اختصر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، زيارته إلى بيروت في شعار: «ساعدونا لنساعدكم»، مجدداً التأكيد على المطالب التي لطالما كرّرتها بلاده والمسؤولون في المجتمع الدولي، والتي ترتكز بشكل أساسي على مكافحة الفساد والسير بالإصلاحات؛ رابطاً مساعدات مؤتمر «سيدر» بتحقيقها.
وفي زيارة تكتسب أهمية من حيث التوقيت بالنسبة إلى لبنان، التقى لودريان رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة حسان دياب، إضافة إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي.
وقالت مصادر رئاسة الجمهورية لـ«الشرق الأوسط» إن الموفد الفرنسي لم يحمل خطة بمعنى الخطة؛ إنما ركّز بشكل أساسي على ضرورة تنفيذ الإصلاحات للحصول على مشاريع ومساعدات مؤتمر «سيدر» الذي لا يزال قائماً، مشيرة إلى أنه لم يتم التطرق إلى موضوع «حياد لبنان» في اللقاء الذي جمعه مع الرئيس عون.
وكان لودريان استهل لقاءاته مع عون ناقلاً إليه رسالة من نظيره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد فيها «وقوف فرنسا إلى جانب لبنان، وأنها مصممة على مساعدة لبنان، وتتطلع إلى إنجاز الإصلاحات الضرورية التي يحتاج إليها»، مؤكداً أن «مفاعيل مؤتمر (سيدر) لا تزال قائمة، ويمكن تحريكها بالتوازي مع تطبيق الإصلاحات التي التزمتها الحكومة اللبنانية».
وأشار الوزير الفرنسي إلى أن «باريس وضعت خطة لمساعدة المدارس الفرنكوفونية في لبنان لمواجهة الأزمة الراهنة، وهي تشمل أكثر من 40 مدرسة في إطار دعم فرنسا المدارس التي تدرس اللغة الفرنسية». ولفت إلى «المساعدات التي قدمتها بلاده لمواجهة وباء (كورونا)، إضافة إلى دعم إنساني بلغت قيمته 50 مليون يورو».
من جهته، أبلغ رئيس الجمهورية وزير خارجية فرنسا أن «لبنان يتطلع إلى مساعدة باريس في مسيرة الإصلاحات ومكافحة الفساد التي بدأها منذ بداية ولايته الرئاسية، ومن خلال سلسلة قرارات اتخذتها الحكومة في إطار الخطة التي وضعت للتعافي المالي والاقتصادي».
وعرض عون للوزير لودريان الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، سواء من الناحية الاقتصادية والمالية، ومن ناحية تداعيات وباء فيروس «كورونا»، مشيراً إلى «الجهود التي تبذل من أجل الخروج من الأزمة الراهنة بكل وجوهها، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة».
وتحدث رئيس الجمهورية عن تداعيات الحرب في سوريا على الاقتصاد اللبناني ومسألة النازحين السوريين، وقال إنها كبدت لبنان خسائر تتجاوز 40 مليار دولار. وعرض للوزير الفرنسي «الخطوات التي تحققت في مجال مكافحة الفساد؛ ومنها إقرار التدقيق الجنائي، إضافة إلى التدقيق الحسابي الذي أظهر وجود خلل في مالية الدولة»، متحدثاً عن «صعوبات وعراقيل تواجه مكافحة الفساد، خصوصاً مع وجود متورطين كثر فيه، يمارسون ضغوطاً عديدة لوقفها».
وشدد عون على «تمسك لبنان بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (1701)»، شاكراً لفرنسا «الدور الذي تلعبه دائماً في إطار التجديد سنوياً للقوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل)». وحمل رئيس الجمهورية الوزير لودريان رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمنها شكره للمواقف التي يتخذها حيال لبنان وللمبادرات التي قام بها في هذا الإطار.
وانتقل لودريان إلى السراي الحكومي؛ حيث التقى رئيس مجلس الوزراء حسان دياب الذي قال لضيفه: «لبنان ينظر إليكم كصديق تاريخي للبنان، وفرنسا وقفت إلى جانب لبنان في المحطات الصعبة، وأنا على ثقة بأنها لن تتخلّى عنه اليوم». وأضاف: «أنجزنا إصلاحات عديدة وواجهتنا عقبات، وضعنا جدولاً زمنياً بباقي الإصلاحات، أما تلك المتعلقة بـ(سيدر)؛ فقد أنشأنا لجنة وزارية لمتابعتها».
وطلب دياب دعم فرنسا بملف الكهرباء ومع صندوق النقد، مشيراً إلى أن الحكومة أقرت التدقيق الجنائي في «مصرف لبنان» لكشف الفجوة المالية وأسبابها وخلفياتها، كما لفت إلى «قرار اعتماد (سكانر) على الحدود وفي المرافئ والمطار، لأن هذا يضبط البضائع جمركياً ويؤمن للدولة مداخيل كبيرة كانت تذهب هدراً»، وأشار إلى أن «المجتمعات المضيفة للنازحين السوريين بدأت تشعر بهواجس من وجودهم، والنازحون بدأوا يشعرون بعدم الراحة، وهذا أمر خطير».
وفي ختام لقاءاته السياسية قبل أن يجتمع مع البطريرك الراعي، عقد الوزير الفرنسي مؤتمراً صحافياً مع نظيره اللبناني ناصيف حتي، معلناً أنه يحمل رسالة للبنان في وقت تواجه فيه البلاد وضعاً حرجاً والأزمة الاقتصادية كبيرة، مشيراً إلى أن بلاده تريد تفادي أن تغير الأزمة التعايش الاجتماعي في لبنان. وقال: «من اللازم احترام سياسة (النأي بالنفس) عن الصراعات في المنطقة». كما أعاد التأكيد على أن فرنسا «مستعدة لحشد الدعم المالي للبنان، ولكن لا بد من إصلاحات ملموسة». وأضاف أن «هذه ليست تطلعات فرنسا فقط؛ بل تطلعات الأسرة الدولية بأكملها». وأكد أنه ليس هناك حل بديل لبرنامج صندوق النقد الدولي للسماح للبنان بالخروج من الأزمة.