عندما كانت “نداء الوطن” في طليعة المنادين بوجوب اتخاذ إجراءات احترازية لتحصين البلد في وجه تسلل فيروس كورونا على متن الرحلات الموبوءة من الشرق والغرب، وعندما رفعت شعار “النأي بالنفَس” (بفتح الفاء) رداً على شعار “لا داعي للهلع” الذي رفعت لواءه حكومة حسان دياب ووزير صحتها حمد حسن، كان الهاجس الوطني يومها ألا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من انزلاق متسارع نحو مرحلة التفشي والانتشار. أما وقد “وقع الفاس في الراس” مع تسجيل قفزة جديدة مروعة في أعداد المصابين خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بلغت 124 إصابة (115 بين المقيمين) بالإضافة إلى حالتي وفاة جديدتين، فيبدو أنّ البلد ماضٍ في منزلق خطر تحت إدارة حكومية بائسة وشعارات يائسة جديدها “التذكير لا التسكير” الذي أطلقه وزير الصحة أمس توكيداً على عدم القدرة على اتخاذ أي إجراءات احترازية لحماية المواطنين خارج إطار تذكيرهم بضرورة اتباع تعليمات الوقاية لا أكثر ولا أقل. بمعنى آخر أنّ الناس أضحوا متروكين لقدرهم في مواجهة أمواج التفشي الراهنة والداهمة على وقع دخول البلد “مرحلة انتشار مجهول المصدر” وفق ما تؤكد مصادر لجنة الصحة النيابية لـ”نداء الوطن” محذرةً من معطيات تشي بأن لبنان أصبح أمام “سلالة جديدة فتاكة من الفيروس قادمة من الخارج انتشارها أكبر من تلك التي كان يتم العمل على احتوائها داخلياً في المرحلة السابقة”.
فمع اتساع رقعة انتشار الوباء على امتداد الخارطة الوطنية وتوالي عمليات عزل قرى وبلدات في أكثر من محافظة ومنطقة إثر حالات تفشٍ ناتجة عن مخالطة مصابين، أوضحت المصادر أنّنا “بتنا أمام مرحلة متقدمة من الانتشار خطورتها تكمن في أنه لم يعد بالإمكان معرفة مصدر انتقال الفيروس وحصر نطاقه”، كاشفةً أنّ “السلالة الجديدة التي يرجح أنها وافدة من القارة الأفريقية هي أشد فتكاً وتعتبر من أقوى السلالات الفيروسية التي وصلت إلى لبنان في الأشهر الأولى من الأزمة”، وأضاءت في هذا المجال على عدة حالات أصيبت في الآونة الأخيرة بالكورونا ترافقت مع عوارض مميتة، كحالة الطبيب الشاب الذي كان بصحة جيدة وسرعان ما قضى بالوباء “ما يعني أنّ الفيروس يتطور بشكل سلبي، وهنا لا نتحدث عن فيروس جديد إنما عن تطور خبيث له أكثر خطراً وضرراً” على المصابين بمختلف أعمارهم.
ورداً على سؤال، أفادت المصادر أنّ “مراجع طبية أميركية تقول بوجوب ضرب الرقم الرسمي للإصابات بـ 24 مرة لتبيان الأعداد الحقيقية للمصابين ربطاً بوجود عدد منهم لا تظهر عليه أي عوارض ولم يخضعوا للفحوص المخبرية، وبالتالي قد يكون هؤلاء المصابون بيننا في أي مكان وفي أي لحظة دون أن نشعر، وهم بذلك يشكّلون خطراً كبيراً على محيطهم فينقلون العدوى إلى من يخالطهم دون إمكانية تحديد مصدر انتقال الفيروس للمصابين”، وأردفت: “نعم يمكن القول إنّ الأرقام هي أعلى من الأرقام الرسمية المعلنة لأعداد المصابين الذين ثبتت إصابتهم بالفحوص المخبرية، بينما لا يمكن عملياً وطبياً إحصاء العدد الحقيقي للمصابين لتعذر تعقب أشخاص يحملون الفيروس من دون عوارض”.
وعن الإجراءات الوقائية المتبعة، اختصرتها المصادر بالقول: “هي بيد الناس دون سواهم، وجزء كبير من المسؤولية عن الوضع الكارثي الراهن يتحمله المواطنون الذين لا يلتزمون المعايير والتدابير الاحترازية”، مشددةً على أنّ “الدولة مطالبة بالتشدد أكثر في فرض ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي ومنع الاكتظاظ والتجمعات، ومن المفروض أن يصار إلى إلغاء الأعراس والاحتفالات وحتى مناسبات العزاء والدفن والتأبين على غرار ما حصل في الأيام الأولى حين تمكن لبنان من تحقيق إنجاز على مستوى احتواء الانتشار، لكن يبقى أنّ الإجراءات البسيطة، كوضع الكمامة والتزام التعقيم الدوري والتباعد بين الناس، هي السبيل الأنجع لحماية الشخص ومن حوله من الإصابة بالفيروس، وعليه لا يجوز أن يكون وضع الكمامة اختيارياً بل يجب أن تكون غرامة عدم وضعها غرامة زجرية رادعة لا سيما وأنّ كلفة هذه الغرامة وصلت في بعض الدول إلى 55 ألف دولار مع إمكانية الحبس لمدة ثلاث سنوات”.
في الغضون، وبينما البلد بات على شفير أزمة وبائية قد تفوق في حال تفاقمها قدرة القطاع الاستشفائي على استيعاب تداعياتها، لا تزال السلطة تولي الاهتمام لتمرير صفقاتها وسمسراتها رغماً عن أنوف المواطنين، كما هو حاصل في قضية سد بسري التي تمرّ بلحظات حاسمة تفصلها عن تاريخ 22 تموز موعد انتهاء المهلة المحددة من قبل البنك الدولي لاستكمال مشروع السد. وفي حين يرابط المدافعون عن مرج بسري ميدانياً لإحباط مخطط السلطة والإطاحة به، استرعى الانتباه أمس بيان صادر عن المدير الإقليمي للبنك الدولي يؤكد فيه الحرص على ضمان “التعامل السلمي” مع المحتجين ونشطاء المجتمع المدني الرافضين لمشروع السد، مبدياً جهوزية البنك للعمل مع الحكومة اللبنانية على بحث إمكانيات الاستفادة من مبالغ التمويل المخصصة لاستكمال المشروع في سبيل “الاستجابة للاحتياجات الملحة للشعب اللبناني”.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” أنه تبيّن لها أثناء المداولات التي جرت على طاولة إحدى اللجان النيابية خلال الساعات الأخيرة أنّ الحكومة أعادت إحياء قنوات التفاوض مع المعنيين في البنك الدولي بشأن اقتطاع مبلغ من أحد القروض الممنوحة للبنان لاستخدامات وغايات أخرى، في وقت ترفض الحكومة البحث في اعتماد المبدأ نفسه في ما خصّ المبلغ المتبقي من تمويل سد بسري لطلب تحويله على سبيل المثال إلى تمويل مساعدات اجتماعية للعائلات والمناطق الفقيرة، مشيرةً في هذا السياق إلى أنّ مجرد الخوض في هذا الطرح لا يزال مرفوضاً من قبل وزارة الطاقة، ما يعزز الشكوك بوجود “قطبة مخفية” وغايات مشبوهة وراء الإصرار الحكومي على حصر التمويل بمشروع تنفيذ السد دون سواه، كاشفةً عن “فضيحة جديدة” تستند إلى معطيات موثوق بها تفيد بأنّ “أحد الخبراء الذي كانت وزارة الطاقة تستعين به وتستدعيه لدعم الرأي القائل بوجوب بناء السد أمام اللجان النيابية المعنية، تبيّن أنه استشاري متعاقد مع الشركة المتعهدة تنفيذ المشروع”.