فيما كان اللبنانيون ينتظرون أن يأتيهم الخبر من بعبدا بالإعلان عن الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة العتيدة، قفزت إلى الواجهة الاشتباكات التي اندلعت في منطقة خلدة وسقط فيها قتيلان، وعدد من الجرحى، على خلفية إشكال حصل من يومين على تعليق صورة ويافطة، الأمر الذي لا ينفصل عن سياق الأحداث الأمنية المتنقلة من منطقة إلى أخرى ويؤشر إلى عمق الأزمة الداخلية، وكأن هذا البلد الذي ما زال يلملم جراح انفجار الرابع من آب كان ينقصه المزيد.
هذا في وقتٍ يواصل فيه أهل الحل والربط، والمعنيّون بتشكيل الحكومة خلافهم على جنس الملائكة في جدلٍ بيزنطي لم يوصل بعد إلى أي بارقة أمل، لا بل عطّل كل مبادرات الحلول التي طُرحت.
وبينما بقيت حتى ساعات متأخرة من ليل أمس مساعي التهدئة المصحوبة بانتشارٍ كثيفٍ للجيش اللبناني للملمة تداعيات ما حصل في خلدة بما يحمل من أبعاد خطيرة، فإن المسار الحكومي معلّقٌ حتى الساعة، فيما أبلغت مصادر بعبدا “الأنباء” أن رئيس الجمهورية ميشال عون بصدد تحديد موعد للاستشارات إما يوم السبت، أو بداية الأسبوع المقبل اذا لم يطرأ ما يستدعي التأجيل إلى ما بعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى لبنان في الأول من أيلول.
المصادر أشارت إلى أن، “لا اتفاق حتى الساعة على اسم الشخصية التي ستُكلّف بتشكيل الحكومة بالرغم من المشاورات التي أجراها الرئيس عون مع القوى السياسية لحسم هذه المسألة قبل الاستشارات، ما يعني ان الرئيس المكلّف لن يُعلَن عنه قبل موعد الاستشارات المرتقب”.
وعلمت “الأنباء” من مصادر دار الفتوى أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يُجري اتصالاتٍ مكثّفة مع القيادات السنّية، ومع رؤساء الحكومات السابقين، والرئيس سعد الحريري، من أجل الاتفاق على شخصية سنّية تحظى بالدعم.
توازياً، نفت مصادر الرئيس الأسبق للحكومة تمام سلام أن يكون مرشحاً، وقالت إنه يرفض تشكيل أي حكومة في ظل هذا العهد. وكذلك نفت مصادر النائب فؤاد مخزومي أنه يرغب بتشكيل الحكومة على الرغم من التداول باسمه.
وذكرت معلومات من جهات سياسية أن بعض القوى تقترح على عون تأجيل البت بموضوع الحكومة إلى ما بعد زيارة ماكرون، فإما أن يقنع الحريري بالعدول عن قراره والقبول بالتكليف، أو أن يُطلب منه تسمية الشخصية التي يراها مناسبة لهذه المهمة.
لكن في المقابل، فإن مصادر “تيار المستقبل” أكّدت عبر “الأنباء” أن، “لا عودة للحريري عن قراره، وأن صداقته مع ماكرون لا تعني النزول عند رغبته. فالحريري، ومنذ استقالة حكومته الأخيرة، وضع شروطاً لعودته إلى السراي تتلخص بتشكيل حكومة حيادية، وإطلاق يده دون تدخل أحد بالتشكيلة، وعندها يرفعها إلى الرئيس عون ليوافق عليها ويصدر مراسيمها. إلّا أن الأخير لم يوافق على هذه الشروط، وهو ما قضى بالاعتذار. واليوم زاد الحريري على شروطه التغطية العربية والدولية، فالبلد منهار، وهناك كارثة جسيمة بعد انفجار المرفأ، وإذا لم يكن رئيس الحكومة يتمتع بصلاحيات استثنائية، فكيف يمكنه الشروع بالإصلاحات وإعادة الاعمار؟”
وأضافت مصادر “المستقبل”: “طالما العهد وفريقه يفكّران بطريقةٍ تقليدية لتشكيل الحكومة، فليكلّفا الشخص الذي يناسبهم، كما فَعَلا مع حسان دياب”.
مصادر عين التينة قالت من جهتها عبر “الأنباء” إن، “رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولو أنه لم يُخفِ انزعاجه من الطريقة المتّبعة بتشكيل الحكومة، وهي برأيه قد تجاوزت كل النصوص والأعراف، إلّا أنه ليس بوارد الاعتكاف وعدم المساهمة بإيجاد المخارج اللّازمة للتشكيل، وهو على طريقته ماضٍ في حلحلة العقد وإزالة المطبات، ولم يوقف محركاته في هذا الصدد، لكنه يعمل بصمت، وليس لديه فيتو على أحد، وما زال يصرّ على تسمية الحريري، لأن وضع البلد اليوم مختلف عن الماضي، والحريري هو رجل المرحلة، ويبدي خشيته من الإتيان بحكومة مشابهة لحكومة دياب تلقى المصير نفسه الذي لقيته تلك الحكومة، ما يعني إغراق البلد بمزيدٍ من الأزمات، فهل يتحمّل الشعب كل هذه المصائب والويلات؟”
بدوره، كشف عضو اللقاء الديمقراطي، النائب بلال عبدالله، في حديثٍ مع “الأنباء” أن اللقاء أعلن مسبقاً عدم حماسه للدخول في الحكومة، قائلاً: “كنّا ندعو للعمل على حكومة إصلاحية إنقاذية على الصُعد كافة توحي بالثقة للشارع اللبناني، وتعمل على الانفتاح الإيجابي باتّجاه الخارج. هذا أقلّه من وجهة نظرنا، لكن في المقلب الآخر ما زالت التوجهات ذاتها لم تحاكِ اللحظة السياسية، ولم تستجب إلى ما طالب به الرئيس الفرنسي، ولا لمطالب الناس. وما يجري من مشاورات قبل الاستشارات يدل على أن العقلية لم تتغير، فاليوم هم لديهم أكثرية في المجلس النيابي، ورأينا ماذا أنتجت هذه الأكثرية من خلال حكومة دياب”. وتابع عبدالله: “هم يريدون استنباط الطرق نفسها، والعقلية السياسية نفسها”.
وفي هذا السياق، طالبت مصادر القوات اللبنانية عبر “الأنباء” بتشكيل، “حكومة اختصاصيين حيادية، لا وجود فيها للمستشارين والموظفين المطواعين، كما كانوا في حكومة دياب، إنما حكومة من وزراء مشهود لهم بالنزاهة ونظافة الكف، وقادرين على اجتراح الحلول اللّازمة والولوج بالإصلاحات المطلوبة في إدارة الدولة، وفي وزارة الطاقة بشكل خاص”.