في بيروت قمعٌ للمتظاهرين، ورصاصٌ مطاطيٌ أوقع العديد من الإصابات المباشرة والخطرة في صفوفهم. وفي باريس التفافٌ دولي حول الشعب اللبناني الذي يواجه سلطةً فاسدة ومجرمة لا ثقة بها مطلقاً.
في لبنان جهادٌ سلطويٌ للبقاء على الكراسي، ولو كانت محطمة الأرجل، وعلى هياكل الشعب، وفي الخارج إجماعٌ على أن فساد هذه السلطة سبب كل أزمات البلد.
وكما كان وعدَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد انعقد مؤتمر مساعدة لبنان الذي نظّمه عبر الفيديو بالتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس, ممثَّلاً بمساعِدته لشؤون الشرق الأوسط أمينة محمد، وبمشاركة أربعين دولة من بينها الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، والمجموعة الأوروبية، ومجلس التعاون الخليجي.
المؤتمر الذي انعقد تحت عنوان “لبنان في العالم والعالم في لبنان”، خرج بإقرار مساعداتٍ ماليةٍ عاجلة للبنان، فيما أكّد الرئيس ماكرون وجوب العمل بسرعة لتقديم المساعدات وإيصالها إلى اللبنانيين، والبدء بتحقيقٍ غير متحيّزٍ وشفاف، ومنع حصول أي فوضى في لبنان. كما شدّد على ضرورة دعم منظمات الأمم المتحدة للبنان في هذه الظروف الصعبة.
ماكرون أكّد أن المجتمع الدولي لن يخذل الشعب اللبناني، وهو على استعداد لتلبية كل الاحتياجات والمساعدات، مشدداً على تسليمها للشعب اللبناني، ما يعني عدم ثقته المطلقة بالسلطة اللبنانية التي دعاها إلى ضرورة الإلتزام بالكامل بالإصلاحات.
وفيما تنعقد جلسة مجلس الوزراء اليوم على وقع الاهتزازات التي أحدثتها استقالتَي الوزيرة منال عبد الصمد والوزير دميانوس قطار بعد أسبوعٍ على استقالة الوزير ناصيف حتّي، أعربت مصادر متابعة عن خشيتها من أن تكون هناك محاولة لتعويم الحكومة خلال الجلسة، خصوصاً مع تردّد معلومات أن القصر الجمهوري أجرى اتصالاتٍ ببعض الشخصيات، وتشاور معهم في إسناد الحقائب الوزارية الشاغرة، لكن هذا الموضوع لم يُحسم بعد.
المصادر نفسها توقّعت أن يأخذ ماكرون على عاتقه إعادة إعمار مرفأ بيروت، قاطعاً الطريق بذلك على أي مبادرة قد تأتي من دولٍ لا يفضّل المجتمع الغربي دخولها على الخط. ورأت أن تنظيم المساعدات سيتمّ عبر البنك الدولي، والصليب الأحمر، ومنظمات الأمم المتحدة.
الخبير الاقتصادي أنطوان فرح ردّ عبر “الأنباء” على القائلين إن لبنان كان مطوقاً اقتصادياً واليوم فكَّ الطوق عنه، فقال إن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، وهو يجافي الحقيقة تماماً، مشيراً إلى أن في لبنان أزمة اقتصادية ومالية، وهناك إفلاس في مالية الدولة، ومعالجة هذه الأزمة لا تتمّ إلّا بالإصلاحات، لافتاً في المقابل إلى أن هذا النوع من المساعدات التي ستأتي موجودٌ عند أي كارثة تحصل، مذكراً بالزلزال الذي ضرب إيران عام 2003، حيث جرت اتصالات مباشرة بين الإدارة الأميركية وايران، وقدّمت حينها واشنطن والدول العربية، والخليجية منها، المساعدات لطهران، غير أن القطيعة بين هذه الدول وايران استمرّت، وبقيت الأمور على حالها. وأكّد أن الإصلاحات هي السبيل الوحيد لفكّ الحصار عن لبنان.
في غضون ذلك يواصل الحزب التقدمي الاشتراكي وضع اقتراحات رئيسه على طاولة البحث، والتواصل مع القوى السياسية، وذلك لفتح كوةٍ في الجدار المسدود تبدأ بالخطوة الضرورية وهي سقوط الحكومة. ولأجل ذلك يجول وفدٌ نيابيٌ من الحزب اليوم على رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، والرئيس سعد الحريري، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لدرس كل الخيارات التي تعكس فعلاً تطلعات الشعب اللبناني، هذا في وقتٍ يعيش فيه رئيس الحكومة، حسان دياب، قلقاً سببه دعوة الرئيس بري إلى جلسات نيابية للنظر بالتطورات التي آلت إليها الأمور. ويخشى دياب، بحسب المصادر، أن تصل مناقشات النواب داخل المجلس إلى حد المطالبة باستقالة الحكومة وطرح الثقة بها، ولذلك يقوم بدراسة خطواته بالتشاور مع الرئيس عون، وربما يقدم استقالة حكومته قبل موعد الجلسة التشريعية.
ومع ارتفاع عدد النواب المستقيلين، لفتت مصادر عين التينة إلى أن رئيس المجلس، نبيه بري، يقوم بدراسة الاقتراحات التي تصدر عن النواب بشأن الانتخابات المبكرة. وقالت المصادر إن هذا الأمر يتطلب بالدرجة الأولى تشكيل حكومةٍ حيادية، فيما هناك قوىً سياسية لم توافق على إجراء انتخاباتٍ مبكرة في ظل الحكومة الحالية. لكن تشكيل الحكومة الحيادية يتطلب تفاهماً بين القوى السياسية حول مفهوم الحياد، ومَن هي هذه الشخصية المخوّلة تشكيل هكذا حكومة، وبعد ذلك ينتقل الحديث إلى الانتخابات المبكرة، وكذلك وفقَ أي قانونٍ انتخابي. وبالتالي، تضيف المصادر، لا بدّ من الاتّفاق على قانونٍ يحظى بموافقة معظم القوى السياسية، وهذا ليس بالأمر السهل.
وربطت المصادر بين ما يجري في الداخل من احتجاجات، وسيل النصائح التي تأتي من الخارج إلى المسؤولين، والتي في ضوئها يُعرف كيف تجري الرياح، معتبرةً أن البلد في مأزقٍ حقيقي، لكن الحل ليس مستحيلاً