تترقب الأوساط السياسية في لبنان رد فعل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان حيال دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى تحييد لبنان عن صراعات المنطقة في ضوء التوقعات بأنها تتجه إلى التصعيد إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بالتلازم مع بلوغ التوتر ذروته بين واشنطن وطهران.
وتؤكد هذه الأوساط أن أطرافاً سياسية فاعلة تتريّث في تحديد موقفها من «حياد لبنان»، وإن كان من ينتمي إليها بادر بموقف شخصي إلى تبنّي دعوة الراعي، وتقول إن رصد رد فعل لودريان الذي سيلتقي الراعي خلال زيارته لبنان، بات أكثر من ضروري في ظل تباين الآراء حول موقف الفاتيكان من دعوته.
وتلفت إلى الانقسام الحاصل بين فريق يرى أن الراعي لم يطلق صرخته لإنقاذ لبنان من دون التنسيق مع الفاتيكان، وبالتالي يواصل تحرّكه تحت غطائه الداعم له، وآخر يعتقد أنه أطلق صرخته هذه لوقف انهيار البلد ورهانه على أن هناك ضرورة لإحداث صدمة إيجابية يراد منها أن تفتح كوّة في جدار التأزّم الذي يحاصر الجميع من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج يمكن التأسيس عليها لإخراجه من أزمته.
وتعتقد الأوساط نفسها أن الراعي أطلق صرخته من تلقاء ذاته اعتقاداً منه بأن ما طرحه ما هو إلا الوجه الآخر لمطالبة المجتمع الدولي الحكومة باتباع سياسة النأي بالنفس بالأفعال لا بالأقوال وربط مساعدة لبنان بتطبيق ما ورد في البيان الوزاري للحكومة في هذا الخصوص، وبالتالي فإن الفاتيكان يقف على رأس الذين يصرّون على وجوب التزام لبنان هذه السياسة ليستعيد ثقة الدول العربية والغربية التي تشترط عليه الإقلاع عن سياسة الانحياز التي تتبعها الحكومة وتصب لصالح «محور الممانعة» برعاية إيران، وهذا ما يتصدّر جدول أعمال المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل لخطة التعافي المالي.
وفي المقابل، فإن جهات سياسية ما زالت تنظر بحذر إلى دعوة الراعي من دون أن تتسرّع في الإعلان عن رفضها لها، وهذا ينطبق بالدرجة الأولى على «الثنائي الشيعي» مع أن بعض المرجعيات الروحية الشيعية أخذت على عاتقها منذ اللحظة الأولى إطلاق النار عليها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر في «الثنائي الشيعي» الذي يتتبّع حالياً ردود الفعل، بأنه توجّه باللوم إلى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان ليس على خلفية رفضه حياد لبنان؛ وإنما من زاوية الاعتراض على ما حمله موقفه من كلام كان من المستحسن ألا يقال في مخاطبته غير المباشرة للراعي.
وتؤكد المصادر نفسها أن «الثنائي الشيعي» يربط موقفه النهائي من «حياد لبنان» بالنتائج التي ستسفر عنها زيارة الراعي إلى الفاتيكان، وتكشف عن أن «حزب الله» على تواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يدعو إلى التوافق على الحياد، وأيضاً مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي يقف حالياً في منتصف الطريق لئلا يُغضب حليفه الحزب في حال اندفع في تأييده طرح الراعي، أو يزعج الأخير برفضه المبادرة التي أطلقها.
لذلك؛ فإن عون يشترط الوفاق بذريعة أن طرح الراعي يمكن أن يؤدي إلى إقحام البلد في اشتباك سياسي بين الحزب وبين من يدعم مبدأ الحياد، فيما لوحظ أن رؤساء الحكومات السابقين في اجتماعهم الأخير تفادوا إصدار بيان بتأييد الراعي رغم أن الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري كانا أيّدا دعوته. وتردّد أن تريّثهم يعود إلى مراقبة ردود الفعل؛ بدءاً بالموقف الذي يمكن أن يصدر عن لودريان، أو الآخر المرتقب من الفاتيكان من خلال الزيارة المتوقّعة للراعي في نهاية الشهر الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لـ«اللقاء الديمقراطي» مع أن معظم نوابه وبمواقف منفردة تبنّوا بلا تحفّظ موقف «بكركي».
وعليه؛ فإن «حياد لبنان» بوصفه منظومة سياسية متكاملة سيلقى مقاومة بقيادة «حزب الله»، وقد يكون البديل إعادة الاعتبار لـ«النأي بالنفس»؛ لأنه لا قدرة للبنان على تسويق «الحياد» خارجياً في ظل اشتداد الصراعات في المنطقة.