كما كان متوقعا، لم يحمل وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت الا «التأنيب» للمسؤولين اللبنانيين المقصرين في عملية الاصلاح، لا حلول اقتصادية، ولا خطط للمساعدة، وانما «حض» على القيام بواجباتهم..هذا الكلام الفرنسي العلني والواضح «والمخجل» لبنانيا، حمل مضامين موازية تفيد بان باريس غير قادرة على التحرك بعيدا عن «الرضى» الاميركي، وهذا يعني ان لامفاعيل ملموسة للزيارة، فثـمة قرار واضح بعدم ترك لبنان «يموت» لكن ابقاءه على اجهزة «الانعاش» تبدو ضرورة اميركية ملحة في زمن الضغوط على ايران وحلفائها في المنطقة، واذا كــان رئيس الدبلوماسية الفرنسية، قد اشاد بطرح «الحياد» من بكركي، الا ان باريس «الواقعية» تعرف صعوبة تحقيقه، وفي هذا السياق كان الوضع على الحدود الجنوبية حاضرا في محادثات لودريان، من «بوابة» التجديد «لليونيفيل» حيث اكد «الزائر» الفرنسي على موقف بلاده الرافض لتعديل مهامها، في وقت لا تزال اسرائيل الغارقة في ازمتها «الكورونية» «متوترة» بانتظار رد حزب الله، «الصامت»، والذي يراقب على نحو «دقيق» مجريات الاحداث في الداخل الاسرائيلي…
«كورونا» ينتصر؟
في هذا الوقت، ينزلق لبنان دون «كوابح» نحو ازمة صحية «كارثية» بعدما دخل رسميا مرحلة الانتشار المجتمعي لوباء «كورونا»، ولم تعد تكفي التحذيرات في الحد من الانتشار، ولم يعد يكفي اعلان وزير الصحة حـمد حسن عدم العودة الى اقفال البلد او المطار، لان الاقتصاد لم «ينتعش» اصلا، واذا غرقت المستشفيات باعداد المصابين، وانهار النظام الصحي ستكون البلاد امام ازمة كارثية، ووفقا لمعلومات وزارية فان التدابيرالاولية ستكون عبر اجراءات عزل لاحياء ومناطق موبوءة، الا انه وفي ظل استمرار عداد الانتشار في الارتفاع ثمة ضغوط على الحكومة من الطواقم الطبية والصحية خصوصا ادارة مستشفى رفيق الحريري التي وصل الاشغال فيها الى نحو 60 سريرا خلال ساعات لاتخاذ اجراءات قاسية قد تصل الى اقفال البلد لمدة تتراوح بين اسبوع واسبوعين لمحاولة السيطرة على «الوباء».
ووفقا ما اعلنه وزير الصحة حمد حسن، دخل لبنان المرحلة الرابعة من فيروس «كورونا»، ونبه إلى «أننا دخلنا مرحلة الانتشار المجتمعي»، وقال نحن أمام منعطف خطير، الفيروس منتشر في 3 مناطق أساسية، وتخوف وزير الصحة من «عدم قدرة المستشفيات على الاستيعاب»، قائلاً «المشكلة ليست في الرقم بقدر ما هي في مزاحمة أسرّة العناية الفائقة، والوضع التصاعدي الخطير يجعلنا نأخذ جملة تدابير للدرس تماشياً مع الواقع الذي يتغيّر يومياً».
وكان العداد «الكوروني» سجل بالامس 165اصابة حيث تقبع في المستشفيات 17 حالة حرجة، ما يرفع العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 3260، وفيما اصيب أحد مخاتير فرن الشباك بـ «كورونا» اجريت فحوصات عشوائية لنحو 250 من سكان المنطقة الواقعة ضمن إطار مركز عمل المختار المصاب، فيما جرى عزل بلدة شحور الجنوبية بعد وصول عدد المصابين الى 35مساء امس، كما نقل9 مصابين «بالفيروس» الى المستشفى اللبناني الكندي، بعد ظهر امس، ونقل الصليب الاحمر 15 اصابة الى المستشفيات و 19 مخالطاً لاجراء فحوص… كما تم اكتشاف حالة في مستشفى الرسول الاعظم.
«تأنيب» فرنسي للمسؤولين
وكما كان صريحا امام مجلس الشيوخ الفرنسي، قبل ايام، «انب» وزير الخارجية الفرنسية المسؤولين اللبنانيين، وابلغهم عدم رضى بلاده عن الاصلاحات، واشار الى ان مفتاح اي مساعدات فرنسية او دولية، هو اتخاذ تدابير اصلاحية جدية، داعيا اياهم الى الاسراع فيها لان « الاوضاع خطيرة جدا»، مكررا مقولته «ساعدوا انفسكم لنساعدكم» ومؤكدا ان «ما رأيناه في الكهرباء لا يشجع» واننا نريد اصلاحات عملية ملموسة، آسفا لان «صرخات الناس في 17 تشرين للتغيير ومكافحة الفساد، لم تُسمع حتى الساعة»، وداعيا الجميع الى التقيد بالنأي بالنفس..
عون يقر بصعوبة الاصلاح؟
ووفقا للمعلومات، اقر الرئيس ميشال عون بوجود صعوبات، وعراقيل، تواجه جهود مكافحة الفساد، واشار الى وجود متورطين كثر يمارسون ضغوطا عديدة لوقفها، وابلغ لودريان ان ثمة قوى سياسية تريد افشال العهد وتعمل على منع حصول اصلاحــات، ولفت الى ان الخطوات التي تحققت في مجال مكافحة الفساد ومنها إقرار التدقيق الجنائي، إضافة إلى التدقيق الحسابي أظهر وجود خلل في ماليـة الدولة، وتحدث عن التداعيات التي خلّفتها الحرب في سوريا على الاقتصاد اللبناني بعد إغلاق الحدود، وكذلك مسألة النازحين السوريين التي كبّدت لبنان خسائر تتجاوز الـ40 مليار دولار وفق المعطيات المتوافرة لدى المنظمات الدولية، وكذلك شدد على تمسـك لبنان بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، مشيدا بالدور الذي تلعبه فرنسا دائماً في اطار التجـديد «لليونيفيل»، وفي هذا الاطار نقل لودريان إلى عون رسالة شفهية من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اكد خلالها وقوف فرنسا إلى جانب لبنان، ولفت الى ان بلاده متمسكة بعدم تعديل مهمة القوات الدولية، محذرا من التوتر على الحدود الجنوبية، مشيرا الى إن مفاعيل مؤتمر «سيدر» لا تزال قائمة لكن تحريكها لن يحصل الا بعد تطبيق الاصلاحات التي التزمتها الحكومة اللبنانية بهذا المؤتمر عند انعقاده في باريس.
محدودية التأثير الفرنسي؟
ومع أعلان لودريان أن باريس وضعت خطة لمساعدة اكثر من 40 مدرسة فرنسية، لفتت اوساط سياسية بارزة مطلعة على الموقف الفرنسي الى ان باريس تدرك حدود قدراتها على تجاوز «الضغوطات» الاميركية، وهي تدرك ان حدود مساعدتها يقتصر الان على «انعاش» جزئي للاوضاع الاجتماعية قد لا يغرق لبنان بالفوضى، لكن اي عملية انقاذ تبقى مرتبطة بالسياسة اولا واخـيرا، لان الفساد في لبنان ليس جديدا، والدول الغربية كانت تدعم الحكومات الفاسدة على مدى عقــود، لكن المستجد الان هو ان الاستراتيجية الاميركية لمعاقبة وحصار ايران وحلفائها في المنطقة في ذروتها، والجميع يعمل الان وفق «الاجندة» الاميركية التي تقضي بعدم «خنق» لبنان، لكن مع ابقائه على «اجهزة» الانعاش…
وكان لودريان اكد من الخارجية بعد زيارته السراي وعين التينة انه من الملح والضروري السير على درب الإصلاحات وقال «هذه الرسالة التي جئت لأحملها أي المفاوضات عبر صندوق النقد الدولي، إذ أن ليس هناك من حل بديل ليخرج لبنان من أزمته، إضافة الى محاربة الفساد ومكافحة التهريب واصلاح الكهرباء»، لافتا الى أن «ما تم القيام به بملف الاصلاح بقطاع الكهرباء ليس مشجعاً» وأكد دعم فرنسا للجيش اللبناني وقوى الأمن من اجل ضمان استقرار البلاد، قائلا: «من الضروري أن تؤكد الدولة على سيطرتها على كامل الاراضي اللبنانية وعلى السياسيين النأي بلبنان عن الأزمة التي تمر بها المنطقة». وختم كلمته بالقول «فرنسا ستقف دوما الى جانب لبنان ولكن كي ينجح المسعى على السلطات اللبنانية ان تؤدي حصتها من العمل و«ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم».
لودريان «والحياد»؟
وبعد زيارته لمؤسسة عامل في حارة حريك، زار لودريان بكركي ونقل عنه قوله امام البطريرك المارونــي بشارة الراعي ان لا سيادة دون الحياد، ووفقا لبيان الصرح البطريركي عبر الوزير الفرنسي عن تقديره لطرح الراعي مؤكداً أن لبنان يملك كلّ المقومات للنهوض من جديد، فيما اشار الراعي إلى أن الحياد يقتضي قيام دولة قوية للدفاع عن سيادة لبنان وإستقلالها.
تعثر المفاوضات؟
في هذا الوقت، اكدت مصادر مصرفية مطلعة، ان المصارف اللبنانية رفعت مستوى ضغوطها وهددت بالانسحاب من المفاوضات مع وزارة المال وشركة لازار احتجاجا على اصرار الحكومة على اقرار «الهيركات» الذي ترفضه المصارف على نحو قاطع؛ من جهة أخرى قالت مصادر وزارية أن السبب الحقيقي وراء تهديد المصارف بالانسحاب من المفاوضات هو اصرارها على وضع الحكومة أصول الدولة على طاولة البحث، ما استدعى حصول اتصالات حثيثة خلال الساعات الماضية ادت الى قرار بحضور الاجتماع المقرر اليوم في وزارة المال والسراي الحكومي.
«صمت» حزب الله
وفيما لم تشمل لقاءات الوزير الفرنسي اي اجتماع مع حزب الله، يعمل الحزب «بصمت» على اكثر من خط، فمــن جهة يستمر في تجنب اي سجال داخلي مع البطريركية المارونية حول اقتراح تحييد لبنان، وهو «صمت» ايجابي يبقي الاقتراح بعيدا عن استغلاله سياسيا من قبل بعض القوى الراغبة في «حشره» بمعركة جانبية مع بكركي، مع ترجيح حصول حوار مــع الصرح، لكن الاهم في هذه المرحلة يبقى «الصمــت» المقلق الذي يواجه من خلاله الاستنفار الاسرائيلي على الحدود، حيث تعيش قوات الاحتلال حالة من الارباك وعدم اليقين حيال ما تحضر له المقاومة من رد على استشهاد احد عناصرها في الغارات على سوريا…
الغاء مناورات عسكرية
واذا كان من المفروغ منه ان حزب الله لن يسمح بتعديل قواعد «الاشتباك» في المنطقة، فان رده سيكون حتميا، وهادفا، دون الدفع بالجبهة الجنوبية نحو الاشتعال، هكذا يظن الاسرائيليون، لكن يبقى ان ما يشغل بال القيادة العسكرية والسياسية «الصمت» المغلف بتحركات ميدانية دالة على ان شيئا ما يتحضر، وفي هذا السياق تم الغاء مناورة عسكرية كانت مقررة الاربعاء في المنطقة الشمالية، ويبقى السؤال المركزي ان كان سيكون دون «بصمات» واضحة هذه المرة على «شاكلة» الاحداث المريبة في ايران، او باعلان رسمي يزيد ارباك «الجبهة الداخلية» الاسرائيلية الغارقة في فوضى «كورونا»، والقلق من الردود الايرانية الحتمية…
«العين» على «الجبهة الداخلية»
وفي هذا السياق، تبقى «عين» حزب الله على الداخل الاسرائيلي، حيث تتفاقم الامور «كورونيا» نحو الاسوأ وسط حالة من التخبط، والفوضى في «الشارع» المنتفض على رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، وبحسب صحيفة «يديعوت احرنوت» فان الحفرة التالية قد لا تكون اقتصادية ، بل وأمنية أيضاً، وتقول الصحيفة ان «عيون» «الاعداء» تتطلع إلينا، والصورة التي يرونها في عيونهم هي إسرائيل التي تضعف، وقد بات الوضع يبعث على ردود فعل دولية انتقادية واستخفافية.. فالصورة التي ترتسم في الخارج هي صورة إدارة وطنية مشوشة وعديمة الاتجاه، صورة سقوط اقتصادي وصورة جمهور يفقد من يوم إلى يوم الثقة بقرارات حكومته ويخرج للتظاهر في الشوارع.
وبحسب الصحيفة، تبدو إسرائيل اليوم تقريباً كتلك الدول العربية التي اندلع فيها «الربيع العربي» في بداية العقد وأدى إلى انهيارها. وبرأي الصحيفة فان آثار هذه الصورة على قدرة الردع لدينا في غاية الخطورة،وهو ما يؤكد «لأعدائنا» عمق الأزمة التي تقع فيها إسرائيل وتسحق قدرة الردع الأمنية أكثر فأكثر، وهو ما يشجعهم للمبادرة إلى خطوات معادية. وخصوصاً حين يكون رئيس الولايات المتحدة غارقاً بنفسه في أزمة عميقة في أعقاب كورونا عشية الانتخابات، وتبدو فرص انتخابه موضع شك… والآن، من شأن أزمة كورونا أن تتحول إلى حدث أمني ســتكون تداعياته أخطر بكثير من الأزمة الصحية الاقتصادية.
«البكاء والدماء»
من جهتها، اشارت صحيفة هارتس الى ان اسرائيل «تلعب بالنار»،ولفتت « الى ان الجنرال كينت ماكنزي، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط اكد إنه على قناعة بأن إيران سترد على الدولة التي تهاجمها. وذكر اسم إسرائيل لسبب ما، ومرت أقواله تلك بتثاؤب ممل في إسرائيل، وقالت عندما يصل الأمر إلى إيران فإن الجميع يقفون بصمت، صمت متوتر، صمت هادئ. محذرة من خطر سينتهي بالبكاء والدماء؟..