أعلنت السلطات اللبنانية أمس حالة طوارئ في بيروت لمدة أسبوعين قابلة للتجديد، وفوضت الجيش اللبناني بتولي صلاحية المحافظة على الأمن، كما أعلنت العاصمة مدينة منكوبة، بينما لا تزال التحقيقات قائمة لمعرفة ملابسات الحادث، وسط دعوات لمشاركة دولية في التحقيقات، في مقابل إعلان الحكومة عن فرض إقامة جبرية على «كل من أدار عملية التخزين وحراسة وتمحيص ملف العنبر 12» الذي وقع فيه التفجير.
وتداول اللبنانيون صورة تظهر عمالاً يقومون بأعمال تلحيم الحديد في العنبر رقم 12 الذي وقع فيه التفجير، واستندوا إليها للتدليل على أن التفجير ناتج عن تلك الأعمال التي تنتج عنها شرارات حريق؛ لكن مصادر لبنانية واسعة الاطلاع، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أعمال تلحيم المعادن لم تجرِ في يوم الانفجار؛ بل كانت في وقت سابق، لافتة إلى أن العمال الذي قاموا بعمليات التلحيم الكهربائي للمعادن «تم توقيفهم لدى قوى الأمن الداخلي؛ حيث يخضعون للتحقيق».
وإثر شيوع فرضية تعرض المرفأ لقصف صاروخي من طائرات إسرائيلية، قالت المصادر إن الرادارات في لبنان «لم ترصد خلال الانفجار وقبله وبعده حركة لطائرات إسرائيلية في الأجواء اللبنانية، على الرغم من أن لدى إسرائيل طائرات تستطيع أن تتخفى عن الرادارات»، إذ لا تلتقط الرادارات اللبنانية الموجودة إشارات وجودها في الأجواء.
وفي ظل المعلومات المتضاربة وهول المشهد الذي خلَّفه التفجير، دعا تيار «المستقبل» إلى مشاركة دولية في التحقيقات، قائلاً إنه «كي يصل اللبنانيون إلى تحقيق شفاف على هذا المستوى، فلا بد من طلب مشاركة دولية وخبراء دوليين ولجان متخصصة، قادرة على كشف الحقيقة وتحقيق العدالة لبيروت وأهلها».
غير أن الحكومة اللبنانية سارعت إلى اتخاذ إجراء أعلنت عنه وزيرة المهجَّرين غادة شريم، بعد جلسة مجلس الوزراء، قائلة: «هناك مسؤولون سيمكثون في منازلهم خلال الأيام المقبلة ريثما ينتهي التحقيق وتصدر النتائج. والإقامة الجبرية ستشمل كل من أدار عملية التخزين وحراسة وتمحيص ملف العنبر 12، من أي جهة كانت، من عام 2014 وحتى اليوم».
وكلَّف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، القاضي فادي عقيقي، مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وأمن الدولة، وإدارة الجمارك، والشرطة العسكرية، بإجراء كل الاستقصاءات والتحريات، وكشف ملابسات التفجير الذي وقع في مرفأ بيروت، وطلب إيداعه التقارير المتوفرة حول تخزين كميات من «نيترات الأمونيوم» وغيرها من المواد في مرفأ بيروت، تمهيداً لتحديد المسؤوليات، واتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة.
وعقد مجلس الوزراء اجتماعاً برئاسة الرئيس ميشال عون، وحضور رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، والوزراء الذين غابت منهم وزيرة العدل. وبعد كلمتين لعون ودياب، درس مجلس الوزراء سلسلة إجراءات لمواجهة تداعيات الانفجار. وبعد النقاش، اتخذ مجلس الوزراء قرارات عدة أبرزها تبني ما صدر في بيان المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد أول من أمس، لجهة «إعلان بيروت مدينة منكوبة»، كما قرر «إعلان حالة الطوارئ في مدينة بيروت لمدة أسبوعين قابلة للتجديد».
وبموجب قرار إعلان الطوارئ، تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة، بما فيها قوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، والجمارك، ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطار، وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها، بما فيها رجال الإطفاء.
ودعت قيادة الجيش المواطنين إلى إخلاء المنطقة أمام عمليات الإنقاذ ورفع الأضرار الناجمة عن الانفجار. وطلبت من أصحاب المنازل والممتلكات الواقعة في المنطقة المحيطة بالانفجار التقيد بالإجراءات المتخذة، والتعاون مع القوى الأمنية المنتشرة في المكان.
وتلت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد مقررات الجلسة التي انعقدت في قصر بعبدا، وقالت إن الحكومة تبنت «تخصيص اعتمادات للمستشفيات لتغطية النفقات الاستشفائية للجرحى»، و«دفع التعويضات اللازمة لعائلات الشهداء على أن تحدد قيمتها لاحقاً»، و«تحقيق كميات من القمح بعد أن تلفت تلك المخزنة في الأهراءات»، و«الطلب من وزارة الأشغال العامة والنقل اتخاذ ما يلزم في سبيل تأمين عمليات الاستيراد والتصدير عبر المرافئ الأخرى غير مرفأ بيروت؛ لا سيما طرابلس وصيدا».
كما قررت الحكومة «تشكيل خلية أزمة لمتابعة تداعيات الكارثة»، و«التواصل مع جميع الدول وسفاراتها لتأمين المساعدات والهبات اللازمة، وإنشاء صندوق خاص لهذه الغاية»، و«تكليف الهيئة العليا للإغاثة تأمين إيواء العائلات التي لم تعد منازلها صالحة للسكن، والتواصل مع وزارة التربية لفتح المدارس لاستقبال هذه العائلات، ومع وزير السياحة لاستعمال الفنادق لهذه الغاية أو لأي غاية مرتبطة بعمليات الإغاثة»، و«وضع آلية لاستيراد الزجاج، وضبط أسعار المواد التي تستعمل في ترميم الأضرار».
والتزم مجلس الوزراء باتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات وتدابير في سبيل إعادة إعمار بيروت كما كانت، كما طلب من الأجهزة الأمنية الحرص على عدم العبث بمسرح الجريمة، منعاً لضياع معالمها.
وقررت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق إدارية برئاسة رئيسها حسان دياب، تكون مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة، ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام، وإحالة هذا التقرير إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق من تثبت مسؤوليته، على ألا يحول ذلك دون أن يتخذ مجلس الوزراء بحقهم ما يراه مناسباً من تدابير أو إجراءات.
وفي ضوء حالة الطوارئ المعلنة، وقانون الدفاع الوطني، وغيره من القوانين، طلبت من السلطة العسكرية العليا «فرض الإقامة الجبرية على كل من أدار شؤون تخزين نيترات الأمونيوم (2750 طناً) وحراستها، ومحص ملفها أياً كان، منذ يونيو (حزيران) 2014 حتى تاريخ الانفجار».