مع ارتفاع منسوب الاتصالات السياسية المحلية والدولية في مسعى لإنتاج حكومة الحد المقبول القادرة على إنجاز الجزء المطلوب من الإصلاحات وإعادة الاعمار ومعالجة الملفات الحياتية، فإن منسوب القلق من ان لا تؤدي كل هذه الحركة الى أي بركة لا يزال على ارتفاعه أيضا، في ظل خشية من تضارب المصالح الدولية من جديد معطوفا على حالة التنابذ المحلية المستشرية، ما سيعني مجددا تعمّق الأزمة اللبنانية بشكل أخطر، اللهم الا اذا انتهج الجميع فعلياً ما يصرّحون به علناً: التسهيل.
وفي غضون ذلك لا يبدو تسهيل وتوفير مقومات التحقيق الشفاف في انفجار المرفأ قائمة، فالكباش على تعيين محقق عدلي يعرقل بدء مسار التحقيقات من الناحية القانونية الصحيحة، ويفتح الباب امام المزيد من التلاعب وطمس الحقائق. وهو ما يجعل مطلب لجنة التحقيق الدولية اكثر ضرورة من قبل حرصا على كشف ما حصل ومعاقبة كل المسؤولين عن هذه الفاجعة.
وفي آخر المساعي الحكومية لا تزال صورة المبادرة الفرنسية حول تشكيل حكومة جديدة تنتظر اتضاح الرؤية الأميركية التي ستظهر مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل يوم غد الجمعة. ورغم المسؤولية المباشرة للكارثة التي وقعت تتحملها بحكم الواقع بدرجة كبيرة الحكومة المستقيلة والقوى الداعمة لها، فإن هذه القوى تعمل على لملمة نفسها للإستعداد للعودة الى الجنّة الحكومية من باب عناوين متعددة، فيما يواصل رئيس تيار المستقبل سعد الحريري اتصالاته وتمسكه بشروط محددة لعودته الى رئاسة الحكومة، وأولها الغطاء العربي والدولي.
وحده رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط يحرص على التسهيل لأجل ولادة حكومة قادرة على الاصلاحات وعلى توفير مناخ تغيير حقيقي في البلاد عنوانه إشراك كل شرائح المجتمع اللبناني في عملية صنع القرار عبر الذهاب الى قانون إنتخابي جديد على اساس لا طائفي، وهو يلتقي اليوم رئيس الجمهورية للتأكيد على هذه العناوين.
مصادر مراقبة كشفت لـ “الأنباء” أن فريق السلطة بمن فيهم رئيس الجمهورية يعمل على تشكيل حكومة سياسية كانوا قد إختاروا لها فريقا من المستشارين على غرار الحكومة السابقة، مع ميزة “تربيح الناس جميلة” بأن تكون برئاسة سعد الحريري، وتضيف المصادر أن النائب جبران باسيل غير راض عن هذا الطرح لعرقلة عودة الحريري الى السراي، من دون المجاهرة به، لكي لا يتهم بالعرقلة، لكن ما ليس بالحسبان المتابعة اللصيقة من الرئيس الفرنسي الذي يواكب مع القيادات السياسية ملف تشكيل الحكومة بدقة، وقد عبّر عن ذلك في الاتصالات التي أجراها بعدد من القيادات السياسية، او من خلال اتصاله بالرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى ضوء ما ستنتج عنه هذه الاتصالات بالاضافة الى ما يحمله الموفد الأميركي ديفيد هايل، يبقى موعد الإستشارات النيابية الملزمة معلّقا حتى اتضاح الصورة.
القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش رأى أن “عودة الحريري ليست أكيدة بالرغم من المسعى الفرنسي”، وقال إن “إتصال ماكرون بروحاني لا يعني أبدا حل عقدة حزب الله، لأن الحزب يأتمر بأوامر الحرس الثوري الإيراني، وروحاني ليس لديه سلطة على الحرس الثوري”، وسأل علوش: “ما هو الثمن الذي تريده ايران مقابل تسهيل تشكيل الحكومة من دون حزب الله؟ وهل ماكرون قادر على تلبية مطالب طهران التي لا يلبيها سوى ترامب، وهل ترامب على استعداد لإلغاء العقوبات على ايران؟”، معتبرا انه “في نهاية المطاف يمكن لفرنسا أن تغامر بتوزير شخصية مقربة من حزب الله، لكن من يضمن عدم تعرض نصرالله للدول الخليجية وللسعودية تحديدا؟ وبالتالي من أين ستأتي الاستثمارات الى لبنان؟ فالمشكلة الأساسية أنك تتعامل مع فيلق عسكري يتصرف على أساس عسكري وليس سياسيا”.
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبه قاطيشا أشار لـ “الأنباء” الى “موقف القوات اللبنانية الواضح لناحية تشكيل حكومة إنقاذ حيادية تتألف من وزراء لا علاقة لهم بالأحزاب السياسية يكونوا قادرين على العمل والإنتاج”، لافتا الى ان “المجتمع الدولي والأشقاء العرب يفضلون حكومة وحدة وطنية، لكن حكومات الوحدة الوطنية هي التي أوصلتنا الى هذا الواقع المأساوي”. وأضاف: “المطلوب حكومة إنقاذ تخرج البلد من أزمته وتؤسس لانتخابات نيابية مبكرة وتعمل على تشكيل لجنة تحقيق دولية، لأن لا ثقة لدينا بالقضاء اللبناني ورأينا نموذجاً من خلال تسمية القاضي يونس من قبل وزيرة العدل ما دفع مجلس القضاء الأعلى للإعتراض عليه”.
تزامنا ينعقد اليوم المجلس النيابي في جلسة عامة في الاونيسكو لتصديق قرار اعلان الطوارئ وتلاوة استقالات النواب، حيث قدرت مصادر متابعة أن عدد النواب الذين سيحضرون الجلسة في الأونيسكو لن يصل الى السبعين نائبا بعد اعلان عدد من الكتل مقاطعتها مع عدد من النواب المستقلين إحتجاجا على عدم تفاعل المجلس مع إنفجار المرفأ.