كتبت صحيفة النهار تقول: تجاوزت الدلالات والرسائل المهمة التي أنهت ثلاثة أيام من زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل لبيروت موضوع تشكيل الحكومة الجديدة التي على الأولوية التي تكتسبها بدت ادنى مرتبة من المواقف الاستراتيجية الأبعد منها التي أطلقها هيل. فإلى الإدانة الشاملة والحادة التي أطلقها هيل للمسؤولين اللبنانيين مقرونة بإدانة الفشل الكبير في التزام الإصلاحات، اكتسب كلامه من قلب مكان الانفجار المزلزل في مرفأ_بيروت، قبل ظهر أمس، حول الحدود أهمية قصوى، إذ انطوى ضمناً على ربط شبه مباشر بين واقع فلتان الحدود اللبنانية ومجمل الوضع الأمني. وقال هيل للمرة الأولى: “لن نسمح بعودة الفوضى على حدود لبنان البرية والبحرية ولا يمكن العودة إلى زمن كان يحدث فيه أي شيء على حدود لبنان ومرافئه”.
وفي ختام زيارته لبيروت، وجّه هيل مساء أمس كلمة مصوّرة إلى “شعب لبنان” أكد فيها أنّه “منذ السادس من شهر آب الجاري، عملت أميركا، على مساعدة الشعب اللبناني بشكل يوميّ من خلال توفير ما قيمته 18 مليون دولار من المواد الغذائية والأدوية التي تشتدّ الحاجة إليها وإلى غيرها من مواد الإغاثة الأساسية. إضافة إلى ذلك، نحن على استعداد للعمل مع الكونغرس للتعهّد بما يصل إلى 30 مليون دولار من الأموال الإضافية لتمكين تدفق الحبوب عبر مرفأ بيروت على أساس أن يكون عاجلاً وموقّتاً. هذه المساعدة ستلبي فقط الاحتياجات الإنسانية الفورية الناجمة عن الانفجار وسوف تكون تحت الإدارة المباشرة لبرنامج الغذاء العالمي عبر المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص”.
وقال: “عقب هذه المأساة، نتوقّع، مثل آخرين كثر، إجراء تحقيق موثوق وشفاف حول الظروف التي أدّت إلى الانفجار. وسيكون مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي قريباً هنا للمساعدة. هذا الحدث المأساوي كان، بطريقة أو بأخرى، من أعراض أمراض في لبنان هي أعمق بكثير، وهي أمراض استمرت لفترة طويلة جدّاً، وكل من في السلطة تقريبًا يتحمّل قدراً من المسؤولية عنها. أنا أتحدث عن عقود من سوء الإدارة، والفساد، والفشل المتكرّر للقادة اللبنانيين في إجراء إصلاحات مستدامة وذات معنى”، مضيفاً: “خلال زيارتي الاخيرة في كانون الأول الماضي، عبّرت للمسؤولين اللبنانيين المنتخبين عن الحاجة الملحّة أن يضعوا جانباً الهموم الحزبية والمكاسب الشخصية، ويضعوا مصلحة البلد أولاً. واليوم نرى تأثيرات فشلهم في تحمل تلك المسؤولية”.
وتابع هيل: “على مدى الساعات الأربعة والعشرين الماضية، استمعت إلى عدد من وجهات النظر للقادة المنتخبين، إضافة إلى المجتمع المدني والشباب ورجال الدين. إنّ الطلب الأكثر شيوعاً للتغيير الحقيقي لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً. هذه لحظة الحقيقة للبنان. أميركا تدعو القادة السياسيين في لبنان إلى الاستجابة لمطالب الشعب المزمنة والشرعية، ووضع خطة موثوقة ومقبولة من جانب الشعب اللبناني للحكم الرشيد، والإصلاح الاقتصادي والمالي السليم، ووضع حدّ للفساد المستشري الذي خنق طاقة لبنان الهائلة. لقد كانت أميركا صديقة للبنان لأكثر من قرنين. ولكن كما طالب العشرات من النشطاء والمتطوّعين الشباب الذين قابلتهم بصراحة: لا يجب أن يكون هناك إنقاذ (مالي) للبنان. أميركا وشركائها الدوليين سوف يستجيبون للإصلاحات المنهجية بدعم مالي مستدام، عندما يرون القادة اللبنانيين ملتزمين بتغيير حقيقي، بتغيير قولاً وفعلاً. ولكننا لا نستطيع، ولن نحاول، إملاء أي نتيجة. هذه لحظة للبنان لتحديد رؤية لبنانية -لا أجنبية – للبنان. أي نوع من لبنان لديكم وأي نوع من لبنان تريدون؟ فقط اللبنانيون هم من يستطيعون الإجابة على هذا السؤال”.
والتقى هيل أمس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لمدة ساعة. وأعلن مكتب جعجع أنّه اعتبر أنّ الحل الفعلي للخروج من الأوضاع المتردية يبقى في تقصير ولاية مجلس النواب الحالي وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون الانتخاب الحالي. كما التقى هيل قائد الجيش العماد جوزف عون. والتقى هيل رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ووفد حزبي. ثم زار هيل مساء النائب المستقيل ميشال معوض الذي أقام عشاء على شرفه.
وسط المناخ السياسي الغامض والذي يزداد لبّداً، ووسط استبعاد بلورة الاتجاهات المتعلقة بالتوافق على رئيس الحكومة المكلّف، برزت المواقف المهمة والتي تكتسب دلالات ميثاقية ووطنية عميقة التي يتخذها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، والتي كان أبرزها وآخرها أمس في عظته في الديمان لمناسبة عيد انتقال السيدة العذراء. فقد أعلن البطريرك الراعي أنّ “البطريركية تطالب بأن يكون كل حل سياسي منسجماً مع ثوابت لبنان ومع تطلعات اللبنانيين ونهائية الوطن وهويته اللبنانية وانتمائه العربي وميثاقه الوطني”. وإذ شدّد على احترام الشراكة المسيحية الإسلامية، حذّر من “ابتداع طروحات من نوع المثالثة”، كما حذّر من أي انقلاب على أي من الثوابت، وقال إنّ “أي حل لا يتضمن الحياد الناشط واللامركزية الموسعة والتشريع المدني ليس حلّاً بل مشروع ازمة اعمق وأقسى وأخطر”.