لم يكن حسان دياب يوماً المشكلة بل كان مجرد انعكاس لها، أما مشكلته فتكمن في أنه لم يكن متصالحاً ونفسه النرجسية مع حقيقة كونه بيدقاً تم تنصيبه بغفلة من الزمن على رأس حكومة “ماريونيت” تحركها أيادي السلطة، فظلّ يكابر ويناور ويتعامى عن واقعه حتى قطعوا بالأمس الخيوط التي تربطه بأصابعهم فوقع سريعاً صريعاً على أرض الواقع يلفظ استقالته القسرية بعدما فشلت كل محاولات استجداء وزرائه واستنجاد رعاته هرباً من تجرع كأس الإقالة. وهو إذ بدا في خطاب التنحي مقهوراً ناقماً حاقداً على أهل الحكم باعتبارهم تخلوا عنه في “عزّ الحشرة” وباعوه بثمن بخس في بازار التنصل من مسؤولية انفجار “النيترات”، يبقى أنّ سقوطه أتى في أبعاده السياسية بمثابة “المسمار” الذي دُقّ في نعش العهد العوني، وفق تعبير مصادر معارضة لـ”نداء الوطن”، موضحةً أنّ الرئيس ميشال عون خسر عملياً باستقالة “حكومة العهد الأولى”، كما لطالما كان يصفها، “خط الدفاع” الحكومي عنه فبات اليوم أشبه بعهد “لتصريف الأعمال” خسر كل رهاناته الرئاسية والسياسية والشعبية ولم يعد أمامه سوى محاولة السعي إلى تحسين شروطه على طاولة المفاوضات لضمان استكمال ولايته وتأمين خروج لائق له في نهايتها. وأمام هذا الواقع، ارتسمت خلال الساعات الأخيرة علامات الاستفهام في أفق المشهد المستجد، لتتركز في جوهرها حول سؤال محوري وحيد: كيف سيرد عون؟
فبعدما أصبح حسان دياب من الماضي وقطعت السلطة ورقته من روزنامتها، أضحت الأنظار متجهة نحو كيفية تعاطي رئيس الجمهورية مع الملف الحكومي ترقباً لأدائه في مقاربة عملية المشاورات والاستشارات المنوي إجراؤها لتشكيل الحكومة الجديدة، سيما وأنّ فترة السماح الدولية التي منحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإيجاد مخارج سريعة للأزمة اللبنانية “ضيقة وضاغطة”، حسبما نقلت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ جميع الأفرقاء في البلد باتوا يتعاطون مع المسعى الفرنسي على أنه “خشبة الخلاص” الأخيرة للبنانيين ولا بد من اغتنامها، وقد كان واضحاً بيان الخارجية الفرنسية في أعقاب استقالة حكومة دياب في التشديد على وجوب الإسراع في تشكيل حكومة جديدة “لأن لبنان من دون إصلاحات سيتجه نحو الانهيار”.
فهل سيسهّل عون ولادة حكومة جديدة بحلّة حيادية تفي بمستلزمات المرحلة داخلياً ودولياً؟ أم أنه سيعاند الأقدار ويؤثر العودة إلى اشتراط حل “عقدة” جبران باسيل لتذليل العقد أمام ولادة الحكومة العتيدة؟ حتى الآن لم يتضح بعد مسار اتجاه الأمور على ضفة الرئاسة الأولى، ما عدا تأكيد مصادر مقربة من دوائرها لـ”نداء الوطن” على أنّ عون “ليس في وارد تأخير الاستشارات النيابية الملزمة بل هو حريص على ملاقاة المساعي الدولية لمساعدة لبنان خصوصاً في ظل التفويض الأميركي الصريح لحركة الرئيس ماكرون باتجاه دفع الأمور نحو حلحلة الأزمة سياسياً واقتصادياً”، موضحةً أنّ هناك “تناغماً تاماً بين الموقف الفرنسي وبين الموقفين الأميركي والدولي في مقاربة الوضع اللبناني والدفع باتجاه إبقائه تحت السيطرة ومنعه من الانهيار الشامل، وهذا ما سمعه الرئيس عون شخصياً من الرئيس الفرنسي خلال الاتصال الهاتفي الأخير بينهما”.
في الغضون، وإذ أحال مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة أمس ملف تفجير “العنبر رقم 12” إلى المجلس العدلي، يستكمل مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات تحقيقاته في الملف، وقرر التوسع فيها لتشمل “رؤساء الأجهزة الأمنية المتواجدة على أرض المرفأ وشخصيات سياسية تعاقبت على مراكز القرار ومن بينهم الوزراء المتعاقبون على وزارة الأشغال منذ العام 2014 تاريخ تفريغ حمولة باخرة النيترات، ولن يتراجع أمام أي من الضغوط التي يمارسها البعض عليه” من أركان السلطة، وفق ما أكدت مصادر رفيعة مواكبة للتحقيقات الجارية لـ”نداء الوطن”، مشددةً في هذا الإطار على أنّ “التحقيقات والاستجوابات ستتواصل وتطال كل من يجب أن تطالهم رسمياً وإدارياً من دون أي اعتبار لأي محظور سياسي”.
وفي وقت تستمر أعمال البحث والتنقيب على أرض الانفجار بحثاً عن المفقودين، تشير مصادر مطلعة على هذه الأعمال أنّ “فريقاً بريطانياً متخصصاً بالبحث في أعماق البحر سيبدأ خلال الساعات المقبلة عمليات الغوص للبحث عن أي جثث أو أشلاء تعود لضحايا لا يزالون في عداد المفقودين”.