لا يُحسد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على وضعه. فرصيد باريس وهيبة رئيسها على المحك. يقبع سيد الاليزيه بين استحالتين: استحالة تجاوز الموقف الاميركي – السعودي المتشدد ازاء حزب الله وشروط المرحلة وموجبات تشكيل الحكومة، واستحالة رفض فريق السلطة الحاكم تقديم تنازلات جوهرية لتسهيل المهمة. ابان زيارته الاولى لبيروت، إعتقد ان هول الكارثة والمصائب التي حلت بلبنان لا بد الا ان تحمل هذا الفريق على تقديم ما يلزم من تسهيلات لتشكيل حكومة تلبي تطلعات المجتمع الدولي وآمال اللبنانيين المنتفضين، الا ان ما لم يدركه سيد الاليزيه انه يتعاطى مع طغمة حاكمة غير مستعدة لتقديم اي تنازل، ولو اضطرت الى هدم الهيكل على من فيه.
سيحاول ماكرون على الارجح الدفع في اتجاه طرح معين، وسط ترقب لما يتضمن، وسيسعى مع الرئيس سعد الحريري الى حمله على تسمية شخصية مقبولة من الجميع ، لا تأثير للعهد وحزب الله عليها، تتكفل بتشكيل حكومة لا يستفز وزراؤها الحزب لا سيما الشيعة منهم، كما بالنسبة لسائر فريق العهد. هي مهمة بالغة الصعوبة على الارجح، لكنها تستحق المغامرة. انها الفرصة الاخيرة قبل التسليم باستمرار تصريف الاعمال حتى اشعار آخر.
جمود وتحذير
فيما الجمود سمة المرحلة حكوميا، وسط غياب تام لاي اتصالات سياسية عشية وصول الرئيس ماكرون الى بيروت الثلاثاء المقبل، هزّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان العصا للمسؤولين اللبنانيين محاولا ايقاظهم من مماحكاتهم ومحاصصاتهم. فقد أكد أن لبنان يواجه خطر اختفاء الدولة بسبب تقاعس النخبة السياسية التي يتعين عليها تشكيل حكومة جديدة سريعًا لتنفيذ إصلاحات ضرورية للبلاد. وقال في حديث لإذاعة (آر.تي.إل): “لن يوقع المجتمع الدولي شيكًا على بياض إذا لم تنفذ السلطات الإصلاحات. عليهم تنفيذها سريعًا… لأن الخطر اليوم هو اختفاء لبنان”.
استشارات قريبا؟
وفي الشأن الحكومي، اشارت معطيات صحافية الى ان كل الاسماء مطروحة لرئاسة الحكومة، لافتة الى اتجاه لتحديد موعد الاستشارات السبت او الاثنين، اذا تم التوصل الى اتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة. واوضحت ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم يكمل في اتصالاته ولم تتوصل الى اي مكان حاليا.
باسيل – بوغدانوف
من جانبه، صدر عن المكتب الاعلامي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي تلقى اتصالا من نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اكد اهمية العمل على صون الاستقرار، بيان اوضح فيه ان الاجتماع الأخير مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تمحور على ضرورة الاسراع في تأليف حكومة فاعلة ومنتجة تلتزم برنامجا إصلاحيا محدد المعالم والاهداف دون ورود شروط وعراقيل في المباحثات.
مواقف رئاسية لافتة
ووسط اجواء المراوحة هذه، مواقف لافتة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فقد أكّد أنّ “الرسالة الفرنسيّة والدوليّة كانت واضحة “لا مساعدات من دون إصلاحات” ولا مشكلة لدينا مع هذا الأمر”. وردّاً على سؤال عمّا إذا كان سيوقف أحد أفراد عائلته إذا ثبُت تورّطه في الفساد، قال عون: “ما من أحدٍ من أفراد عائلتي متورّط في الفساد، وفي حال كانت هناك شكوك معاكسة سأتصرّف معهم كما أتصرّف مع الآخرين”.
نداء كندي
في الغضون، تواصلت النداءات الدولية للبنان للاصلاح والتغيير الحقيقيين. فقد أكّد وزير الخارجية الكندي فرانسوا فيليب شامباين أنّ كندا تقف إلى جانب لبنان. وقال بعد لقائه رئيس الجمهورية في بعبدا لتنسيق عمليات الإغاثة بعد الانفجار في مرفأ بيروت: “نريد أن نكون جزءاً من إعادة الإعمار بعد الانفجار”.كما أعلن شامبين بعد لقائه وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة أن “كندا قدّمت 30 مليون دولار للمساعدة بعد الانفجار في مرفا بيروت”. وتفقد الديبلوماسي الكندي مرفأ بيروت واطلع على الاضرار التي لحقت به من جراء الانفجار، كما سير العمليات الاغاثة في بيروت من منظمات حكومية وغير حكومية ودولية ومحلية من بينها الخيمة الكندية حيث تحدث الى عدد من المتطوعين. وزار ايضا مركز فوج اطفاء بيروت.
خفض العديد
الى ذلك، وغداة التصعيد على الحدود الجنوبية ليل الثلاثاء – الاربعاء، دعي مجلس الأمن الدولي الى التجديد لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان “اليونيفيل” لسنة واحدة مع خفض عدد الجنود من 15 ألفا إلى 13 ألف جندي والطلب من بيروت تسهيل الوصول إلى أنفاق تعبر الخط الأزرق الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، وذلك في جلسة يعقدها اليوم الجمعة. وينص مشروع القرار الذي اطّلعت عليه وكالة “فرانس برس” على أن “إقرارًا منه بأنّ اليونيفل طبّقت ولايتها بنجاح منذ العام 2006، ما أتاح لها صون السلام والأمن منذ ذلك الحين” فإن المجلس “يقرر خفض الحد الأقصى للأفراد من 15 ألف جندي إلى 13 ألفاً”. في الواقع، لن يغيّر هذا القرار كثيرا، كما قال ديبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه، لأن عديد جنود حفظ السلام التابعين لليونيفيل يبلغ حاليا عشرة آلاف و500 جندي. ويدعو النص الذي صاغته فرنسا، “الحكومة اللبنانية إلى تسهيل الوصول السريع والكامل لـ”اليونيفيل” إلى المواقع التي تريد القوة التحقيق فيها بما في ذلك كل الأمكنة الواقعة شمال الخط الأزرق المتصلة باكتشاف أنفاق” تسمح بعمليات توغل. وقال ديبلوماسيون إن الولايات المتحدة، أصرت خلال المشاورات على خفض عديد “اليونيفيل” وانتقدت في الوقت نفسه “عدم تحركها في مواجهة حزب الله الذي يتمتع بوجود قوي في جنوب لبنان”.