يبدو ان الصراع بشأن تشكيل الحكومة القادم سيكون بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، اذ اطلق باسيل شعاراً للحكومة القادمة وهو ان تكون فعالة وقادرة على الاصلاح والتغيير، والا لن يدخل الحكومة وليس راغباً بذلك.
كما يريد الوزير جبران باسيل 4 وزراء من التيار الوطني الحر و2 حلفاء له، ويشكل مع حزب الله وحلفائه الثلث المعطل في الحكومة، اما الرئيس سعد الحريري فهو بعيد كلياً عن طرح باسيل وله شروطه التي اعلنها سابقاً وما زال متمسكاً بها، وهي اطلاق يده في تشكيل الحكومة من 20 وزيراً من ذوي الاختصاص ومستقلين وغير مرتبطين باحزاب سياسية وكتل نيابية، ويقول الحريري في مجالسه، انه بهكذا حكومة استطيع انقاذ لبنان من الازمة الاقتصادية والمالية، ويضيف : اعطوني سنة واحدة وخذوا افضل الانجازات لانقاذ لبنان اقتصادياً ومالياً.
من هنا، الخلاف كبير بين «كتلة المستقبل» التي يترأسها الحريري وبين «تكتل لبنان القوي» الذي يترأسه جبران باسيل.
اما رئيس الجمهورية العماد ميشال عون فهو يدعم موقف باسيل ولا يميل الى رغبة الحريري بتشكيل حكومة مستقلة يختار وزراءها شخصياً، وبالتالي، فان رئيس الجمهورية ليس مستعجلاً للدعوة للاستشارات النيابية الملزمة قبل معرفة الموقف النهائي للحريري، كي لا يتم تكليفه بالتشكيل ومن ثم يحاول فرض شروطه، وهو امر لن يقبل به الرئيس عون، وبالتالي، لن يوقع مراسيم اي حكومة يقترحها الحريري كما يريد وكما اعلن عن ذلك.
اما لماذا الحريري هو المرشح لتشكيل الحكومة فيجيب نائب رئيس مجلس النواب الاستاذ ايلي فرزلي الذي كان اول من رشح الحريري لتشكيل الحكومة، ومعروف ان الفرزلي هو اقرب المقربين لفكر الرئيس نبيه بري السياسي، وفي الوقت نفسه قريب من الرئيس عون، كما انه خبير بالسياسة اللبنانية جيداً، ويومها برّر الفرزلي ترشيحه للحريري انه كما الرئيس عون جاء على اساس انه يمثل أكثرية المسيحيين، وكما رئيس مجلس النواب نبيه بري يمثل اكثرية الشيعة، فيجب الاتيان بالحريري الذي يمثل الاكثرية السنية.
وصحيح ان مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان لم يعارض مجيء الدكتور حسان دياب، لكنه قال لاحد زواره ان رئيس الحكومة ونواب ووزراء السنة يخرجون من دار الفتوى اولاً وليس من أي مكان اخر، لان الطائفة السنية لها كرامتها ومن يمثل السنة يجب ان يكون على تواصل مع دار الافتاء اللبنانية. لذلك بات مرجحا مجيء الحريري نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة. الثنائي الشيعي ليس ضد الحريري بل معه خصوصاً بري، وحزب الله لا يمانع، كما ان كتلاً نيابية عدة تؤيد تكليف الحريري، لكن الأخير سيواجه «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل بشأن كيفية تأليف الحكومة، واذا لم يكن باسيل راضياً عن الحكومة الجديدة، فان عون لن يوقع مراسيم تأليفها خصوصاً اذا بقي الحريري مصراً على شروطه.
اما الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووكيل وزير خارجية اميركا دايفد هيل فقد ابلغا الحريري رغبتهما بان يكون رئيساً للحكومة القادمة، وبانهما مقتنعان انه قادر على اجراء الاصلاحات لانه شارك بفعالية بمؤتمر باريس «سيدر1»، وبان عقله اقتصادي نظراً لانه رجل اعمال هام.
والرئيس ماكرون في زيارته الاخيرة بارك للحريري، وابلغه دعم فرنسا الكامل له، لكنه طالبه بتمثيل المجتمع المدني الى جانب اصحاب الخبرة في الوزارات اي الوزراء المستقلون.
اما هيل فكان يتحدث على الغداء مع الحريري على اساس انه الرئيس الذي سيشكل الحكومة القادمة، وان وزير خارجية أميركا مايك بومبيو اعطى التوجيهات لوكيله هيل بأنه عليه ابلاغ من يجب ابلاغه، أن الحريري هو رئيس الحكومة القادمة، وان واشنطن لن تدعم غيره، رغم انها طرحت اسم السفير نواف سلام، لكن «فيتو» حزب الله وحركة امل على اسم السفير نواف سلام، عرقل مسعى اميركا، وان الموقف الجدي والاخير لبومبيو والادارة الاميركية هي مع الحريري، وفي حال تعرقلت مهمة الرئيس الحريري في تشكيل الحكومة، فإن ماكرون سيتواصل مع الرئيس ميشال عون لتذليل العقبات والتوصل الى تأليف الحكومة مع الاخذ بنسبة 70 بالمئة من شروط الحريري والتنازل 30 بالمئة لصالح الرئيس عون او لصالح «تكتل لبنان القوي».
ماذا قال هيل للمسؤولين في لبنان؟
السفير هيل اعطى الاهمية الاولى للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي نظراً لطرحه فكرة «الحياد الناشط»، ذلك ان واشنطن تؤيد فكرة حياد لبنان عن خلافات المنطقة، ولذلك قرأ هيل بيان مكتوب على ابواب بكركي واجرى محادثات مع الراعي، لكن هيل كان قاسياً بكلامه او صريحاً، فحمّل المسؤولية للحكومات التي مرّت على عقود من الزمن، وصولا لعهد الرئيس عون الذي امضى تقريبا 4 سنوات ولم يستطع منع الفساد ولا المعالجة الاقتصادية ولم يقم بحل مشكلات تأليف الحكومة، ولذلك صرح هيل بأن الجميع مسؤولون منذ عقود من السنوات، وصولا الى السلطة الحالية.
وقال هيل لأكبر المسؤولين بمن فيهم الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه بري اننا لم نعد نقبل بوعود فارغة، فإما الاصلاح الجذري والعميق بكل عناوينه وتفاصيله خلال بضعة اشهر وليس اكثر، والا فان المجتمع الدولي من الادارة الاميركية الى الاتحاد الاوروبي لن يقدموا اي مساعدات مالية للبنان، وبالتالي، حمّلهم مسؤولية الانهيار الكبير الذي سيذهب اليه لبنان.
وفي المقابل، قال هيل انه اذا قام المسؤولون اللبنانيون باجراء الاصلاحات ومنع هدر اموال الشعب اللبناني، فان الادارة الاميركية والبنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الاوروبي سيقدمون مليارات الدولارات، وسيطلبون من دول الخليج مساعدة لبنان اذا قامت الدولة بالاصلاحات وبضبط امتداد حزب الله الى المرافق الهامة خاصة مطار بيروت ومرفأ بيروت، اضافة الى ضرورة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وضبط المعابر غير الشرعية بحسب ما قاله هيل.
انما هذه المسألة لن تكون سريعة، لانها ليست على جدول اعمال الحكومة العتيدة، بل ستلجأ الحكومة الى الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي والمالي، ولن يحصل ترسيم الحدود في المدى المنظور.
يقول كثيرون ان الدول من واشنطن وباريس والسوق الاوروبية المشتركة والخليج العربي سيؤيدون طرح الحريري، وسيتمنى ماكرون على الرئيس عون قبول بعض النقاط التي يطرحها الحريري، ويراهن ماكرون على علاقته مع ايران لتليين موقف حزب الله كي لا يقف الحزب بقوة مع الوزير جبران باسيل ضد سعد الحريري.