لعبٌ بالنار على جبهة الجنوب والدولة مجرد شاهد عيان لا تملك قراراً بإشعال الجبهة ولا بإطفائها، فإن اشتعلت فجأة كما جرى ليل الثلاثاء – الأربعاء تكتفي بأخذ العلم بواقعة الاشتعال من دون أن تعي ماذا حصل ولماذا حصل، وفهمها للحدث لا يتعدى حدود ما فهمه عموم اللبنانيين أمس من أنّ “ما جرى في جنوب لبنان كان أمراً مهماً وحساساً” بالنسبة للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، و”بالغ الخطورة” بالنسبة لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. أما على جبهة الداخل، فالسلطة تضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه تحدي سطوتها وتهديد مصالحها وتقويض محاصصات أركانها، وتستمر بالتحكم بالبلاد والعباد “عن بُعد” دون أن يتجرأ أي رئيس أو مسؤول فيها على النزول إلى الشارع والالتحام مع الناس لتفقد أضرارهم، كما فعل البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أمس، في مشهد بدا معه فعلاً لا قولاً “بيّ الكل” في المناطق المسيحية المنكوبة يعبّر عن وجدان أهلها دون أن يخشى لومة حاكم أو نقمة ناقم على إعلاء صوته في المطالب السيادية الوطنية الإنقاذية، سواءً في انتقاده تعاطي المسؤولين مع انفجار 4 آب وكأنه “حادث سير”، أو في إعادة توكيده على وجوب تكريس مفهوم الحياد و”لمّ السلاح” وإنهاء حكم “الدويلات ضمن الدولة” رداً على من اتهموه بالعمالة، أو في إشارته إلى أنّ أولياء الأمر لا يسلكون “طريق الدستور” ولا يحترمونه في تأليف الحكومة.
أما في قصر بعبدا، فلا يرى الرئيس ميشال عون آية دستورية توجب عليه الاستعجال في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتأليف الحكومة، وهو لا يزال يشترط ضمان ورقة التأليف في يُسراه قبل الإفراج عن ورقة التكليف من يُمناه. على أنه لوحظ أمس تقاطع مصادر القصر و”التيار الوطني الحر” عند محاولة إشراك رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالمسؤولية عن تأخير موعد الاستشارات باعتباره “تأخيراً متفقاً عليه بينه وبين عون”، الأمر الذي سارعت مصادر مطلعة على أجواء “عين التينة” إلى نفيه وتصويبه من زاوية التأكيد على أنّ الاتفاق كان على تقديم بري يد المساعدة في تسهيل المشاورات السياسية بعدما آثر رئيس الجمهورية رهن الدعوة إلى الاستشارات بحصول هذه المشاورات، مشددةً على أنّ رئيس المجلس ليس شريكاً في صلاحية الدعوة أو عدم الدعوة إلى الاستشارات النيابية إنما دوره اقتصر على بذل الجهود لتقريب وجهات النظر لكنه سرعان ما اصطدم باستمرار ذهنية “وضع العصي بالدواليب” التي أعادت الأمور إلى نقطة الصفر.
في المقابل، وإذ تؤكد مصادر مواكبة لمستجدات الملف الحكومي أنّ “سحب الرئيس سعد الحريري ورقة ترشيحه من بازار الابتزاز العوني أربك قوى 8 آذار وأعاد حشرها في الزاوية”، كشفت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ بري “مستاء جداً مما آلت إليه الأمور حكومياً ويبدي انزعاجاً شديداً من أداء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في المفاوضات الحكومية”، ونقلت في هذا المجال أنّ رئيس المجلس النيابي “يخشى من أن يؤدي تأخير تشكيل حكومة قادرة على الإنجاز، وعدم تسمية شخصية حكومية أهل لإدارة المرحلة، إلى تراجع الاهتمام الدولي بمساعدة لبنان، الأمر الذي سيطفئ آخر بصيص أمل بقيامة البلد ويقوده بخطى متسارعة نحو الانفجار الكبير اجتماعياً واقتصادياً ومالياً”.
المصادر التي أكدت أنّ “عون يسعى بعد إحراج الحريري وإخراجه من دائرة المرشحين إلى إعادة حشره مجدداً بمسألة تسمية رئيس مكلف يحظى بتغطيته”، كشفت في المقابل أنّ المعلومات المتوافرة تفيد بأنّ “الحريري لن يفصح عن إسم أي شخصية لرئاسة الحكومة وكتلته لن تسمي أي مرشح إلا في قاعة الاستشارات النيابية الملزمة”، مشيرةً إلى أنّ “ذلك زاد من إرباك قوى 8 آذار وسط استمرار محاولات جسّ النبض لإقناع الحريري بالعدول عن قرار العزوف عن الترشّح بغية تجنّب تكرار تجربة حسان دياب الفاشلة”.
وبالانتظار، يعتزم أهل السلطة تفعيل قنوات التواصل خلال الساعات المقبلة تمهيداً لإيجاد أرضية معقولة تتيح الدعوة إلى إجراء الاستشارات النيابية الأسبوع المقبل، في سبيل تجنّب “بهدلة” جديدة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى عودته إلى بيروت في الأول من أيلول.
ولفت انتباه مصادر اقتصادية “التهرب الفاضح” الذي تبديه السلطات اللبنانية إزاء إمكانية الاستعانة بالتدقيق المالي الفرنسي كما سبق وطرح ماكرون خلال زيارته الأخيرة على المسؤولين اللبنانيين، وتساءلت: “ما الجدوى من إصرار السلطة على توقيع عقد مع شركة “Alvarez & Marsal” وتكبيد الخزينة أعباء مالية إضافية بالعملة الصعبة إذا كانت فرنسا الدولة الناظمة لـ”سيدر” تبدي استعدادها لأخذ التدقيق المالي على عاتقها على سبيل المساعدة المجانية؟”، وأردفت: “كل ما في الموضوع أنّ المسؤولين اللبنانيين يتهربون من إجراء تدقيق أكثر مصداقية وأكثر شفافية يقوم به المصرف المركزي الفرنسي، ويفضلون إبرام عقد مدفوع الأجر مع شركة تجارية لضمان أن يكون مفصلاً على قياسهم ومفرّغاً من مضمونه حتى لا يفضح المستور في حسابات الدولة”.