دخل لبنان منذ الـ4 من الشهر الجاري مرحلة جديدة من «الوصاية» الدولية والاقليمية «المباشرة» و«الوقحة»، فما بعد التفجير «اللغز» في مرفأ بيروت ليس كما قبله، «طارت» حكومة حسان دياب مع دخان «الزلزال»، ودفع الرجل «ثمن» مؤامرة كانت تحاك لإسقاط مجلس النواب، وفق «رواية» الرئيس نبيه بري، اما «الانزال» الفرنسي بقيادة الرئيس ايمانويل ماكرون فتبعه «حراك» خليجي «مدروس» و«خجول» بقيادة مصرية دون ان تتضح معالمه الكاملة حتى الان، لكن كلام الرئيس التركي رجب طيب اردوغان «العالي السقف» تجاه ما اسماه «الفولكلور» الفرنسي في بيروت، يضيء على طبيعة الصراع الدائر فوق الساحة اللبنانية المفتوحة على كافة الاحتمالات… وفيما وصل رئيس الديبلوماسية الايرانية محمد جواد ظريف الى بيروت، نزل الاميركيون «بثقلهم» على الارض بقيادة وكيل الخارجية ديفيد هيل معلنا من الجميزة مشاركة وكالة التحقيق الفدرالية «اف بي آي» في التحقيقات، دون ان نعرف الجهة اللبنانية «الداعية»، فيما خرج الروس من «ساحة» الجريمة قبل يومين… وذلك تزامنا مع رفض روسيا في مجلس الامن اقتراحا بتحقيق دولي بالتفجير، معتبرة أن ذلك شأن «سيادي لبناني»…؟
جمود حكومي…
من هنا، لا تستغرب اوساط سياسية بارزة، حال الجمود السياسي السائد على صعيد تشكيل الحكومة، وترى ان كل حديث عن مشاورات محلية ليس الا «تعمية» لواقع الجمود السائد بانتظار انقشاع المواقف الدولية والاقليمية المنتظر ان تتبلور خلال الساعات المقبلة، فإما نكون امام مرحلة تصريف اعمال طويل الامد، في حال اخفق الرئيس الفرنسي في بلورة تسوية تحقق مصالح كل القوى وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، او تولد حكومة «توافق وطني» اذا ما تواضعت كل القوى المعنية في الشان اللبناني وقبلت تحييد ساحته عن «الكباش» المستمر في المنطقة الخاضعة للتجاذبات عشية الانتخابات الاميركية التي كان اول «الغيث» بالامس اعلان تطبيع العلاقات الاماراتية- الاسرائيلية برعاية الرئيس دونالد ترامب، وذلك على وقع الغبار الكثيف لتفجير بيروت، ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول التوقيت ودلالاته…
«شروط» مصيرها الفشل..
وفي هذا السياق، تسخر تلك الاوساط من التسريبات التي تتحدث عن «شروط» لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، او عن مقترحات يجري «طبخها» في «الكواليس» الداخلية، وترى انها مجرد «ذر للرماد في العيون»، كون الجميع ينتظرون ملامح «الطبخة» الخارجية التي سيصعب على اي فريق تجاوزها، خصوصا اذا ما راعت «الخطوط الحمراء» التي لا يمكن لأحد تجاوزها في هذه المرحلة والمتعلقة بدور حزب الله الداخلي والاقليمي، لان اي محاولة لفرض شروط من هذا النوع سيكون مصيرها الفشل المحتم في ظل «موازين قوى» واضحة المعالم تسمح «بالتضحية» بحكومة مواجهة التحديات، لكن لا تسمح بتغيير «قواعد اللعبة» لا على الحدود مع فلسطين المحتلة ولا في الداخل حيث يعرف الجميع ان منسوب «التنازلات» محسوب بدقة.. .
«مناورات» حكومية
في هذا الوقت، لم يمنع انتظار القوى السياسية انتهاء الجولات الديبلوماسية، من الاستمرار في تمرير الوقت الضائع بمناورات سياسية داخلية، وقد كشفت أوساط سياسية بارزة أن رئيس الجمهورية ميشال عون «يسوق» منذ استقالة الحكومة لفكرة تشكيل «حكومة أقطاب»، وهو ما يرفضه اكثر من طرف في قوى 14 آذار و8 آذار، وتعتبره محاولة لإعادة «تعويم» رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فيما يتم التركيز على تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يكون باسيل من ضمنها.،.
وفي هذا السياق، تؤكد اوساط التيار الوطني الحر ان الاخير لن يشارك في اي حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري لانه يعتبرها تكرارا لحكومات غير منتجة، وكل الاسماء المطروحة لرئاسة الحكومة غير محسومة ولا تزال في اطار «حرق الاسماء»…
ووفقا لاوساط بعبدا، لا يخفي رئيس الجمهورية رغبته بحكومة اقطاب لانه يرى ان الاولوية في عمل اي حكومة هي للاصلاح والالتزام بإجراء التدقيق الجنائي والتعاون مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الاصلاحات. فحكومة الاقطاب تضع كافة الاطراف الى طاولة مجلس الوزراء وتضعهم امام مسؤولياتهم، وهو امر سيكون مدار بحث مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنلاط الذي اتصل به عون بالامس، وسيزور بعبدا قريبا، فيما تفضل «المختارة» تشكيل حكومة محايدة…
«سباق» ايراني ـ اميركي
في هذا الوقت، بدأ «سباق» ايراني ـ اميركي بالامس فوق «الحلبة» اللبنانية، وفيما يجول الديبلوماسي الاميركي ديفيد هيل اليوم بين المقرات الرسمية لابلاغ المسؤولين اللبنانيين لائحة «المطالب» الاميركية وفي مقدمها «ترسيم» الحدود البحرية والبرية الجنوبية، اختار ان «يفجر» من «الجميزة» مفاجأة من العيار الثقيل بإعلانه مشاركة «الاف بي آي» في التحقيقات، وقد اكدت اوساط مطلعة ان الجانب اللبناني تفاجأ بالاعلان من قبل الديبلوماسي الاميركي، إذ كان يفترض ان تعلن الجهات اللبنانية المختصة عن موافقة الدولة اللبنانية على عرض الاميركيين المشاركة في التحقيق، لكن هيل اختار «احراج» الطرف اللبناني عشية بدء لقاءاته الرسمية…
في هذا الوقت، وصل وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى العاصمة اللبنانية امس، حيث من المرجح عقد لقاء بينه وبين الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فيما يجول على المسؤولين اليوم، واضعا ثقل بلاده لتقديم ما يلزم من دعم، لكن الزيارة في توقيتها، تحمل ايضا معاني كثيرة لعل اهمها، ان الساحة اللبنانية غير متروكة وتقع في صلب المصالح الاستراتيجية الايرانية، واذا كان المبعوث الايراني سيبلغ المعنيين في لبنان ما سبق وأبلغه الرئيس حسن روحاني لنظيره الفرنسي، بأن ما يقبله حزب الله تقبله طهران، فإن موقف الحزب سيتظهر مساء اليوم مع اطلالة السيد حسن نصرالله في ذكرى انتصار تموز…
انتظار وترقب…
واذا كانت السفارة الاميركية في بيروت قد اعلنت ان هيل سيؤكد استعداد أميركا لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب وتلتزم التزامًا حقيقيًا بأجندة الإصلاح، والقضاء على الفساد المستشري، وتحقيق المساءلة والشفافية، وإدخال سيطرة الدولة على نطاق واسع من خلال المؤسسات العاملة، فإن المسؤولين اللبنانيين ينتظرون موقف الديبلوماسي الاميركي من «المبادرة» الفرنسية، وسيكتشفون مدى تطابقها مع طروحات الرئيس ماكرون، خصوصا ان ما حملته التسريبات الاميركية يؤشر الى وجود تشدد اميركي واضح حيال حزب الله إذ تفضل واشنطن تشكيل حكومة لا يكون حزب الله ممثلا فيها، وهي ليست مهتمة بمن يكون رئيسها، اي ليست متمسكة بعودة الرئيس الحريري، وفي الوقت نفسه تهدد بعقوبات اضافية على الحزب وعلى حلفائه اذا لم تحصل استجابة «لشروطها» خصوصا تسهيل الترسيم الحدودي.وفي هذا السياق، تحدثت بعض الدوائر عن عقوبات ستصدر في الـ20 من الشهرالجاري تستهدف شركات وشخصيات مقربة من حزب الله وفي مقدمها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
تحذيرات ايرانية
في المقابل، يشير المطلعون على الموقف الايراني، الى ان ظريف لا يحمل معه الى بيروت اي شروط محددة، ولا تملك طهران اي «خارطة طريق» في الشأن الحكومي، وانما ثمة نصائح كثيرة سيحملها الديبلوماسي الايراني للحذر من «النوايا» الاميركية حيث تعمل الادارة الحالية على الاستثمار بقضايا المنطقة في الانتخابات الرئاسية، وسينبه الى عدم الانجراف وراء «النوايا» الفرنسية الطيبة، والانتباه الى «الافخاخ» الاميركية القادرة على التعطيل، ولطهران باع طويل في هذا المجال بعدما اثبتت واشنطن انها قادرة على تعطيل الرغبات الاوروبية في اي تسوية، وما حصل في الاتفاق النووي خير دليل على ذلك، وفي نهاية المطاف لا يبدو الطرف الايراني في صدد ممارسة اي ضغوط على حزب الله، وهو سيكرر في «الكواليس» عبارة باتت قاعدة رئيسية في التعامل مع الملف اللبناني: «ما يرضى به حزب الله ترضى به ايران».
«الكباش» حول «اليونيفيل»
وفي مؤشر مقلق، يتواصل «الكباش» الفرنسي ـ الاميركي في مجلس الامن حول مسألة التمديد لقوات اليونيفيل، وقد رفضت باريس الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بإدخال تغييرات عميقة على التفويض الممنوح بموجب القرار 1701 أو خفض عددها وميزانيتها أو فترة عملها. ووفقا لمصادر ديبلوماسية لا تزال الولايات المتحدة، بدعم من بريطانيا، مصرة على إعادة النظر في مسؤوليات القوات الدولية لتحسين أداؤها وفاعليتها لإنهاء ما أسمته سفيرتها في الامم المتحدة «التواطؤ الطويل الأجل» وكان واضحا ان التباينات كانت واسعة بين الجانبين الأميركي والفرنسي بعدما اقترحت الولايات المتحدة تقصير مهمة «اليونيفيل» إلى ستة أشهر؛ لكن فرنسا رفضت هذا الاقتراح، فضلا عن رفض الاقتراحات المتعلقة بخفض عدد أفراد «اليونيفيل» أو خفض ميزانيتها، ووفقا لتك الاوساط، فان مفاوضات صعبة تنتظر الجميع قبل انتهاء التفويض في 31 الجاري.
الاتفاق على محقق عدلي
وفيما بدأ الحزب الاشتراكي حملة تواقيع نيابية للمطالبة بتحقيق دولي في جريمة المرفأ، استمرت عمليات انتشال جثث ضحايا التفجير، وبعد مرحلة طويلة من «الاخذ الرد» بين وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى تم تعيين القاضي فادي صوان محققا عدليا بعد رفض المجلس اسم القاضي سامر يونس، واعتذار القاضي طارق البيطار عن تعيينه محققا عدليا في ملف انفجار مرفأ بيروت، وقد تم ارجأ الاستماع الى الوزراء المتعاقبين المقرر اليوم الى وقت آخر ريثما يستلم صوان الملف حيث سيقوم بإعادة التحقيق مع كل الموقفون في القضية.
إسقاط «المؤامرة»
في هذا الوقت، اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري افشال مؤامرة اسقاط مجلس النواب، وقال خلال جلسة عقدت في الاونيسكو لإقرار قانون الطوارىء، وجرى خلالها قبول استقالة 8 نواب، وقال بري» كانت هناك مؤامرة الأسبوع الماضي على مجلس النواب من خلال الدفع إلى الاستقالة وتبادل الأدوار ومحاولة الدفع باتجاه أن الحكومة تحاسب المجلس وليس العكس، والبعض لا يزال «حردان» حتى الساعة بعد إفشال هذه المؤامرة»، وفيما سخر النواب المستقيلون في تصريحات صحافية من «توصيف» رئيس المجلس، غرد رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع قائلا: تلك لم تكن مؤامرة، بل كانت ممارسة حق ديموقراطي طبيعي للكتل النيابية بالاستقالة، بعدما بلغت الأوضاع ما بلغته. وبكل الأحوال، لن ينقذنا من الوضع الذي نحن فيه سوى انتخابات نيابية مبكرة.. وقد اقر المجلس النيابي ايضا اعفاء ورثة الضحايا من رسوم الانتقال، إضافة إلى تمديد إعفاءات من فؤائد القروض المتأخرة..
«كورونا» خارج «السيطرة»
في هذا الوقت، يواصل عداد «كورونا» الارتفاع، وسجلت بالامس 298 اصابة جديدة و3 حالات وفاة، فيما توجد 44 حالة في العناية المركزة، وبعد لقاء عقده رئيس الجمهورية في بعبدا مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان حضره وزير الداخلية، اعلن وزير الصحة حمد حسن انشاء خلية عمل للتنسيق في القطاع الصحي والاستشفائي نتيجة انفجار المرفأ الذي ادى الى خروج 4 مستشفيات عن الخدمة، وتمديد اعلان حالة الطوارئ في العاصمة بيروت لشهر اضافي. والبدء بعزل بعض الاحياء ببعض المناطق واعادة تفعيل الحجر المنزلي»، لافتا الى ان 50% من الاسرة المخصصة لكورونا باتت ممتلئة متوقعاً المزيد من حالات كورونا خلال الاسبوع القادم، وقد اصدر محافظ بيروت قرارا بعزل حي ارض جلول في منطقة طريق الجديدة بعد تزايد الاصابات بين السكان.