تتواصل المؤشرات لحراك سياسي في المنطقة، مع تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن اتفاقاً مع إيران سيوقع بعد شهر على انتخابه لولاية ثانية، وإعلانه أمام رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي أنه عازم على سحب قواته من العراق وسورية في أسرع وقت ممكن، بينما قال الكاظمي إن الانسحاب سيتم خلال ثلاث سنوات، وبقي الكلام الأميركي التصعيدي ضد إيران حاضراً مع المسعى الأميركي لإعادة العقوبات الأممية على إيران بذريعة إخلال إيران بالتزاماتها مع معارضة اوروبية روسية صينية، تشبه المعارضة التي واجهت الطلب الأميركي بتجديد حظر السلاح على إيران، ما يعني وفقاً لمصادر تتابع عن قرب العلاقات الأميركية الإيرانية التي تشكل قلب المشهد الإقليمي، أن الحراك قائم ولكن النتائج لم تتبلور نحو تفاهمات، وأن التفاوض غير المباشر يجري على قواعد ربط نزاع أكثر مما هو سياق تسوية، وعنوان ربط النزاع المفترض وفقاً للمصادر هو تخفيض منوسب التوتر على خطوط التماس، سواء عبر الانسحاب الأميركي من العراق وسورية، أو عبر ترسيم الحدود اللبنانية الجنوبية بطريقة تراعي شروط لبنان، مقابل تعويض كيان الاحتلال بالتطبيع مع الخليج، ونقل الصراع الاقتصادي حول دور المرافئ والمصارف وشركات صناعة التقنيات الحديثة في الكيان على مستوى المنطقة إلى الواجهة.
في هذا السياق تصف المصادر المبادرة الفرنسية نحو لبنان بصفتها الترجمة لنسخة ربط النزاع، التي لن تكون بلورة شروطها سهلة، ولا تحمل حلولاً بل مسكنات للأوجاع، دون علاج الأزمات. وهذا ما يفسر الارتباك في توصيف الحكومة الجديدة في البيانات والمواقف الفرنسيّة والأميركيّة، والتسريبات المتناقضة حول اسم مفضل في باريس وواشنطن لترؤس هذه الحكومة، وليس بعيداً عنها مسار ترسيم الحدود الذي ينتظر زيارة معاون وزير الخارجية الأميركيّة ديفيد شينكر لمعرفة حدود التقدم المحقق لجهة الاقتراب من الرؤيا اللبنانية.
لبنانياً، تتشابك المشكلات وتتفاقم، فتحدّي تفشي وباء كورونا أمام اختبار الإقفال لأسبوعين، وفقاً لقرار حكومة تصريف الأعمال، وهذا التحدي وفقاً لوزير الصحة حمد حسن هو الفرصة الأخيرة للسيطرة على التفشي الذي يهدّد ببلوغ عدد الألف إصابة يومياً والخروج عن السيطرة، في ظل أزمة تعانيها المستشفيات لجهة توفير الدولار اللازم لاستيراد الأدوية والمعدات الطبية اللازمة، ما دفع بوزير الصحة إلى ربط حاجات المستشفيات الخاصة بتمويل البنك الدولي الذي لا يزال قيد الإنجاز، بينما التفلّت الأمني الذي أدى في إشكال في بلدة لوبية الجنوبية بين مناصري حركة أمل وحزب الله إلى سقوط قتيل، كانت نتيجته في وجه أشد قسوة إصابتين حرجتين إحداهما للرياضي محمد عطوي بسبب إطلاق الرصاص من مناصري القوات اللبنانية، وفقاً للترجيحات الأمنية، في جنازة المسعف جوزف بوصعب في عين الرمانة، وفي هموم تصريف الأعمال برز إلى الواجهة الغموض في كيفية مساهمة الدولة في أعمال الترميم والإعمار رغم اقتراب فصل الشتاء، في ظل عدم اعتماد دولار مدعوم لاستيراد المواد الضروروية في الترميم وخصوصاً الزجاج والألمنيوم.
الأبرز داخلياً في مقاربة الملف الحكومي كان الاجتماع الذي عقد في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بحضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري وضم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، إضافة للمعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل، ووصفت مصادر تابعت الاجتماع أنه خطوة أولى في مسيرة صعبة نحو بلورة مقاربة موحدة لا بدّ منها للملف الحكومي، حيث تم فتح النقاش الجدي، وطرحت كل الأمور فوق الطاولة، وبقدر ما كان التقارب في النظر للمطلوب من الحكومة الجديدة، كان التباعد في تقييم فرضية إسناد رئاسة الحكومة إلى الرئيس السابق سعد الحريري، الذي يتبناه كخيار رئيس المجلس ولا يمانعه حزب الله، بينما لا يزال التيار الوطني الحر يفضل حكومة اختصاصيين يمثلون الكتل النيابية يترأسهم اختصاصي يسمّيه الحريري، ولاحظت المصادر عدم وضع التيار لفيتو نهائي على الحريري، وترك الباب مفتوحاً لجولات قريبة من التشاور، فيما أشارت المصادر إلى أن مساعي الرئيس بري ستتواصل على جبهة بعبدا بيت الوسط، حيث آثار القطيعة وظروفها، خصوصاً رفض الرئيس الحريري المشاركة في الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، واللغة القاسية التي تحدث بها عن رئيس الجمهورية، قد تركت بصماتها على مقاربة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر لعودة الحريري.
وتكثّفت الاتصالات واللقاءات على صعيد تأليف حكومة جديدة، وسط مساعٍ حثيثة يبذلها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لمحاولة إحداث خرق في جدار الأزمة السياسية والحكومية قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي امانويل ماكرون أوائل الشهر المقبل.
وفي سياق ذلك، وفي إطار التنسيق بين قوى الأكثرية النيابية عُقد في عين التينة أمس، لقاء ضم الرئيس بري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل والنائب علي حسن خليل. واستمر اللقاء ساعتين ونصف وتخلله غداء.
ولفتت المعلومات الى أن «العناوين الإصلاحية التي طرحت خلال لقاء عين التينة لم تكن محط خلاف بين المجتمعين لا بل كانت محط اتفاق إلا أن التفاصيل الأساسية في عملية تأليف الحكومة لا تزال محط اختلاف بين الفرقاء السياسيين أهمها اسم رئيس الحكومة وشكلها».
واشارت المعلومات الى أن «ثنائي امل وحزب الله أظهرا خلال اللقاء رغبتهما بعودة الرئيس سعد الحريري للحاجة إليه في هذه المرحلة لما يشكل من عامل وفاق وطني وشبكة أمان عربية ودولية، لكن النائب باسيل يفضل تسويق اسمي القاضي أيمن عويدات والقاضي حاتم ماضي لرئاسة الحكومة رافضاً حكومة يترأسها الحريري. إلا أن المكتب الإعلامي لباسيل نفى نفياً قاطعاً ما تم تداوله عن اقتراحه اسمي قاضيين لتولي رئاسة الحكومة.
وأكد المكتب الإعلامي في بيان أن “باسيل لم يقترح أي اسم”.
نفي باسيل تلاقى مع أوساط عين التينة التي أشارت لـ”البناء” إلى “أن اللقاء لم يدخل في أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة”، ورأت الأوساط أن “نفي باسيل الاخبار عن رفضه لخيار الحريري، إشارة ايجابية”، مشيرة الى مرونة أبداها باسيل بالانفتاح على كافة الخيارات وعدم إغلاقه الباب على أي حل، لكن أي خيار لم يتبلور حتى الآن”.
وأضافت الأوساط أن “لقاء الأمس كان ايجابياً وعبد الطريق أمام انطلاق مشاورات جدّية لتكليف رئيس جديد للحكومة”، ولفتت الى أن “المجتمعين وضعوا العناوين العريضة للمرحلة المقبلة وما يحتاجه البلد في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها لبنان وعلى أساسها يتم تحديد شخصية الرئيس الجديد وشكل الحكومة المقبلة”. وشدّدت على اتفاق الجميع على ضرورة حصول خرق جدي قبيل الأول من شهر أيلول المقبل أي موعد زيارة الرئيس الفرنسي الى لبنان”.
ومن المتوقع أن يضع النائب باسيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في أجواء لقاء عين التينة. وعلمت “البناء” أن “الرئيس عون لن يدعو الى الاستشارات النيابية الملزمة في بعبدا قبل تأمين شبه توافق سياسي على المرحلة المقبلة والرئيس الجديد وشكل الحكومة المقبلة وبرنامج عملها، لأن المشاورات تسهل الاستشارات التي يجب ألا تطول كثيراً وإلا ندخل في دوامة جديدة بحيث يصبح هناك رئيسان للحكومة واحد مكلف وآخر تصريف أعمال”. ومن المتوقع أن يكثف الرئيس بري مشاوراته ولقاءاته خلال الأيام القليلة المقبلة من المرجح أن يلتقي الرئيس الحريري.
وفيما ترفض مصادر بيت الوسط إعلان أي موقف من الملف الحكومي، لوحظ توقف الحريري عن عقد اي لقاء صحافي في بيت الوسط كما جرت العادة كل أسبوع ما يعكس حرصاً من الحريري على نجاح المساعي التي تبذل بهدف تعبيد الطريق لعودته الى رئاسة الحكومة ما يؤكد موافقته على العودة بعكس ما كان يعلن هو ونواب كتلته ومسؤولو التيار بأنه لا يفكر بالترشح مجدداً. وبحسب المعلومات فإن الفيتو السعودي لم يرفع عن تكليف الحريري الى جانب تباين أميركي فرنسي حول جدوى قيادة الحريري للمرحلة المقبلة ومدى نجاحه في تنفيذ الشروط الدولية السياسية والمالية والاقتصادية فضلاً عن المعارضة الشديدة التي يبديها فريق الحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية لترؤس الحريري الحكومة الجديدة، فيما لم يحسم موقف التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية حتى الساعة.
وأشار مسؤول جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية شارل جبور لـ”البناء” الى أن “الأولية بالنسبة للقوات هي انتخابات نيابية مبكرة وأي حكومة لن تتمكن من تحقيق مطالب المواطنين وفي ظل تحكم الأكثرية الحاكمة وإمساكها بمفاصل السلطة فلا جدوى لها، أما في حال الذهاب الى أي حكومة يجب أن تكون حكومة انتقالية تحضر للانتخابات النيابية المبكرة ويجب أن تكون حيادية ومستقلة واختصاصية وأن تتعهد في بيانها الوزاري بالأمور التالية: اولاً تقصير ولاية مجلس النواب، ثانياً لجنة تحقيق دولية بجريمة المرفأ، ثالثاً الحياد، ورابعاً الاصلاحات التي تبدأ بالكهرباء وهوية وزير الطاقة المقبل وإقفال المعابر غير الشرعية، لذلك فالمسألة ليست مسألة تكليف وتأليف، ولا نريد تكرار تجربة حكومة الرئيس حسان دياب”.
واضاف جبور ان “قوى الاكثرية النيابية اعتبرت ان مطالبتنا بإسقاط مجلس النواب وانتخابات مبكرة هو مؤامرة، وبالتالي لا نعرف الى اي حد سيسمحون لرئيس الحكومة العتيدة الذهاب بهذا الاتجاه، ولكن لن ندخل في الأسماء بل سنناقش البرنامج ثم نناقش الأسماء، لأننا في أزمة كبيرة والبلد منكوب ولا يمكن التعاطي مع مسألة الحكومة بظروف طبيعية”.
وأشار النائب باسيل إلى أن محاولة الانقلاب السياسي على العهد أُحبطت، وقال: “الانقلاب السياسي الذي كان يحضَّر لإحداث فراغ في المؤسسات أحبط”. ورأى باسيل في حديثٍ لـ”الميادين” أن “خنق لبنان من الخارج أدّى إلى انهيار نظامه الاقتصادي”، وأضاف: “خلافنا مع باقي الأفرقاء لأننا من خارج المنظومة السياسية برمتِها”.
في غضون ذلك، تابع المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان، تحقيقاته في انفجار المرفأ وأصدر مذكرتي توقيف وجاهيتين، الأولى في حق رئيس مصلحة المرفأ والمدير الإقليمي فيه بالإنابة حنا فارس الذي يعتبر الرئيس المباشر لرئيس دائرة المانيفست الموقوف في القضية نعمة البراكس. والثانية في حق المهندسة نايلة الحاج المسؤولة عن الشركة المتعهّدة لأعمال صيانة العنبر الرقم 12 من ضمن الفريق الذي قام بالصيانة على مدى ثلاثة أيام وليس فقط يوم وقوع الانفجار في الرابع من آب.
وبلغ عدد المشتبه بهم والذين ادعت عليهم النيابة العامة حتى الآن 25 من بينهم 19 موقوفاً.
على صعيد آخر، وأثناء تشييع القوات اللبنانية احد ضحايا المرفأ قام عدد من مناصريها بإطلاق النار في الهواء ما أدى الى اصابة لاعب الأنصار محمد عطوي في رأسه وهو بحالة حرجة، وجرح مواطن آخر يدعى أديب مشيك.
وقد أظهرت الكاميرا قيام عناصر مسلحة في موكب التشييع بإطلاق النار عشوائياً وباتجاه محدد وليس في الهواء. ما يثير تساؤلات اذا ما كان عملاً مقصوداً ما يشكل اخباراً يستدعي الاجهزة الامنية والقضائية للتحرك فوراً لإجراء التحقيقات في الحادثة وإلقاء القبض على المتورطين ودون أي حماية سياسية لهم.
ودخلت البلاد بدءاً من السادسة من مساء أمس مرحلة تعبئة عامة جديدة تستمر أسبوعين بعد التفلت المخيف لعداد الإصابات بفيروس كورونا. الا ان نسب الالتزام تفاوتت بين منطقة وأخرى، مسجلة خروقات لافتة.
وأعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أنّ سيتم التشهير إعلاميًا بالمخالفين وبكل من لا يلتزم بالحجر المنزلي، مشيرًا إلى أنّ أطباء الأقضية والمحافظات سيحضّرون تقريرًا يوميًا عن مدى التزام المناطق بالتعبئة العامة لمتابعة المعطيات الميدانية والتصرف على أساسها. وقال بعد اجتماع خلية الأزمة: “اتفقنا مع البنك الدولي لدفع الفواتير العلاجية التي تقدّم للمرضى ولدينا متابعة للمستشفيات الحكومية لرفع عدد الأسرّة”.
وفي ما يخصّ اللقاح، قال: “نعمل على تأمين الهبات ونزيد عدد المختبرات التي تقوم بفحوصات الـPCR ونحن كوزارة في جهوزية تامة”. وشدّد حسن على أنّ المعركة لم تنته وما زلنا في الميدان وتجب إعادة حملات التوعية عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي”.