الساعة السادسة وست دقائق من مساء امس توقف لبنان كله بوجوم ورهبة وحزن عارم امام ذكرى نحو 171 شهيدا واكثر من ستة الاف جريح شكلوا قبل أسبوع تماما في 4 آب الحصيلة الصادمة لاحد اكبر الانفجارات المزلزلة التي عرفها العالم والذي ضرب مرفأ بيروت وتشظى مدمرا عشرات الاف المباني في العاصمة وضواحيها. على وقع أجراس الكنائس وآذان المساجد التي ارتفعت متزامنة في بيروت، احيا ألوف اللبنانيين الذكرى من ساحات بيروت الى المرفأ وساحة تمثال المغتربين وسط أجواء الحزن والأسى والذهول الذي لا يزال يطبق على البلاد ويرخي بثقله حتى على مجمل المشهد السياسي الذي عاد يتحرك بسرعة قبل يومين مع انهيار حكومة حسان دياب واستقالتها ودخول البلاد مناخ الاستحقاق الحكومي الجديد وما يثيره من احتمالات واتجاهات لا تزال تتسم بكثير من الغموض. ولعل المفارقة اللافتة التي يتعين التوقف عندها في هذا السياق هي ان الحركة الاحتجاجية والانتفاضة الشعبية تجاوزت كل ما جرى على صعيد استقالة الحكومة وأبدت عدم تأثرها اطلاقا بالاستقالة، بل مضت في تصعيد احتجاجاتها منادية باسقاط رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. وهو امر لم يكن مفاجئا او مستغربا خصوصا مع التمادي المكتشف في جريمة اهمال المكامن المتفجرة سواء في معمل الذوق الكهربائي قبل أيام او حتى في المرفأ نفسه بعد الكارثة التي ضربته. اذ ان معلومات أفادت أمس ان خبراء كيماويات ورجال إطفاء عملوا على تأمين ما لا يقل عن 20 حاوية كيميائية محتملة الخطورة في مرفأ بيروت بعد العثور على حاوية كانت تسرب بعض المواد وفقا لاحد أعضاء فريق التنظيف الفرنسي .
استحقاق التكليف
وسط هذه الأجواء المشدودة بدا الاستحقاق الحكومي في يومه الأول غداة استقالة حكومة حسان دياب وبدء مرحلة تصريف الاعمال كأنه لا يزال يتلمس خريطة طريق سياسية مفقودة نظرا الى التصدع الهائل الذي اصاب العلاقات السياسية بين العهد والكثير من الكتل النيابية والقوى السياسية التي لن يكون التشاور معها حول اسم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة سهلا ومرنا هذه المرة . واذا كانت المشاورات انطلقت واقعيا بين الكواليس السياسية في سبيل بلورة الاتجاهات الجدية نحو اختيار الرئيس المكلف، فان المعطيات المتوافرة في هذا السياق تشير الى أجواء ضاغطة للغاية داخليا وخارجيا هذه المرة لن تسمح لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه باستسهال ترف التلاعب بعامل الوقت وتوظيفه واستغلاله من خلال تأخير مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة على غرار ما حصل في المرة السابقة عندما أخذ عون مدة طويلة نسبيا تجاوزت المفهوم المنطقي لإمساكه دستوريا بورقة تحديد المواعيد بحيث سبق التكليف الواقعي التكليف الدستوري وافرغ الاستشارات من مضمونها. وتشير المعطيات في هذا السياق الى ان هامش المناورات امام الحكم وحلفائه في محاولات فرض امر واقع في التكليف ولاحقا في التأليف ضاق جدا بين تجربة تأليف حكومة دياب والاستحقاق الحكومي الحالي اذ انه امام واقع انهياري بهذه الضخامة والخطورة الخيالية لن يكون متاحا او ممكنا تمرير إطالة تحديد مواعيد الاستشارات النيابية ابعد من مطلع الأسبوع المقبل مهما كانت الحجج والذرائع .
الحريري ونواف سلام
ولكن المعطيات الأكثر اثارة للاهتمام في ملف الاستحقاق الحكومي بدأت تبرز امس تباعا من خلال معادلة مختلفة تماما عن الاستحقاقات الحكومية السابقة بحيث يمكن القول ان التكليف لن يكون نزهة سهلة وسريعة لمجرد تداول اسمين لمرشحين أساسيين مطروحين للتكليف هما الرئيس سعد الحريري والقاضي في محكمة العدل الدولية في لاهاي السفير السابق نواف سلام علما ان طرح اسميهما جاء عبر الموجة الأولى من قوى سياسية داخلية استعجلت لعبة المناورات سواء لتزكية اسم او استبعاد آخر والعكس بالعكس . ففي حين ترشح معالم تأييد الثنائي الشيعي لعودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، يبرز تاييد الوزير السابق جبران باسيل وأطراف من خصومه للسفير السابق نواف سلام كما ان باسيل يسعى الى احداث شرخ بين رؤساء الحكومات السابقين.
ولكن المفارقة البارزة في هذا السياق ووفق المعطيات الجدية والموثوقة المتوافرة لـ”النهار” تؤكد ان لا الرئيس الحريري يهرول نحو العودة الى رئاسة الحكومة من دون توافر الشروط الصارمة التي تتيح إنجاح حكومة نوعية بمواصفات قادرة على اجتراح استراتيجية انقاذية حقيقية والتي منع من الحصول عليها في المرة السابقة خصوصا انه يحاذر تماما الا يكون في يده الأوراق المقنعة للشارع . كما يبدو السفير السابق نواف سلام بدوره حذرا جدا حيال الشروط والضمانات الحاسمة التي تكفل له تشكيل حكومة قادرة فعلا على ان تواكب خطورة الازمات التي تضرب البلاد. بذلك يكون ملف الضمانات الحاسمة لجعل الرئيس المكلف يقدم على مغامرة محفوفة بالمحاذير الهائلة قد سبق مناورات وحسابات القوى السياسية على اختلافها علما ان أي معطيات جدية لا تحسم حتى الان لا اسم الحريري ولا اسم نواف سلام ولو كانا المتقدمين في الأسماء بل ان أي أسماء ثالثة سواهما لم تطرح بعد . كما ان ما يثار عن الأجواء الفرنسية والأميركية والسعودية وسواها تبدو حتى الان في اطار التوظيف الداخلي ولو ان الموقف الفرنسي معروف ويدفع نحو توافق سياسي عريض على حكومة فعالة فيما سيستمع المسؤولون الرسميون وبعض القادة السياسيين الجمعة المقبل الى الرؤية الأميركية حيال الواقع اللبناني من مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل الخبير في الملف اللبناني خلال زيارته السريعة لبيروت. وتوقعت الأوساط المعنية بالحركة الجارية الا تتبلور الاتجاهات والأمور قبل الاطلاع على المواقف التي سينقلها هيل في زيارته لبيروت .
بعبدا
وكانت مصادر بعبدا وزعت امس معطيات عن موقف الرئيس عون فأفادت ان الحديث في موضوع الحكومة بدأ ضمن اطار المشاورات الجانبية بين كل القوى وان عون يفضّل تشكيل حكومة بأسرع وقت . وأكدت ضرورة قيام المشاورات قبل الاستشارات النيابية الملزمة لكي يكون رؤساء الكتل النيابية خياراتهم معتبرة انه من المبكر الحديث عن اسم رئيس الحكومة المقبل . وعما اذا كان عون موافقا على تكليف نواف سلام قالت المصادر ان الجو العام يتجه نحو حكومة وحدة وطنية ولكن لا يمكن حسم التوجه نحو نوعية الحكومة ومهمتها قبل جس نبض الكتل النيابية . ونفت ان يكون اسم نواف سلام او أي أسماء قد طرحت خلال زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لقصر بعبدا . وعما اذا عون يمانع في عودة الحريري الى رئاسة الحكومة قالت ان رئيس الجمهورية يحترم الدستور وينتظر نتائج الاستشارات النيابية .
وفيما لا يزال التريث يطبع مواقف القوى السياسية من استحقاق التكليف اعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عقب زيارته ورئيس كتلة اللقاء الديموقراطي تيمور جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور لرئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة مساء امس ان لا مرشح لديه. وقال ان الأمور تقتضي تشكيل حكومة سموها كما شئتم تعالج أولا الوضع الاقتصادي وإعمار بيروت وقبل كل شيء حيث عجزت كل الحكومات السابقة الإصلاح “. واعتبر ان حسان دياب “هو من احرق بيروت وهو من اسقط نفسه بنفسه “. وإذ شدد على انه لا يضع شروطا على الحكومة المقبلة قال “ليس لدي مرشح لرئاسة الحكومة وتحدثنا طويلا مع الرئيس بري وسأنسق معه كالعادة في كل خطوة لكن الوقت الحاضر ليس وقت التسمية “.