ان كان ساور بعض الأوساط السياسية والشعبية ظن عابر في أيام نكبة الانفجار المزلزل منذ 4 آب حتى البارحة ان الاستجابة السلطوية للتداعيات المخيفة التي خلفها الانفجار على كل المستويات والتي توازي آثار حرب طويلة ستتسم بخطوات استثنائية وجذرية من شأنها ان تفتح مسارا تغييرا حقيقيا في لبنان، فان تطورات اليومين الأخيرين ولا سيما منها امس، خذلت المراهنين على هذه الأوهام. ذلك ان ما وصف بـ”أحد الاستقالات” الوزارية والنيابية نظرا الى تعاقب الاستقالات الفردية استجابة للثورة المتجددة التي اشتعلت بزخم هائل السبت وتعاقبت فصولها امس رسم واقعا جديدا برزت معه معالم تهاوي حكومة حسان دياب الى حدود صارت احتمالات استقالتها اليوم في جلسة مجلس الوزراء بمثابة الاحتمال الأكثر تداولا بما بدأ يطلق إشارات الاتجاهات السياسية الكبرى نحو استقالة الحكومة كأساس يتبعها التوافق على حكومة مستقلة تطلق الإجراءات السريعة لاجراء انتخابات نيابية مبكرة بدءا بوضع قانون انتخاب جديد. ولكن ما جرى في ساعات بعد ظهر الاحد كشف ان تحالف العهد و”حزب الله” سارع الى منع انهيار الحكومة والحؤول دون أي تغيير حكومي على رغم كل الكوارث التي توالت فصولها في الأشهر الأخيرة تحت الإدارة الحكومية الفاشلة، بل قرر هذا التحالف المضي في استفزاز بالغ الخطورة للإرادة الشعبية الجارفة المتصاعدة بقوة عبر الثورة الجديدة المحمولة بدمار بيروت ودماء مئات الشهداء وآلاف الشهداء بعد 4 آب. هذا المنحى رسم مؤشرات مكشوفة حيال قرار يتمسك بسلطة “حزب الله” وحكومته وبما لا يمكن العهد العوني ان يواجهه وهو منحى ينذر بدفع البلاد نحو متاهات مواجهات يخشى ان تتخذ طابعا عنيفا وفوضويا في ظل الاشتعال الذي تتسبب به سياسات هذا العهد وحلفائه والحكومة الحالية في مواجهة الحركة الاحتجاجية المتصاعدة. وليس ادل على خطورة المكابرة والمعاندة اللتين واجهت بهما رئاسة الحكومة بضغط قوي من تحالف العهد والحزب بعدما راحت عدوى الاستقالات الوزارية تنذر بانهيار الحكومة امس تحديدا وعدم قدرتها على الصمود الى موعد جلسة مجلس الوزراء اليوم سوى اتجاه رئيس الحكومة حسان دياب أيضا الى امكان طي تعهده العلني في الكلمة التي القاها مساء السبت الماضي بعرض مشروع قانون على مجلس الوزراء اليوم لاجراء انتخابات نيابية مبكرة مشددا على ان لا امكان للخروج من الازمة سوى بانتخابات مبكرة. ففي المعلومات المتوافرة لـ”النهار” ان ثمة مقايضة كان يجري التشاور على أساسها بين كواليس رموز السلطة ولا سيما منهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب تناولت موضوع طرح الانتخابات المبكرة الذي تعهد به دياب وأزعج بري وحلفائه. ويبدو ان ثمة معادلة طرحت في المشاورات مفادها ان يسحب دياب طرحه للانتخابات المبكرة امام مجلس الوزراء في مقابل إيجاد منفذ لالغاء جلسات مجلس النواب لمحاسبة الحكومة في ملف التفجير الذي حصل في المرفأ والتي كان بري دعا اليها بدءا من الخميس المقبل في قصر الاونيسكو. وتأتي المعلومات عن هذه المقايضة المحتملة لتكشف التجاذب المتبادل بين بري ودياب في الساعات الأخيرة والذي دفع “حزب الله” أيضا الى التدخل لمنع تفاقمه والإفادة منه للحؤول دون انهيار الحكومة.
الحكومة تتهاوى
اما موضوع الاستقالات الوزارية فكان اتخذ بعدا جديا للغاية ينذر بانهيار الحكومة لدى مبادرة وزيرة الاعلام منال عبد الصمد الى اعلان استقالتها ثم كرت السبحة فقدم وزير البيئة دميانوس قطار استقالته خطيا الى دياب في السرايا كما تهيأ وزير الاقتصاد راوول نعمة لاعلان استقالته بعد لقاء مع دياب. هذه التطورات المتسارعة دفعت دياب بعد استنفاره الاتصالات في كل الاتجاهات مع القوى السياسية المشاركة في الحكومة الى جمع عدد كبير من الوزراء في اجتماع بعد ظهر امس سمع منه خلاله الوزراء موقفا متمسكا بلا هوادة ببقاء الحكومة واستمرارها وحديثه عن الإصلاحات وسواها من الملفات كدلالة على بقاء الحكومة. وحض دياب الوزراء الذي قرروا الاستقالة الى التراجع عن مواقفهم والمضي في مهماتهم الوزارية. وفي غضون ذلك كانت دوائر قصر بعبدا توزع معلومات عن قرار بملء الشواغر الوزارية حيث تحصل وان مرشحين لملء مكان وزيرة الاعلام استدعوا الى بعبدا. وأفادت المعلومات ان الوزراء المجتمعين في السرايا فهموا ان تمسك دياب بالحكومة بدا انعكاسا واضحا لتمسك الحزب والعهد بها كما ان تيار المردة بدا بدوره متمسكا بها. ولكن حسابات التشبث بالحكومة اصطدمت بوقائع طارئة تمثلت في إصرار الوزير قطار أولا على استقالته التي اعلنها ليلا. ثم ان نائبة رئيس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكرا ووزير المال غازي وزني كما وزير الداخلية محمد فهمي يتجهون الى الاستقالة قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء اليوم.
الاستقالات النيابية
وسط هذا التطور بدأت مسألة اتساع الاستقالات النيابية تحدث واقعا لن يكون ممكنا التلاعب بمفاعيله على غرار ما يحصل على المستوى الحكومي خصوصا اذا تفتقت الساعات والأيام المقبلة عن مفاجآت كبيرة لن تبقي موضوع الانتخابات المبكرة مجرد ورقة ضاغطة غير قابلة لأحداث امر واقع تغييري كبير. ذلك انه في تطور نيابي نادر بدأت الاستقالات النيابية تتخذ بعدا بالغ الأهمية في ظل مبادرة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل خلال مأتم الأمين العام الرحل للحزب نزار نجاريان الى اعلان استقالة جماعية لنواب الحزب الثلاثة سامي الجميل ونديم الجميل والياس حنكش بما اعتبر مؤشرا دافعا نحو اتساع الاستقالات لاحقا. وفي الواقع بدأت السلسلة تتسع فاستقالت النائبة بولا يعقوبيان ثم النائب نعمة افرام فالنائب ميشال معوض كما سيقدم اليوم النائبان هنري حلو وديما جمالي استقالتهما. وقالت أوساط قريبة من المخاض النيابي الذي اثارته الاستقالات النيابية بدءا باستقالة مروان حمادة وصولا الى استقالات البارحة ان الأيام المقبلة ستتسم بأهمية كبيرة ومصيرية لجهة بلورة إمكانات توافق الكتل المعارضة الكبيرة لتيار المستقبل والقوات اللبنانية واللقاء الديموقراطي حول موضوع الانتخابات المبكرة وكشفت ان اتصالات على مستوى كبير تجري بين القوى الثلاث وقادتها بما اطلق حوارا جديا حول كل الاحتمالات والسيناريوات والظروف المحيطة بموضوع الانتخابات المبكرة.
“الثورة الجديدة”
وعلى أهمية التطورات السياسية التي حصلت في اليومين الأخيرين طغت على المشهد الداخلي العودة المختلفة للثورة الجديدة انطلاقا من “يوم الحساب” السبت الماضي حيث شهدت ساحة الشهداء في بيروت والشوارع المتفرعة منها عودة ضخمة لعشرات ألوف المتظاهرين والمنخرطين في الثورة التي بدا واضحا انها كانت نتيجة تلقائية للغضب الشعبي المتفجر بقوة جارفة بعد زلزال 4 آب. وحصلت مواجهات عنيفة وواسعة بين المتظاهرين والقوى الأمنية أدت الى سقوط عشرات الجرحى المدنيين والأمنيين والعسكريين واستشهاد عنصر من قوى الامن الداخلي فيما تميزت الموجة الاحتجاجية الجديدة باقتحامات لعدد من الوزارات ابرزها الخارجية والاقتصاد والطاقة عمل الجيش لاحقا على إخلائها من المتظاهرين. وتجدد المشهد مساء امس في مواجهات قرب مبنى النهار امتدادا حتى الأسواق الجديدة بعدما نجح متظاهرون في فتح ثغرة في الجدار الفاصل عن ساحة النجمة ومبنى مجلس النواب.