كتبت “النهار” تقول: على طريقة “اللّهم إني قد بلّغت”، أنهى وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان يومين حافلين من اللقاءات والتحركات والمواقف اللافتة التي خرق عبرها دوّامة العقم السياسي والرسمي والحكومي الذي يطبق على ادارة أسوأ واخطر أزمة عرفها لبنان في تاريخه. وبمثل ما قدم لزيارته قبل أسبوعين من مجلس الشيوخ الفرنسي ومن ثم استكمل ذلك في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، بدا واضحاً ان لودريان تعمد إنهاء زيارته على صدى تحذيرات إضافية، فأعلن ان “لبنان بات على حافة الهاوية”، مكرراً دعوته لتنفيذ إصلاحات ضرورية لحصول لبنان على دعم مالي خارجي.
وبدا لودريان حاسماً في تصريحاته خلال الزيارة التي تُعد الأولى لمسؤول رفيع المستوى للبنان منذ تشكيل الحكومة الحالية وبدء انتشار وباء كوفيد-19 قبل أشهر. وشدد على ضرورة عدم المماطلة والإسراع في الإصلاحات.
وقال أمس: “هذا البلد بات على حافة الهاوية” إذا لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه”.
وأضاف: “الكلّ يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم شرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات” للسير في طريق الإصلاحات. وخلص إلى أن “هذه طلبات فرنسا، وأعتقد أنها سُمعت”.
وصرح بعدما زار مستشفى رفيق الحريري الحكومي ومدرسة كرمل القديس يوسف في المشرف: “أصل الآن إلى نهاية زيارتي الرسمية للبنان. جئت إلى لبنان حاملاً رسالتين. أولاً، رسالة إلحاح، لأنه يجب قول الأمور كما هي: لبنان اليوم على حافة الهاوية. إذا لم يتم اتخاذ خطوات، فقد يذهب لبنان إلى الهلاك. يعي الجميع ما هي الطريق التي يجب أن يسلكها لبنان. هناك طرق لإعادة إنعاش البلاد. فرنسا مستعدة لدعمها، شرط أن تقرر السلطات السياسية ذلك. رسالة الإلحاح هذه التي عرضتها بالأمس على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، أكررها اليوم. كما أتيت أيضاً لأحمل للشعب اللبناني رسالة تضامن. جئت لأؤكد هذا التضامن مرة أخرى في هذا الصباح. يتجلى هذا التضامن في المساعدة المباشرة للقطاع التربوي اللبناني برمّته، ولا سيما القطاع التربوي الفرنسي والفرنكوفوني، وهو أمر مهم للغاية في لبنان، لأن قوة هذا البلد هي أنه يبعث بالأمل من خلال التعليم والعطش للتعلّم والقدرة على جعل التعليم مصدر غنى. هذه القوة هي التي في رأيي ستحمل لبنان نحو مصير جديد. أعود اليوم مقتنعاً بأنني أوصلت هاتين الرسالتين، مقتنعاً أيضاً بأن الوعي الذي لا بد منه سيتحقّق”.
وأبلغ مسؤول فرنسي رفيع طلب عدم ذك اسمه “وكالة الصحافة الفرنسية” أن “فرنسا لن تُقدم على أي لتزام مالي ما لم يتم تطبيق إصلاحات”، محذراً من أنه لا يمكن الحصول على شيء من المجتمع الدولي في غياب الثقة. وحذر من أنه “بدأ يفوت الأوان”.
الملف المالي
في أي حال، بدت تحذيرات وزير الخارجية الفرنسي في محلها تماماً لأنه غادر بيروت على وقع تصاعد التباينات والخلافات مجدداً في شأن الخطة المالية للحكومة والأرقام المالية في الاجتماعات المتعاقبة التي عقدت أول من أمس وأمس في محاولة جديدة للتوافق بين الجهات الرسمية والمصرفية والمالية على هذه الأرقام. وتصاعد الخلاف بقوة خصوصاً بين الحكومة والشركة الاستشارية الدولية “لازار” من جهة وجمعية مصارف لبنان من جهة أخرى في موضوع “الهيركات” الذي يطاول الودائع والسندات، وتتخطى الحكومة و”لازار” موقف المصارف المتحفظ عنه الى حدود التلويح بوقف مشاركتها في الاجتماعات والمفاوضات.
وعقد أمس اجتماع تقني في باريس بين مستشار جمعية المصارف GSA و”لازار”، سبق اجتماعاً بين ممثلين لجمعية المصارف ووزارة المال بعد الظهر ومن ثم اجتماع ثالث عقد عصراً في السرايا برئاسة رئيس الوزراء حسن دياب وضم مندوبين عن جمعية المصارف والوزراء والمستشارين المعنيين بملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ويبدو ان المصارف حزمت أمرها، كما تؤكد مصادرها، وهي لن تقبل بتاتا بإقتطاع أي نسبة من الودائع، وترى أن مسألة المساس بهذه الودائع هي مسألة حياة أو موت بالنسبة الى القطاع المصرفي. وأوضحت مصادرها ان هذا الموقف ليس مجرد تضامن مع المودعين لكونهم شركاء ومساهمين في المصارف فحسب، بل ينطلق من حرص شديد على القطاع، باعتبار أنه “اذا اقتطعت أي نسبة من الودائع، لن تعود هناك أي ثقة مستقبلية به، ولن تقوم قائمة له”. لذا أكدت أن “هذا الموقف المتشدد هو موقف مبدئي وأخلاقي وقانوني يحميه قانون النقد والتسليف وقانون حماية الملكية الفردية وسمعة وعراقة المصارف اللبنانية. ولهذا هو موقف نهائي للمصارف التي تدرك أن الاقتصاد اللبناني قد يدفع ثمناً كبيراً نتيجة الازمة الحاضرة، لكنها تصر عليه لحماية المستقبل اللبناني عموماً والقطاع المصرفي خصوصاً الذي لا قيامة لأي اقتصاد مستقبلاً دون عودة الثقة والعافية له.
في غضون ذلك، وبعدما أوردت وكالة “رويترز” بيانات مالية للعام 2018، نالت مصادقة “إي.واي” و”ديلويت” الشهرَ الماضي ولكن مع تحفظات، تشير الى ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضخّم قيمة الأصول مع تنامي الالتزامات، رد سلامة رافضاً أن تكون حسابات المصرف المركزي قد استغِلت لجعلِ مركزِه المالي يبدو أقوى أو لإخفاء خسائر، قائلاً إنها تتماشى مع السياسات المحاسبية التي أقرها مجلسُ إدارتِه، كما هو منصوص عليه في البيانات المالية للعام 2018. وأضاف سلامة أن مصارف مركزية عدة تلجأ إلى ترحيلِ التكاليف لتحقيق أهدافِها، لافتاً الى أن مصرف لبنان اضطر إلى تبني ذلك في ميزانياتٍ أكبر نسبياً ولفتراتٍ زمنية أطول مقارنةً بالمصارف المركزية الأخرى نظراً إلى لظروف الاستثنائية التي مر بها لبنان في معظم فترات السنوات الـ15 الأخيرة. وذكر أن التكاليف المُرحّلة تراكمت على مدى تلك الفترة بسبب تدخل المصرف المركزي لدعم مالية الحكومة، تحت ضغط زياداتِ أجور موظفي القطاع العام والتداعيات الاقتصادية لتدفق اللاجئين السوريين منذ 2011.
قفزات الكورونا
وسط هذه الأجواء، اتخذت أزمة الانتشار الوبائي لفيروس كورونا في لبنان مزيداً من الدلالات الخطيرة، إذ مضت القفزات الكبيرة في عداد الاصابات في تسجيل أعداد قياسية يومية في الاصابات كما في الحالات الحرجة وأيضاً في حالات الوفاة. وبلغ عدد الاصابات أمس 147 بينها 119 حالة محليّة و28 حالة وافدة، وبلغ المجموع التراكمي 2527 إصابة. وسجلت أمس ثلاث وفيات للمرة الاولى في يوم واحد وسجلت أكثرية الاصابات في بيروت وبعبدا والمتن وزحلة.
وقررت لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية اعادة إقفال موقت لفترة أسبوع لعدد من القطاعات ابتداء من 27 تموز الجاري، وهذه القطاعات هي:
الحانات والنوادي الليلية
– المسابح الداخلية.
– الحفلات اليومية التي تقام في الشواطئ والمسابح.
– الحفلات الفنية والسياحية على مختلف أنواعها.
– المسارح وصالات السينما.
– مراكز الألعاب الالكترونية للأطفال وملاهي الأطفال (الداخلية والخارجية).
– الصالات الرياضية.
– الأسواق الشعبيّة.
– المناسبات الدينية والإجتماعية (مجالس عزاء، ذكر، عمادة، حفلات) باستثناء حفلات الأعراس، على أن يتم التشدد التام في التباعد الاجتماعي والتدابير الوقائية ونسبة إشغال لا تتعدى الـ50 في المئة من القدرة الإستعابية لأماكن إقامتها، على ألا يتجاوز العدد الإجمالي للحاضرين الـ50 في الأماكن المغلقة والـ150 في الأماكن الخارجية.