كتبت صحيفة النهار تقول: حلَّ الأول من آب هذه السنة حزيناً وخافتاً، بحيث فرضت الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد تحت وطأة تجدد تفشي جائحة كورونا غياب الاحتفالات السنوية بعيد الجيش، فيما ألغت قيادة الجيش الاستعراض العسكري وحفل تسليم السيوف وتخريج الضباط، واستعاضت عنها بحفل مصغر وزيارة قصر بعبدا حيث التقى قائد الجيش العماد جوزف عون رئيس الجمهورية على رأس وفد من القيادة العسكرية.
وقد حلّت الذكرى الخامسة والسبعين لعيد الجيش، وجنوده محرومون من وجبة اللحوم، بعدما فتكت الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية بالبلاد ومؤسساتها، من دون أي آفاق تشي بأن المستقبل سيكون واعداً، وقادراً على وضع اللبنانيين ومؤسساتهم على طريق التعافي.
وسط هذه الأجواء الضاغطة سياسياً واقتصادياً وصحياً، وجه رئيس الجمهورية ميشال $عون كلمة متلفزة الى العسكريين في عيدهم، حرص فيها على تحديد هوية أعداء لبنان بخمسة، فقال: “تشاء الظروف أن تتزامن انطلاقتكم مع تحديات وصعوبات كبيرة تواجه الوطن وشعبه ومؤسساته، فلبنان اليوم يخوض حربا من نوع آخر، ولعلها أشرس من الحروب العسكرية، لأنها تطال كل لبناني بلقمة عيشه، بجنى عمره، وبمستقبل أبنائه، حيث الوضع الاقتصادي والمالي يضغط على الجميع ولم ينج منه أحد.أن أعداء لبنان في هذه الحرب كثر: العدو الأول هو الفساد المستشري في المؤسسات وفي الكثير من النفوس، وهو يقاوم بشراسة ولكن الخطوات نحو استئصاله تسير ببطء، ولكن بثبات. العدو الثاني هو كل من يتلاعب بلقمة عيش المواطنين ليراكم الأرباح، العدو الثالث هو من ساهم ويساهم بضرب عملتنا الوطنية ليكدس الأموال، العدو الرابع هو كل من يطلق الشائعات لنشر اليأس وروح الاستسلام، وأيضا من يجول دول العالم محرضا ضد وطنه وأهله وناسه ومحاولا حجب أي مساعدة عنهم. أضف الى ذلك عدو خفي على شكل فيروس، هاجم البشرية جمعاء ولما يزل، مخلفاً الضحايا وضارباً اقتصاد العالم، ونال لبنان قسطه من هذه الهجمة وسقط لنا ضحايا وزادت أزمتنا الاقتصادية تفاقما، وها هو يمنعنا اليوم من اللقاء”.
وأكد عون في كلمته انه “ابن هذه المدرسة، تعلمت منها أن الاستسلام ممنوع، تعلمت منها أن نحفر الصخر لنفتح طريقا، تعلمت أن نسير بين الألغام لننقذ جريحا. الجريح اليوم هو الوطن، وعهدي لكم أن أبقى سائرا بين الألغام، وأن استمر في حفر الصخر لفتح طريق إنقاذه، والأكيد أن الاستسلام لا مكان له في مسيرتي”.
وتلقفت أوساط سياسية كلمة عون بكثير من الاستغراب كونها قاربت الأزمة العميقة التي تهدد البلاد بالانهيار والافلاس من منطلقين يقللان من حجمها وعمقها ويتعاملان معها تشخيصاً واتهاماً، بدلاً من مقاربتها بنظرة مستقبلية تحاكي التوقعات المرتقبة للخروج منها نحو التعافي واستعادة الاستقرار في كل اشكاله.
ففي رأي هذه الأوساط أنّ كلمة عون الى العسكريين حصرت أعداء الوطن بالفساد وبالمتلاعبين بسعر العملة وبلقمة العيش، وبالمحرضين على منع المساعدات وأخيراً بالوباء العالمي. فهل تختصر الأزمة بهذه العوامل وهل هي فعلاً خارج قدرة السلطة على لجمها واستعادة هيبتها على مؤسساتها لتضرب بيد من حديد كل من تقوله نفسه التلاعب بلقمة عيش اللبنانيين والمس بعملتهم الوطنية. فإذا كانت جائحة كورونا أمراً مستجداً يواجه العالم، فهل تنسحب الحال ايضاً على الأعداء الآخرين الذين عددهم رئيس الجمهورية؟
أما المنطلق الثاني الذي أثار استغراب الأوساط السياسية، فتمثل بحرص رئيس الجمهورية على اعادة التأكيد على توجيه الاتهام الى جهات تعمل على بث اليأس والتحريض على حجب المساعدات الدولية، متناغماً بموقفه مع موقف سابق لرئيس الحكومة حسان دياب قبل ايام، أضطر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم الى نفيه، بعدما آثار موجة استياء في أوساط رئيس الحكومة الأسبق وزعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري. وسألت الأوساط هل دخل رئيس الجمهورية على خط المواجهة القائمة مع الحريري من خلال توجيه الاتهامات اليه من دون ان يسميه، منسجماً مع المواجهة الحاصلة على خط ” المستقبل” – “التيار الوطني الحر” بقيادة جبران باسيل؟ وما الذي يمنع رئيسا الجمهورية والحكومة من تسمية المحرضين، وعدم الاكتفاء بالاتهام بالتحريض.
في أي حال، تمضي ذكرى عيد_الجيش مثقلة بالتحديات والاستحقاقات التي تعود لتفرض نفسها على المشهد السياسي والمالي والصحي اعتباراً من مطلع الأسبوع، وعلى مسافة ايام قليلة من صدور الحكم في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، حيث يتوجه يوم الجمعة الرئيس سعد الحريري الى لاهاي لحضور جلسة النطق بالحكم.
أما على المستوى المالي، فعلم أنّ ملف توحيد الخسائر المالية على ضوء المبادرة التي يعمل عليها وزير المال غازي وزني مع المصرف المركزي ولجنة المال والموازنة وجمعية المصارف بمشاركة الاستشاري الفرنسي “لازارد”، لا يزال يراوح مكانه، فيما غادر وفد الشركة لبنان ليعود خلال ايام قليلة لمتابعة العمل. في المقابل، يستكمل وزير الطاقة ريمون غجر جلسات التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول ملف الكهرباء.
صحياً، فقد استمر تفشي فيروس كورونا بوتيرة عالية أمس مع ارتفاع عدد الإصابات المسجلة الى 175 حالة، مع تسجيل حالتي وفاة. وفيما تستمر إجراءات الاقفال التام سارية المفعول، فقد تفجّر سجال بين وزيري الصحة حمد حسن والداخلية محمد فهمي على خلفية إلغاء حفلات الأعراس خلال هذه الفترة، بعدما عمد حسن الى إعطاء استثناءات رفضها فهمي تحت طائلة تسطير محاضر ضبط في حق المخالفين!