عناصر هذه الزيارة ومعالم هذا الدور الفرنسي المتجدد، تحدثت مصادر ديبلوماسية عن رغبة الرئيس الفرنسي في استكمال خطة باريس لمساعدة لبنان وفقا للنتائج التي سيعود بها لودريان من لبنان وفي ضوء مسار الاصلاحات المطلوبة من لبنان.
وتشير المصادر الى ان فرنسا شعرت مؤخراً عبر متابعتها للوضع في لبنان بقلق شديد بسبب ضغوط وتداعيات الازمة الاقتصادية، وما رافقها ويرافقها من تطورات سياسية وعلى الارض.
ويضيف أن زيارة لودريان للبنان تكتسب اليوم اهمية خاصة، لا سيما بعد التصريحات التي ادلى بها مؤخراً وأكد فيها على ثلاث نقاط اساسية هي:
1ـ استمرار الموقف الفرنسي واستعداد باريس لمساعدة لبنان، أكان في اطار ترجمة مقررات مؤتمر سيدر ام على صعيد زيادة المساعدات الفرنسية لمؤسسات وهيئات لبنانية من اجل مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية والمالية.
2ـ التأكيد على وجوب إسراع الحكومة بالاصلاحات المطلوبة كشرط اساسي من اجل توفير الدعم والمساعدات للبنان من خلال صندوق النقد الدولي والهيئات والدول المانحة. وهذا التأكيد مقرون بالقلق الذي أبداه لودريان من استمرار المراوحة في الوضع اللبناني، وبالتالي الانزلاق الى مزيد من التدهور والانحدار.
3ـ اهتمام فرنسا بالحفاظ على استقرار لبنان وسلامته ودعم جهود الحكومة اللبنانية في هذا الاتجاه، مع التأكيد ايضا على تلبية مطالب الشعب والاحتجاجات الشعبية. كذلك حرص فرنسا على دعم الاستقرار في الجنوب ودعم مهمة اليونيفيل من دون تعديل.
وقبل وصول الوزير الفرنسي الى بيروت حيث سيعقد لقاءات مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، بالاضافة الى الاجتماع مع وزير الخارجية ناصيف حتي، قال مصدر بارز لـ«الديار» امس ان لودريان، وفق الاجواء والتقارير الديبلوماسية، لا يحمل معه مقترحات محددة تتعلق بالوضعين السياسي والاقتصادي في لبنان، وليس لديه املاءات لطرحها على المسؤولين اللبنانية، لكنه يركز كما فعل سابقاً على اهمية الوقت وضرورة مسارعة الحكومة الى انجاز كل الاصلاحات والخطوات اللازمة لاعادة الثقة الدولية بلبنان.
ونفى المصدر ان يكون رئىس الديبلوماسية الفرنسية في صدد اثارة موضوع الحياد الذي يطرحه البطريرك الماروني، مع الاشارة في الوقت نفسه الى الموقف الفرنسي المعروف المؤيد لسياسة النأي بالنفس التي اعتمدها لبنان على الصعيد الرسمي في مؤتمر ومحافل عديدة.
وقال المصدر ان زيارة لودريان للبنان بعد أزمة كورونا، التي غيّبت كل اشكال النشاطات الديبلوماسية، تعتبر رسالة فرنسية واضحة لتأكيد رغبة باريس في الوقوف الى جانب لبنان في أزمته ومحنته اليوم، ولإظهار دورها تجاه اصدقائها في المنطقة.
ورأى المصدر ايضا ان هذه الزيارة تطرح سؤالاً مهما وتبعث على الاعتقاد في الوقت نفسه بعودة الدور الفرنسي تجاه لبنان الى مرحلة ما قبل «الفيتو» الاميركي على النشاط الفرنسي.
وأعرب المصدر البارز عن قلقه من ان تكون باريس قد تلمّست مؤخراً مخاطر كبيرة على وشك ان تدخل فيها الساحة اللبنانية، ولذلك ادرجت لبنان من ضمن جدول تحرك وزير خارجيتها في مهمة مزدوجة تحمل طابع الاستطلاع على تفاصيل الاوضاع اللبنانية من جهة، وتوجيه بعض النصائح الى اللبنانيين من جهة ثانية لتدارك الموقف وتفادي تفاقم المخاطر المحدقة بلبنان.
وفي تصريح له، وصف الوزير حتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي بأنها «رسالة ايجابية ومهمة بالنسبة للبنان، وتؤكد استمرار اهتمام فرنسا بمساعدة لبنان والحرص عليه، وهي تشكل ايضاً حثهاً للبنان للاسراع في الاصلاح، والاسراع لا يعني التسرع».
وقال »أحيي فرنسا ودعمها الكبير للبنان من خلال تحديد مهام اليونيفيل وعدم التغيير بمهمة أو عديد القوات ودعم المدارس الفرانكوفونية في لبنان».
وقبل وصول الوزير لودريان الى بيروت، اكدت الامينة العامة للمنظمة الدولية الفرانكوفونية لويزموشيكيو أبو للرئيس عون في اتصال هاتفي أمس على تضامن الاسرة الفرانكوفونية الكامل مع الشعب اللبناني، معربة عن استعدادها التام للمساهمة في الجهود المبذولة لحث دول العالم للوقوف الى جانب لبنان في الظروف الصعبة التي يجتازها.
التدقيق الجنائي بين الحكومة والمعارضة
في هذا الوقت، تباينت الاراء والتحليلات حول الخطوات والقرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، لا سيما التدقيق الجنائي الذي وصفه رئيس الحكومة حسان دياب بأنه قرار مفصلي ومهم والذي كان رئيس الجمهورية قد مارس دورا ناشطا بالدفع في هذا الاتجاه.
وفيما اعربت مصادر الحكومة عن ارتياحها لتحقيق هذا الانجاز، معولة عليه في كشف حقيقة الارتكابات والمالية التي مورست وساهمت مساهمة اساسية في انهيار الليرة، قالت مصادر معارضة بارزة لـ«الديار» امس انها تخشى من ان تكون الحكومة والاطراف الداعمة لها قد اقدمت على هذه الخطوة في اطار الشعبوية، مشككة بالمسار والنتائج التي ستنجم عنها.
واضافت المصادر ان التدقيق المالي والجنائي يجب ان لا يقتصر على مصرف لبنان بل يجب ان يطاول كل الادارات، مركزة على ضرورة التدقيق في حسابات وزارة الطاقة التي تعتبر «المزراب الرئيسي» في عملية استنزاف اموال الخزينة وتراكم الاعباء المالية على لبنان، وحذرت من ان تكون هذه الخطوة غطاء للاستهداف السياسي.
وفي المقابل، قال مصدر وزاري لـ «الديار» انه من المستغرب ان نسمع مثل هذا التشكيك بخطوة الحكومة، مع العلم ان بعض اعضاء المعارضة كانوا على رأس المطالبين بالتدقيق الجنائي».
واضاف »ان قرار الحكومة ليس موجها ضد احد، واننا لا نمارس الكيدية في عملنا منذ ولادة الحكومة وحتى اليوم، لكننا مصممون على ملاحقة ملفات الفساد والهدر والاموال المنهوبة التي ادت الى ما وصلنا اليه اليوم».
واعتبر مصدر نيابي مؤيد للحكومة ان اقرار التدقيق الجنائي حافز لفتح صفحة جديدة في المقاربات والحسابات المالية، لكنه حرص في الوقت نفسه على القول انه علينا ان ننتظر مسار هذه العملية التي يفترض ان تترجم بعد عمل شركة التدقيق بقرارات وخطوات فاعلة لمحاسبة اي مرتكب.
من جهة اخرى، كشفت مصادر مطلعة لـ «الديار» عن ان اتصالات جرت مؤخرا اسفرت عن افساح المجال امام الجهات المالية المدققة وشركة «لازارد» من اجل القيام بمهامها في ما يختص بخطة الحكومة والمقاربات الحسابية والرقمية.
واشارت الى ان خطة الحكومة لن تخضع لتعديلات في عناصرها او توجهاتها، بل تتجه الامور الى حصول بعض التعديلات في المقاربات الحسابية، من دون ان يعني ذلك اجراء عملية تسوية او توفيق بين حسابات الحكومة وحسابات مصرف لبنان.
وفي كل الاحوال، فإن اوساط الحكومة ترى ان ما قامت به مؤخرا، لا سيما في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، من اقرار التدقيق الجنائي ومن بدء مشروع تفعيل الماسحات الضوئىة (Scanners ) على المعابر الحدودية يصب في اطار وضع الخطوات الاصلاحية على السكة، وهذا ما يعزز موقف لبنان تجاه صندوق النقد الدولي والهيئات والدول المانحة.
وامس اكد الرئىس دياب ان الحكومة مصرة على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات الصحيحة انطلاقا من المصلحة الوطنية وفي كل المجالات، وخاصة المالية والاقتصادية.
وقال «ان الخطة المالية الاصلاحية التي تعمل الحكومة على تنفيذها تشكل نقطة انطلاق الى تقديم برنامج لصندوق النقد الدولي».
حرب سد بسري
على صعيد اخر، ارتفعت وتيرة السجالات على مشروع سدّ بسري حيث تتداخل العوامل السياسية بمواقف الاطراف المؤيدة والمعارضة للمشروع. وعلى الرغم من ان هذا الموضوع لم يكن مدرجا على جدول اعمال جلسة اللجان النيابية المشتركة إلا انها شهدت نموذجا من هذا السجال بين عدد من النواب وارتفعت الاصوات التي سمعت خارج القاعة.
أكد وزير الطاقة ريمون غجر لـ «الديار» المضي بالمشروع وفقا لقرار مجلس الوزراء مشيرا الى ان الحكومة طلبت من البنك الدولي تمديد المـــهلة الى ما بعد 22 الجاري لمعالجة الوضع على الارض وتفادي حصول اي تطورات سلبية وتهيئة الوضع للمباشرة بالتنفيذ.
واوضح ان لبنان قدم الى البنك الدولي كل الدراسات المتعلقة بالمشروع من النواحي البيئىة والفنيّة والجغرافية، والتي تراها دراسات كافية وملائمة لصالح المشروع المذكور.
وجدد الحديث عن اهمية سد بسري لتوفير المياه لاجزاء كبيرة من لبنان، معتبرا انه مشروع حيوي وضروري.
وقال «اننا ننتظر رد البنك الدولي»، معربا عن اعتقاده بأنه سيتجاوب مع طلب تمديد المهلة.
وعقد النائب سيزار ابي خليل في حضور عدد من نواب التيار الوطني الحر مؤتمرا صحفيا في المجلس اكد فيه دعم مشروع سد بسري، منتقدا «محاولات التخريب وضرب المصالح الحيوية للناس التي تشتد وتيرتها وخرجت عن كل منطق علمي او قانوني او اخلاقي لدى سياسيين وناشطين وخبراء مزعومين».
ورد عضو اللقاء الديموقراطي بلال عبدالله من المجلس ايضا على «الاصوات العالية» التي تصور المشروع بأنه الطريقة الوحيدة لتأمين المياه لبيروت والضاحية الجنوبية، مؤكدا ان البدائل متوافرة لمن يريد ان يسمع او ان يناقش علميا وسوى ذلك من صراخ لن يقدم ولا يؤخر ولن يؤثر».
والمعلوم ان قوة من الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ارسلت الى منطقة سد بسري في اعقاب عودة حركة الناشطين والاعتصامات لمنع تنفيذ المشروع.