حدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 3 أشهر للتغيير الحقيقي في لبنان، ملوّحاً بالتشدد والعقوبات وحجب المساعدات في حال لم تقدم الحكومة العتيدة على الإصلاحات المطلوبة، وهو يسعى لحكومة غير تقليدية تكون قادرة على مواجهة الأزمة الاستثنائية من خلال تشكيلة تضمّ اختصاصيين وأصحاب خبرات وأسماء سِيَرهم الذاتية ناصعة، وذلك بعيداً عن المحاصصة المعهودة، ولكن هل سيتمكن من ذلك؟
والإجابة طبعاً رهن الأيام المقبلة خصوصاً في ظل الحديث عن تشكيل سريع للحكومة، يشكّل بدوره مطلباً فرنسياً إلى جانب كونه حاجة لبنانية لمواجهة تحديات المرحلة الحالية، وبالتالي فإنّ استشارات التأليف التي ستبدأ اليوم ستُظهر مدى قدرة الرئيس المكلف مصطفى أديب على تأليف حكومة من دون تدخُّل القوى السياسية وتأثيرها على مجريات التأليف، خصوصاً انّ هذه القوى اعتادت على حجز مقاعدها وحقائبها التي حوّلتها حقاً مكتسباً وموروثاً.
ومن الواضح حتى اللحظة انّ الرئيس الفرنسي، الذي كان نجم المشهد السياسي أمس بتنقلاته ولقاءاته ومواقفه، لا يريد لمهمته اللبنانية أن تفشل، ويستخدم الجزرة والعصا في آن معاً، فيُبدي كل تفهّم وتعاون وإيجابية من جهة، ويحذِّر من مغبة التمييع والإصرار على النهج القديم من جهة أخرى، ملوّحاً بسحب يده ومبادرته ووساطته وترك لبنان لمصيره في حال لم تتعاون القوى السياسية على إخراج لبنان من ورطته.
ولا شك انّ لبنان دخل في مرحلة جديدة مع تكليف مصطفى أديب الذي يتوقف عليه اختيار فريق العمل القادر على نقل البلد من مرحلة إلى أخرى، مُتكئاً على الرئيس الفرنسي، الذي أعلن عن زيارة جديدة في كانون الأول المقبل، لتذليل العقبات التي تواجهه، وهذا ما يميِّز حكومته عن حكومة الرئيس حسان دياب الذي اختاره فريق واحد فرضَ عليه شروطه في التأليف والممارسة، فيما يحظى أديب بدعم فرنسي استثنائي وحاضنة سياسية تستطيع مساعدته في تعطيل محاولات وضعه أمام سياسة الأمر الواقع.
ولكن يبقى انّ الأمور تُقاس بنتائجها، والتجربة قياساً على الواقع مريرة جداً، والشياطين تكمن في التفاصيل. ولذلك، يستحسن الامتناع عن التفاؤل الأعمى والتشاؤم المفرط، ومواكبة مسار التأليف الذي يبدأ اليوم مع استشارات التأليف.
وكان ماكرون قد أنهى نهاره اللبناني الطويل بلقاء مع رؤساء الكتل النيابية والاحزاب السياسية في قصر الصنوبر، وأوجز خلال مؤتمر صحافي نتائج محادثاته، فأكد «أننا لن نغضّ الطرف عن ضرورة تقديم الدعم للشعب». وقال: «بحثنا في أجندة الإصلاح، وعلى اللبنانيين والمسؤولين أن يأخذوا عبرة من المأساة التي وقعت في بيروت، وأنا لم آت لأجلب إنذاراً إنما عدت لمساعدة لبنان ومرافقته إلى مستقبله». وأوضح أنّ «القوى السياسية أكدت أنّ تشكيل الحكومة لن يتجاوز 15 يوماً، وتم الالتزام بخريطة طريق تتضمن الإصلاحات في القطاعين الكهربائي والمصرفي والتدقيق الحسابي في مصرف لبنان المركزي ومكافحة التهريب، وحصلنا على مواقفة الجميع، وخريطة الطريق هذه ستحملها الحكومة الجديدة».
وقال: «اجتمعتُ بالرئيس المكلّف، وتبيّن أنه على الصعيد السياسي يتمتع بدعم كبير، وأنّ سيرته الذاتية تُظهر مهنية واعدة». وأوضح أنه «إذا لم تَف السلطات اللبنانية بوعودها فلن يفرج المجتمع الدولي عن المساعدات المالية، ولن نقدم للبنان شيكاً على بياض».
وعن لقائه برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد قال: «تعهّد (رعد) بالإصلاحات وعارض الانتخابات المبكرة، وقلت له بوضوح انّ هناك اختلافاً في الوجود العسكري وهذا لن يكون ضمن الإصلاحات في الأشهر الثلاثة المقبلة، لكن سيأتي في وقت لاحق». وتابع: «لستُ هنا لأملي أي شيء على أيّ فريق، وأقول إنّ الإصلاحات مطلوبة خلال فترة 4 أشهر، والرئيس المكلّف تعهّد بتوزير أشخاص كفوئين ويجب أن نثق بخريطة الطريق، فهناك موعد محدّد في النصف الأول من تشرين الأول، وسأعود في كانون الأول».
ورداً على سؤال، قال ماكرون: «حزب الله» السياسي انتخب من الناس، وأستطيع القول انه يجب تسليم سلاح «حزب الله» وأعود الى بلدي، لكن كيف نخرج من هذا الوضع من دون الاحتكام الى النقاش؟ وقد أثرتُ هذا الموضوع اليوم».
وكان ماكرون قال لموقع «بوليتيكو» الأميركي في الطائرة التي أقلّته إلى بيروت: «لا تطلبوا من فرنسا أن تشنّ حرباً على قوة سياسية لبنانية»، قاصداً «حزب الله»، معتبراً أنّ ذلك «سيكون عبثياً ومجنوناً». واعتبر أنّ مساعيه في لبنان هي «الفرصة الأخيرة لهذا النظام». وقال: «أضع الشيء الوحيد الذي أملكه على الطاولة وهو رأسمالي السياسي».
بين ماكرون وعون وبري
الى ذلك، لم تخرج المعلومات التي تسربت من لقاء القمة اللبنانية – الفرنسية بما هو غير مألوف، فقد تنوّعت الملفات التي عرضت في الخلوة التي ضمّت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وماكرون، وبقيت في العموميات بعدما استعرضا مختلف أوجه التعاون الممكنة بين البلدين ووجوه الدعم الفرنسي المتمثّلة بما يتصل بنتائج انفجار المرفأ وبرامج الإغاثة، كما المساعدات الطبية في مواجهة جائحة كورونا وتلك الناجمة عن انفجار المرفا.
وعلمت «الجمهورية» انّ أجواء اللقاء الثنائي بين عون وماكرون كانت جيدة جداً، بدأه عون بشكر نظيره الفرنسي على المساهمة الفرنسية في تنظيف المرفأ والمساعدات العينية التي قدمتها الى مختلف الجهات المختصة، كذلك مساعدة فرنسا في التحقيقات في انفجار المرفأ. وقد أخذ الشق السياسي الحيّز الأكبر من النقاش، حيث وضعه عون في أجواء تشكيل الحكومة بعد تكليف مصطفى اديب، واكد له انّ مدة التشكيل لن تستغرق وقتاً طويلاً، والهدف هو تشكيل حكومة قادرة على مواجهة التحديات في المرحلة المقبلة مع تَمنّيه من كافة القيادات السياسية التجاوب بمسار تشكيل الحكومة لضمان ثقة المجتمع الدولي، خصوصاً انه سيكون من أبرز مسؤولياته ومهماته إقرار الاصلاحات ومكافحة الفساد وتصحيح الخلل في القطاع المصرفي».
ورد ماكرون على عون قائلاً: «كن على ثقة انّ فرنسا ستبقى الى جانب لبنان ولن تترك اللبنانيين في هذا الظرف الصعب، وهذا هو الخيار الدائم وسيبقى كذلك، واذا اقتضى الأمر ان ازور لبنان مرة اخرى للمساهمة فأنا جاهز وبلادي جاهزة للمساعدة في تحقيق خطط النهوض المطلوبة ضمن الاصلاحات في كافة المجالات، والتي سبق ان تحددت». وشدد على المساعدة في إزالة آثار الانفجار، مؤكداً انها مستمرة حتى إنجاز الفرق المعنية مهمتها بالتعاون مع الجيش اللبناني.
وتمّ التطرق الى المجال التربوي، حيث تحدث ماكرون عن الخطة لمساعدة المدارس والتخفيف من معاناة الطلاب، وخصوصاً الصغار منهم.
وفي ما يتعلق بطرح «الدولة المدنية»، قال ماكرون «انّ هذا الطرح هو عامل مهم يساهم في الحدّ من المناكفات التي تحصل دائماً بين القوى السياسية في لبنان عند طرح اي ملف للمعالجة». واضاف: «انّ فرنسا تدعم الخيارات التي يلتقي عليها اللبنانيون». وتحدث ايضاً عن «الدور الانساني الذي لعبه الفرنسيون، خصوصاً المهمة التي جاءت من اجلها «لو تونير» الى لبنان.
وبعدما انضَمّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الى اللقاء، أعلن ماكرون عن نية فرنسا عقد مؤتمر اقتصادي يخصّص لدعم لبنان تشارك فيه دول عربية واجنبية، وهو يندرج ضمن خطة النهوض الاقتصادي وسيكون مكمّلاً لمؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس، خصوصاً انّ دولاً عدة شاركت فيه وتشارك فرنسا بهذه المهمة، وقد انعكس هذا الاهتمام في مؤتمر المساعدة الذي عقده ماكرون في باريس في 9 آب. وقال ماكرون: «انّ موعد هذا المؤتمر سيحدد في اواخر تشرين الثاني او بداية كانون الاول، أما المكان فيحدد لاحقاً». واكد انه «جاهز للتدخّل عند الضرورة للمساهمة بإزالة العقبات امام اي حل سياسي في لبنان بين القوى السياسية، من دون ان يعني ذلك تدخلاً بالشؤون اللبنانية»، مكرراً اكثر من مرة الحديث عن الاصلاحات. وخاطب عون قائلاً: «يمكنك الاتكال على فرنسا، لبنان سيتعافى لأنه مميز ويجب ان نحافظ على خصوصيته، وهذا لسان المجتمع الدولي كله وشركائنا وشركاء فرنسا».
وطلب ماكرون من بري ان يكون هناك دور فعّال للمجلس النيابي في المرحلة المقبلة، خصوصاً لجهة إعداد قوانين للاصلاحات عند الانتقال من مرحلة الى اخرى، فأكد له بري «انّ المجلس مُستنفر لكل ما يرسل اليه من الحكومة بما خَصّ الاصلاحات، وهو سيتعاون الى أقصى الحدود من اجل الاسراع بها».
وأطلق ماكرون خلال الغداء مواقف بارزة، خصوصاً ما يتعلّق بتشكيل «حكومة بمهمة محددة في أسرع وقت»، داعياً الى منح الرئيس المكلف «كل وسائل النجاح»، بعد أن أكد أنه «لا يعود لي أن أوافق عليه أو أن أبارك اختياره».
إلّا أنه اعتبر أنّ تسميته السريعة بعد 3 أسابيع من استقالة حكومة حسان دياب، بدلاً من «6 أشهر»، هي «إشارة أولى» الى «تغيير أكثر سرعة» ربطه بالضغط القائم على الطبقة السياسية.
وقال ماكرون، لموقع «بروت» الفرنسي من مرفأ بيروت الذي تفقده ظهراً، إنه «سيضع ثقله» ليتمكن أديب، الذي التقاه ليل الإثنين ومجدداً في غداء بعبدا امس، من تشكيل حكومة سريعاً قادرة على «إطلاق إصلاحات» بنيوية..
وغرّد ماكرون لاحقاً: «سيتمكّن لبنان من التعافي من الأزمة التي يمرّ بها».
إستشارات التأليف
في غضون ذلك وفيما غادر ماكرون لبنان، ينطلق الرئيس المكلف تأليف الحكومة مصطفى أديب اليوم في استشاراته لتأليف حكومته بدءاً بالكتل النيابية. ونقل عنه قوله، أمام بعض مَن التقاهم، انه يأمل في تشكيل حكومة تشبهه، مؤكداً السعي الى ان تضمّ اختصاصيين أكفياء، على قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب.
وشدد أديب على أن لا طموحات سياسية شخصية لديه، وانه لا يريد أن يصبح زعيماً او نائباً، مشيراً الى انّ همّه الوحيد هو ان يساهم مع وزراء حكومته والمخلصين في تحقيق الإنقاذ، ولا شيء آخر.
وأوضح أديب، وفق ما نُقل عنه، انّ من بين الامور التي تشغل باله منذ الآن احتمال ان يتم قريباً وقف الدعم لبعض السلع الحيوية التي يغطيها مصرف لبنان على اساس سعر الدولار 1515 ليرة.
شينكر
على صعيد آخر يصل الى بيروت مساء اليوم مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى ديفيد شينكر، في زيارة تستمر حتى السبت المقبل.
وفي معلومات «الجمهورية» انّ شينكر خصّص يوم غد للقاء المسؤولين الرسميين، وبعد غد للمسؤولين الحزبيين الذين سيجول عليهم في منازلهم ومقارهم الحزبية.
وعلى المستوى الرسمي سيستهلّ شينكر جولته بزيارة صباحية لعون غداً، ثم يزور بري، ولم يعرف ما اذا كان برنامجه يشمل رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب او الرئيس المكلف اديب الذي يكون قد أنهى استشاراته النيابية اليوم في عين التينة، لتعذّر استخدام اي من صالونات مجلس النواب المتضررة في ساحة النجمة.
كونتي
وفي اطار الحراك الاوروبي في اتجاه بيروت، يصل رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الى بيروت في 8 ايلول الجاري في زيارة رسمية تستمر يومين، يلتقي خلالها رئيس الجمهورية والمسؤولين اللبنانيين الكبار قبل ان يتفقد القوات الإيطالية العاملة في اطار قوات «اليونيفيل» في الجنوب، والتي تتولى ايطاليا قيادتها. كذلك سيتفقد مرفأ بيروت حيث رَست احدى البواخر الإيطالية ناقلة مساعدات ضخمة ومتطورة لإطفائية بيروت، واخرى طبية واستشفائية وادوية ومساعدات غذائية مختلفة.
وتأتي زيارة كونتي للبنان بعد اقل من اسبوعين على زيارة وزير الدفاع الإيطالي لورينزو جويريني الذي التقى المسؤولين الكبار وأشرفَ على برامج الدعم الإيطالية العاجلة للشعب اللبناني، بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب.
وفي المواقف الدولية أكد الاتحاد الأوروبي أنه ينظر بإيجابية لتسمية مصطفى أديب لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة، واصفاً الأمر بـ»الخطوة الإيجابية».
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية بيتر ستانو إنّ «تمثيل الحكومة اللبنانية المقبلة كل أطياف الشعب وأن تشرع في إجراء الإصلاحات المطلوبة، سيفتحان الباب أمام ضَخ المساعدات الدولية الموعودة للبلاد».
وغرّد المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش عبر حسابه على «تويتر»، كاتباً: «بعد مرور 100 عام على إنشائه، عاش لبنان خلالها تاريخاً غنياً ومضطرباً، متشابكاً بشكل قاتل مع تاريخ المنطقة الأوسع، وحقق كثيراً من الإنجازات المذهلة ولكن أيضاً مع خيبات أمل وأزمات عميقة. ومع ذلك فهو لا يزال يبرز بنسيجه الاجتماعي الفريد من نوعه كنموذج للتعايش والثقافة وللشعب المنفتح والصامد على رغم من أزمته الوجودية الحالية، ليس لبنان هو من فشل، بل الطبقة السياسية هي التي استمرت في خذلان البلاد وشعبها».
الراعي ومئوية لبنان
من جهة ثانية شدد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في احتفال بمناسبة ذكرى مئوية لبنان الكبير في الديمان، على أنّ «أهمية لبنان بتعدديته ورسالته يجب ان يحافظ عليها، ولبنان وطن للجميع ولقد تمّكن من ان يكون سويسرا الشرق بفضل حياده وصداقاته وانفتاحه على الشرق والغرب». وشدد على أنّ «لبنان تألم آلاماً كبيرة، وكان البطريرك الحويك خلاص الآلام الكبير، وهذا الوطن بقي صامداً وقوياً بشعبه». وقال: «هذا المخاض الذي نعيشه اليوم سيولد منه لبنان الجديد، لا تخافوا، الانسان الذي لا يختبر الصعوبة يبقى صغيراً ولا ينضج، ولننضج أكثر بولائنا للبنان وثقتنا ببعضنا البعض».
واعتبر أنّ «البطاركة لم يطلبوا يوماً شيئاً لأنفسهم انما طلبوا كل شيء للبنان، لم يناضلوا من اجل الموارنة إنما أرادوا الموارنة لأجل لبنان».
ورحّب بزيارة ماكرون للبنان، مشدداً على أنّ «علاقة فرنسا مع لبنان كانت علاقة فرنسا مع الموارنة، والموارنة حولوها لتصبح مع لبنان».
التدقيق الجنائي
من جهة ثانية، وقّع وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، إنفاذاً لقرار مجلس الوزراء تاريخ 28/7/2020، ثلاثة عقود تتعلّق بالتدقيق الجنائي مع شركة Alvarez& Marsal والتدقيق المالي والحسابي مع شركتي Oliver Wyman و KPMG.