كتبت صحيفة ” النهار ” تقول : مع أن عامل المفاجأة انتفى عن مبادرة وزير الخارجية والمغتربين السابق ناصيف حتي أمس الى تقديم استقالته، فإن ذلك لم يخفّف إطلاقاً وهج هذه الاستقالة التي بدا وقعها أشبه بسقوط مطرقة ثقيلة على رأس السلطة عهداً وحكومة. وعلى رغم المكابرة القياسية التي قاربت بها السلطة استقالة حتي، يمكن القول إن خطوته الشجاعة التي أثبتت تمسّكه باستقلاليته ورفضه المضي في دور شاهد الزور على حكومة تكاد تتجاوز كلفة سياساتها على لبنان كل الأكلاف المتراكمة لما سبق هذه الحكومة، قد أحدثت دوياً داخلياً وديبلوماسياً يصعب على السلطة وقواها تجاوز تداعياته مهما اصطنعت رموز السلطة أدوار الاستقواء والاستخفاف بهذه الاستقالة. وليس أدلّ على أن الوزير المستقيل ناصيف حتي تمكّن من إحداث زلزال داخلي ضمن صفوف السلطة من السرعة الخاطفة التي طبعت صدور مرسوم تعيين المستشار الديبلوماسي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون السفير شربل وهبه وزيراً جديداً للخارجية والمغتربين مكان حتي وذلك بعد ست ساعات فقط من تقديم الأخير استقالته الى رئيس الوزراء حسان دياب في ما يعدّ سرعة قياسية في إعداد البديل وتعيينه بالتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بما يكشف أولاً أن البديل قد عيّن سلفاً بكل ما يعنيه تعيين مستشار الرئيس عون من دلالات في مرحلة ما بعد استقالة حتي. كما تكشف سرعة تعيين البديل التهيّب الضمني لدى الرئيسين عون ودياب من الوقع المعنوي والديبلوماسي والسياسي لاستقالة حتي الذي يحظى بصدقية ديبلوماسية كبيرة سرعان ما ترجمت بردود فعل داخلية واسعة مرحبة بالخطوة كما اقترنت بشهادة إيجابية ومعبّرة وذات دلالات بارزة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش الأمر الذي اكتسب بعداً مهما للغاية.
باختصار، يمكن الاستخلاص بسرعة أن استقالة حتي عمقت أزمة الثقة المفقودة بالحكومة وزادتها تفاقماً، كما أن من شأنها أن تعمّق أزمة العزلة الديبلوماسية الخارجية التي تحاصر السلطة عهداً وحكومة بعدما شكّلت استقالة وزير الخارجية والمغتربين السابق إدانة قوية لسياساتهما. وعلى رغم الاقتضاب الشديد الذي حرص حتي على إضفائه على بيان استقالته، فإنه تضمّن ما يكفي من دلالات وإشارات ومواقف كاشفة لواقع السلطة والحكومة. ولفت حتي في بيانه الى أن “لبنان اليوم ليس لبنان الذي أحببناه وأردناه منارة ونموذجاً، لبنان اليوم ينزلق للتحول إلى دولة فاشلة لا سمح الله، وإنني أسائل نفسي كما الكثيرين، كم تلكأنا في حماية هذا الوطن العزيز وفي حماية أمنه المجتمعي وصونه”. وقال: “إنني بعد التفكير ومصارحة الذات، ولتعذّر أداء مهماتي في هذه الظروف التاريخية المصيرية، ونظراً الى غياب رؤية للبنان الذي أؤمن به وطنا حراً مستقلاً فاعلاً ومشعاً في بيئته العربية وفي العالم، وفي غياب إرادة فاعلة في تحقيق الإصلاح الهيكلي الشامل المطلوب الذي يطالب به مجتمعنا الوطني ويدعونا المجتمع الدولي الى القيام به، قررت الإستقالة من مهماتي كوزير للخارجية والمغتربين، متمنياً للحكومة وللقيّمين على إدارة الدولة التوفيق وإعادة النظر في العديد من السياسات والممارسات، من أجل إيلاء المواطن والوطن الأولوية على كل الاعتبارات والتباينات والانقسامات والخصوصيات”. وأضاف: “لقد شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان، فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة، إن لم يجتمعوا على مصلحة الشعب اللبناني وإنقاذه، فإن المركب لا سمح الله سيغرق بالجميع”.
وفي تعداد للأسباب الجوهرية التي دفعت حتي الى الاستقالة، جاء في معلومات مطلعين أن أحد أبرز هذه الأسباب هو ما راكمته الأشهر الستة الاخيرة من سلبيات حيث لم يتحقق اي شيء ولم تصل الامور الى اي نتيجة. ذلك أن الحكومة التي أتت على خلفية انتفاضة شعبية طالبت بحكومة تكنوقراط لم تستفد من الزخم الشعبي والتأييد النسبي من أجل القيام بخطوات انقاذية معينة قبل أن تذهب الأمور الى منطق المحاصصة في التعيينات وتقاسم المواقع. وعوض ذلك ذهبت الأمور الى شعارات تبريرية من مثل شعار “ما خلّوني اشتغل” أو الاتهامات بأن المسؤولية تقع على فلان أو علان من الأشباح، أو تراكمات الأعوام السابقة. فهذه الفرصة أهدرت وضاعت ولم يستفد منها رئيس الوزراء ولا القوى الداعمة لحكومته أيضاً التي سارعت الى تصحيح أوضاعها وتعزيز أوراقها بدلاً من أن تهتم بتصحيح الوضع في البلد. وتالياً فإن ليس هناك سبب محدد دفع حتي الى الاستقالة، استناداً الى معلومات المطلّعين، بل هو مسار تراكمي من قلّة الإدراك جنباً الى جنب مع تهميش دور وزارة الخارجية. فالوزير الذي واجه جموداً في الحركة الديبلوماسية نتيجة تفشّي وباء الكورونا، واجه عقماً في مقاربة الحكومة لملف العلاقات مع الخارج في شكل أساسي. وحين برزت حلحلة في التنقل توجّه الى ايطاليا والأردن لكن مساعيه للتوجّه الى الدول العربية ووجهت بعقبات اساسية.
تعديل مؤجّل؟
أما الجانب الآخر من تداعيات الاستقالة، فيتمثّل في سقوط ورقة تين أولى عن حكومة اللون الواحد.
ومع استقالة حتي طرح جدياً موضوع التعديل الوزاري، وتقرّر طيّه مرحلياً الى أن يتم الاتفاق على أسماء بديلة تطرح تباعاً بين رئيسي الجمهورية والوزراء وبطريقة لا تحتاج الى تدخّل من مجلس النواب. وتشير معلومات “النهار” الى أن هناك وزراء قبل حتًي عبّروا عن رغبتهم في الاستقالة أمام المرجعيات السياسية التي كانت وراء تسميتهم، ومنهم من لا يزال ينتظر أن يجدوا الشخصية البديلة منه ليعلن هذه الاستقالة. ومن هؤلاء الوزراء الراغبين في الاستقالة من يتم تداول تغييرهم أيضاً بين بعبدا والسرايا ومن يدور في فلك الرئاستين. وعُلم أن من أبرز الاسماء التي جرى تداول تغييرها وزراء التربية والاتصالات والاقتصاد والطاقة الى غيرهم.
وفِي ظل هذا الانسداد، ينتظر أن تنزع الحكومة الحالية عنها قناع الاستقلالية وأن تتحوّل يوماً بعد آخر الى حكومة المستشارين أو أمناء السرّ لدى القوى السياسية التي انسحبت رغماً عنها من السلطة تحت وطأة الشارع، وبانكفاء الشارع تعود لتستعيد ما تعتبره مكتسبات لها. والدليل أن أبرز الأسماء المطروحة للتعديل بحجة عدم الانتاجية، الوزراء الذين ”تمرّدوا” على أوامر القوى السياسية التي سمّتهم ولم ينصاعوا لتدخلاتها. ومجرد استعادة شريط التعيينات بمحاصصاتها يكشف كيف يحرّك مجلس الوزراء من بعد على أيدي القوى التي جاءت بالحكومة ووزرائها.
منع التجول؟
وعلى رغم التطورات المتصلة بتداعيات الاستقالة، طغت أزمة التمدّد الوبائي في البلاد، ففي حين انتهت المرحلة الأولى من الاقفال مع فتح البلاد اليوم وغداً على أن تعود الخميس الى الإقفال في مرحلتها الثانية، واصل عدّاد إصابات كورونا ارتفاعه أمس مع تسجيل 177 اصابة جديدة، فتجاوز العدد الإجمالي الـ5000 إصابة، إضافة إلى ثلاثة حالات وفاة جديدة. وهو ما يزيد القلق والمخاوف من استمرار التفشّي المجتمعي على رغم الإجراءات والتدابير الوقائية، مما دفع وزير الصحة حمد حسن إلى تسليط الضوء على عدم الجدية في احترام الاجراءات والتزام معايير التعبئة العامة، حيث طالب الوزارات المختصة بمتابعة الموضوع أكثر في أيام الاقفال المقبلة. وكشف حسن خلال مؤتمر صحافي أن اللجنة العلمية ستوصي بإقفال عام لمدة 15 يوماً اذا كان التقويم سلبياً. وأفاد أن اللجنة ستوصي الحكومة بمنع التجول منعاً شاملاً من السادس الى العاشر من آب ضمناً.