كتبت صحيفة نداء الوطن تقول: الوباء يتفشى بين اللبنانيين وعجلة المصابين تسلك طريقها نحو الألفية الأولى، والفقر يتوغل في المجتمع ونسبة من هم تحت خطه تكاد تحصد ثلثي الشعب اللبناني، أما أهل السلطة الذين نهبوا البلد وشرّعوا أبوابه أمام كل أصناف المخاطر والانهيار وصولاً إلى حد تدمير عاصمته وتفجيرها على بكرة أبيها، فلا يزالون يمارسون هواية اللعب عند حافة الهاوية وكأنهم “أصنام من تمر” بلا إحساس ولا دم يعتاشون فقط على الأضاحي والمآسي، وها هم المنكوبون في انفجار المرفأ يشيّعون الضحايا تلو الضحايا ويلملمون أرزاقهم وأحلامهم من بين الركام والحطام، بينما حكامهم يلازمون لعب دور شرطي المرور لتأمين عبور بوارج المعونات وطائرات الإغاثة، ولا يعنيهم من كل مشهد المأساة سوى تلك “الفرصة” التي منحتهم إياها “مذبحة النيترات” وأتاحت لهم استعادة قنوات التواصل مع المجتمع الدولي فوق أنقاض الناس.
وكذلك في الملف الحكومي، لا يزال الصيد في مياه التكليف العكرة هو الغالب على أداء أفرقاء السلطة، بحيث رمى كل منهم “طُعم” المحاصصة في مستنقع التأليف وينتظر أن “تغمز صنارته” دون أدنى اعتبار أخلاقي لضرورات المرحلة وحراجة الوضع اقتصادياً واجتماعياً ومالياً، في وقت يواصل رئيس الجمهورية ميشال عون التمترس خلف بدعة “التأليف قبل التكليف” رافضاً تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة قبل معرفة جنس المولود الحكومي وشكله ولونه. ولأنّ خطوط التواصل بينه وبين الرئيس سعد الحريري مقطوعة، استنجد عون برئيس المجلس النيابي نبيه بري فزاره في بعبدا أمس حاملاً معه “قناعة ثابتة بأنّ مفتاح الحل للأزمة يبدأ من التسليم بضرورة تكليف الحريري أولاً، قبل الشروع في البحث في تذليل العقد والعقبات التي تعترض ولادة الحكومة”.
وفي هذا السياق، نقلت مصادر مطلعة على أجواء لقاء بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “بري يحبذ الإسراع في تحديد موعد الاستشارات النيابية وإنجاز عملية التكليف قبل عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مطلع أيلول، غير أن عون لا يزال يشترط تبلور صورة المشاورات السياسية قبل الدعوة إلى الاستشارات النيابية”، مشيرةً في المقابل إلى أنّ “رئيس المجلس استطاع أن يكسر الفيتو العوني السابق على تكليف الحريري غير أنه عاد واصطدم بوضع رئيس الجمهورية شرط عقد “تفاهم مسبق” حول عدة نقاط بما يشمل تسمية الوزراء وبرنامج الحكومة والضمانات المتعلقة بالمفاوضات مع الخارج”. وعليه، أكدت المصادر أنّ “بري يدرك صعوبة إقناع الحريري بشروط عون ولذلك سيحاول خلال الساعات المقبلة خفض السقوف وتدوير الزوايا لضمان نجاح مسعاه”، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ حظوظ التجاوب مع الطرح العوني بتشكيل حكومة أقطاب تراجعت بعدما “شرح رئيس المجلس لرئيس الجمهورية وجود شبه استحالة أمام إمكانية تشكيل هكذا حكومة في هذه المرحلة”.
وأمام ذلك، أعربت المصادر عن اعتقادها بأنّ الصيغة الأوفر حظاً حتى الساعة هي “حكومة تكنوقراط يرأسها الحريري وتحظى بغطاء سياسي لتجاوز الأزمة”، لكنها تساءلت في المقابل: “هل سيقبل عون و”حزب الله” بأن يسمي الحريري فريقه الوزاري بالكامل أم أنّهما سيصران على أن تقوم الأحزاب بتسمية وزرائها في حكومته التكنوقراطية؟”، مشيرةً إلى أنّ “القناعة السائدة حالياً بأنه لا يوجد أي إسم يتقدم على إسم الحريري في رئاسة الحكومة، ولذلك اتفق عون وبري على تكثيف المشاورات خلال الساعات الـ48 المقبلة في سبيل محاولة التوصل معه إلى أرضية مشتركة تتيح الدعوة إلى الاستشارات والانطلاق في عملية التسمية والتكليف”.
من ناحيتها، أكدت مصادر بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “لرئيس المجلس النيابي دوراً كبيراً في المشاورات السياسية التي تسبق الاستشارات النيابية” من دون أن تستبعد امتداد فترة انتظار الدعوة إلى الاستشارات “أسبوعاً إضافياً”، مشددةً على أنّ “الأمور أصبحت معقدة ومتشابكة أكثر من ذي قبل لأن لبنان اليوم لا يشكل حكومته وحده، بل الخارج أيضاً دخل بقوة على الخط الحكومي، سواءً الخارج الذي يعبّر بصوت عالٍ عن موقفه كفرنسا أو الذي يعبّر بصمت مؤثر عن موقفه كالمملكة العربية السعودية”.