لماذا تصرّ الحكومة على إفشال نفسها؟ ما الحكمة في أن تتمترس الحكومة خلف كل قرارتها الخاطئة؟ لماذا هذا الضرب المبرح في جسد الدولة المتحلّل؟ أسئلة سوف يطرحها الموفد الفرنسي الذي وطأ أرض لبنان حاملاً رسالة تأنيب، ورسالة حثّ، ورسالة تحذير. الضيف الفرنسي كان سبقه وصول نسبة الفقر إلى أكثر من 40% من اللبنانيين، فيما السلة الغذائية التي يُفترض أنها مدعومة لا تزال تحت رحمة التجار الذين لا يرحمون. والفضيحة الجديدة هي بيع لحوم فاسدة. الناس متروكةٌ لقدرها، فيما الحكومة تبحر في أوهامها بالإنجازات أمام الكاميرات، وفي تحويل كل مطلب إصلاحي إلى كيدي بامتياز.
ومع توالد الأزمات يوماً بعد يوم، وفيما أزمة المازوت لم تنتهِ بعد، بدأت تطل من جديد أزمة البنزين، رغم تطمينات شركات التوزيع التي قال باسمها جورج براكس لـ “الأنباء” إن، “الاحتياط يكفي لأربع وعشرين ساعة، موعد تفريغ الباخرة التي تأخرت بسبب تأخر الاعتماد من مصرف لبنان”، لافتاً إلى أن، “هناك باخرة أخرى ستفرغ حمولتها نهاية الأسبوع”، داعياً اللبنانيين إلى عدم الخوف والهلع.
توازياً، أطلق أصحاب المستشفيات الخاصة صرخةً مدوية بوجه الحكومة، مُنذرين إيّاها بالتوقف عن استقبال المرضى بما في ذلك الحالات الطارئة، وذلك بسبب عدم حصولهم على مستحقاتهم منذ أكثر من سنتين، وعدم وقوف الحكومة إلى جانبهم في هذه الأزمة.
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، قال لـ “الأنباء” إن المستشفيات الخاصة تعاني منذ سنتين أزمةً كبيرة، والدولة لم تدفع لهم المستحقات المطلوبة، فوقعت تحت عجزٍ مالي كبير، وبعضها بات مهدداً بالإقفال، مؤكداً أن لا تراجع عن قرار التوقف عن استقبال المرضى إذا لم تدفع الدولة المستحقات.
عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله، كشف لـ “الأنباء” أن المستشفيات في وضعٍ لا تُحسد عليه، “لأن غالبيتها يعاني خسارةً مادية كبيرة، ما جعلها غير قادرةٍ على دفع رواتب الموظفين”، مشيراً إلى أن، “التعرفات الطبية لا زالت على الأسعار القديمة، أي على سعر صرف للدولار 1,500 ليرة، بينما السعر اليوم يناهز الـ 10,000 ليرة”. وقال عبدالله إن “غالبية المستشفيات أغلقت بعض أقسامها، وصرفت قسماً من موظفيها، ويكفي النظر إلى الجامعة الأميركية كي نأخذ العبرة”.
ومع تفاقم الأزمات كانت الأنظار أمس على مشروع سد بسري، حيث السلطة مصرةٌ على تنفيذه بالرغم من كل الدراسات العلمية التي تؤكد عدم جدواه، واعتراض الأهالي على إنشائه. وفي هذا الإطار لفت عبدالله إلى النقاش الحاد المستمر حول السد، مشيراً إلى أن المواقف أصبحت معلنة، مَن هم مع السد ومن هم ضده. وأشار إلى أن الحكومة طلبت من البنك الدولي تمديد مهلة المباشرة بالتنفيذ التي انتهت أمس ثلاثة أشهر إضافية، وحتى الساعة لا جواب من البنك.
هذا في وقت كشفت فيه معلومات موثوقة أن الاتفاقية الموقّعة مع البنك الدولي بالإمكان إعادة التفاوض عليها إذا ما طلبت الحكومة ذلك، وتحويل الأموال لمجالاتٍ ذات أولوية، وهو ما فعلته في اتفاقيات أخرى، لكنها ترفض فعله في اتفاقية السد، ما يطرح المزيد من علامات الاستفهام حول خلفيات الإصرار المشبوه على التنفيذ.
وحول تمسّك تكتل “لبنان القوي” بالمشروع، لفت عبدالله إلى أن “التكتل يعتبر هذا المشروع مشروعه، وهناك من يقول إن المقاول ينتمي إلى التيار الوطني الحر”. لكن عبدالله أكّد أن السد لن يمر لأن، “لا شيء يمكن أن ينفّذ بالقوة بوجود الرفض المطلق من قِبل أهالي المنطقة ومنّا، كحزب تقدمي اشتراكي”.
الناشط البيئي، بول أبي راشد، أكّد لـ “الأنباء” أن القوى المعترضة على السد من بيئيين، ومجتمع مدني، وناشطين قدموا إلى مكان السد من مختلف المناطق، وتمكّنوا من منع الآليات من الانتقال إلى المرج لاستكمال العمل. وأضاف: “نحن نشعر أننا انتصرنا على الحكومة”، معرباً عن الأسف لطلب الحكومة من القوى الأمنية حماية المتعهد، والتصدّي للمعترضين. وكشف أن الشركة التركية التي تتولى تنفيذ المشروع خالفت القوانين، وشروط مجلس الإنماء والإعمار، عبر تدمير المرج، وقطع الأشجار بدون ترخيص، داعياً إلى حوارٍ حول استراتيجية مستدامة لقطاع المياه.
في السياسة، فإن الأنظار شاخصة إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، الذي تحدث مصدر مطلع على اجواء زيارته كاشفاً لـ “الأنباء” أن أولى رسائل لودريان هي تأكيد وقوف فرنسا مع مطالب الشعب اللبناني وحقّه في العيش بكرامة، وحثّ المسؤولين فيه على القيام بواجبهم في الإصلاحات لإنقاذ لبنان؛ والثانية تأنيبية للحكومة على تخلّفها وتقاعسها عن تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها، والتأكيد على أن “زمن الأول تحوّل”، فلا مساعدات بدون إصلاحات. وإذا لم تضع الحكومة القطار على سكة تنفيذ الإصلاحات، وخاصة في قطاع الكهرباء فلا مساعدات؛ أما الثالثة فهي تحذير من المسّ بأي توازنات قائمة على مستوى الصيغة اللبنانية التي من شأنها أن تقلب الأوضاع وتعدّل في أولويات الاهتمام الدولي المنصبّ حالياً على منع انهيار لبنان.
وكشف المصدر أن لقاء “لودريان مع البطريرك بشارة الراعي سيتضمن دعم فرنسا للحياد الذي يطالب به، واستعداد بلاده لتأمين أوسع تأييدٍ لهذا المطلب من مجموع الدول الأوروبية”.
وعلى خط الديمان كشف متابعون لمواقف القوى السياسية أن مسؤولاً رفيع المستوى من حزب الله قد يزور الديمان في اليومين المقبلَين لنقل موقف الحزب إلى الراعي في عدم معارضته الحياد إذا كان ذلك يساعد على الاستقرار، وإنعاش الوضع الاقتصادي، ولا يتعارض مع استراتيجية المقاومة، مع استعداده للحوار مع كل الأطراف السياسية.
إلى ذلك يتفاقم الوضع الصحّي بشكلٍ خطير، ويُنذر ارتفاع الإصابات بالكورونا بالأسوأ. وبعد قرار محافظ جبل لبنان بعزل بلدة قرنايل بسبب تزايد عدد الإصابات بكورونا فيها، أفادت مصادر صحّية “الأنباء” أن وزير الصحة حمد حسن، أبلغ الحكومة عن المناطق التي يتفشّى فيها الوباء بقوة، وأن الحكومة بصدد اتخاذ الخطوات المطلوبة مع التشديد على الالتزام التام بالتعليمات التي تصدرها الوزارة. وأشارت المصادر إلى أن لا قرارات حتى الساعة بإعادة إقفال البلد، والمطار، والمعابر البرية، بانتظار الصورة التي ستتوضح مطلع الأسبوع المقبل.