غاب ماكرون “إلعب يا فار”… هكذا بدا المشهد خلال الساعات الأخيرة بعدما عادت بوادر العرقلة تلوح في الأفق الحكومي وروائح المحاصصة تفوح من طبخة التأليف. فمن واكب بالأمس كواليس الاتصالات الدائرة حول عملية تشكيل الحكومة العتيدة، تلمّس محاولات خفية لوضع العصي في دواليب الرئيس المكلف مصطفى أديب بغية دفعه إلى دخول “بيت الطاعة” السياسي بعد إغراقه في دهاليز ومتاهات شكلية تهدف في جوهرها إلى تدجين مفهومه “الاختصاصي” وتهجين تركيبته الوزارية المرتقبة بمزيج “تحاصصي” يحاكي طموحات الطبقة الحاكمة وتطلعات أركانها الأساسيين. وفي هذا الإطار، لاحظت مصادر مواكبة لعملية التأليف أنّ لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون بالرئيس المكلف أمس خلص إلى “لجم اندفاعة أديب عبر جملة من العوائق التي اصطدم بها، وأبرزها إصرار عون على توسعة قالب حكومته وتطعيمه بنكهة سياسية”، ومن هذا المنطلق نقلت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ ما لمسته من الأجواء التي رشحت عن اجتماع قصر بعبدا “سبّب نقزة لدى المعنيين بتسهيل عملية التأليف” وهو ما دفع ربما الرئيس المكلف إلى رفض الخوض في تحديد مهل زمنية لولادة تشكيلته “المتجانسة”.
أما على المقلب الخارجي من المشهد، فلفت الانتباه ما كشفته مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” عن عدم وجود حماسة عربية لتلقف الحكومة اللبنانية الجديدة والإقدام على مدّ جسور الانفتاح أمامها، موضحةً أنّ “الدول العربية وعلى رأسها السعودية تدعم بطبيعة الحال المبادرة الفرنسية من منطلق الحاجة الملحة لمعالجة آفة الفساد المستشرية في الدولة اللبنانية والشروع بتنفيذ إصلاحات جذرية وبنيوية تعيد الثقة الخارجية بلبنان، لكن إذا كانت هذه المشكلة لبنانية داخلية بحتة لا يمكن لأي طرف في الخارج أن يحلّها نيابة عن اللبنانيين أنفسهم، فإنّ إعادة تطبيع العلاقات العربية مع لبنان لا تتصل بهذه المشكلة، إنما بمشاكل أعمق وأخطر تتعلق تحديداً بدور “حزب الله” في تهديد الأمن القومي العربي”. وبناءً عليه، أبدت المصادر الديبلوماسية اعتقادها بأنّ طريق الرئيس المكلف مصطفى أديب سيبقى “غير سالك” باتجاه الرياض بمعزل عن مفاعيل المبادرة الفرنسية، طالما أنّه “لم يتخذ موقفاً واضحاً ينأى بنفسه وبحكومته عن “حزب الله”، ويثبت فعلاً أنه لا يقف في منطقة رمادية إزاء تدخلات الحزب العسكرية والأمنية في الشؤون الداخلية العربية”.
وفي الغضون، يواصل أديب مشوار مشاوراته الرئاسية والسياسية بمواكبة “ديبلوماسية واستخباراتية” فرنسية، وسينكب خلال الأيام المقبلة على محاولة غربلة حصيلة الأفكار والطروحات التي وضعت في عهدته، لتكون عطلة نهاية الأسبوع بمثابة “ويك أند” مفصلي لرسم معالم مسودته الوزارية الأولية، حسبما أكدت المصادر المواكبة لعملية التأليف، مشيرةً إلى أنّ “أديب كان حتى الأمس لا يزال يميل إلى تصغير حجم تشكيلته، لكن رغبة رئيس الجمهورية بتكبير حجمها أعادت الأمور خطوة إلى الوراء اضطر معها الرئيس المكلف إلى إعادة حساباته والسعي إلى التوفيق بين طرحه وطرح بعبدا، سواءً في ما يتصل بالحجم أو بنوعية الوزراء إثر سماعه من عون تمنياً بأن يكون الطابع الاختصاصي للوزراء غير منفصل عن الواقع التمثيلي السياسي للأفرقاء الأساسيين في البلد”.
وفي ما اصطدم طرح المداورة بالحقائب الذي طالب به رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل برفض غالبية المكونات والكتل النيابية الداعمة للحكومة الجديدة، أفادت مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ الثابت الوحيد حتى الساعة هو أنّ “التوقيع الشيعي” في وزارة المالية سيبقى مصاناً في التركيبة الوزارية حفاظاً على ميثاقية التواقيع الرسمية، وما عدا ذلك لا يزال خاضعاً للبحث والنقاش على طاولة الرئيس المكلف بغية رسم خارطة توزيع الحقائب والتسميات ضمن مهلة زمنية لا تتجاوز مطلع الأسبوع المقبل، كاشفةً في الوقت نفسه أنّ مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تضمنت بعض “الخطوط الحمر” المتصلة ببعض الحقائب الأساسية المعنية بشكل مباشر بالإصلاح ووقف الهدر والفساد، لا سيما منها وزارتا الطاقة والاتصالات اللتان أصبحتا على ما يبدو شبه محسومتين لصالح توليهما من قبل شخصيتين تمت تسميتهما سلفاً برعاية مباشرة من الجانب الفرنسي”.
وتوازياً، عاد هاجس العقوبات الأميركية ليخيّم في أجواء أركان السلطة تحت وطأة إعلان المبعوث الأميركي ديفيد شينكر عن قرب صدور حزمة جديدة من العقوبات تطال شخصيات لبنانية بموجب “قانون ماغنيتسكي”. وفي حين كانت دوائر قصر بعبدا تروّج أنباء تقلل من وقع عدم إدراج المسؤولين الرسميين على جدول لقاءات شينكر على اعتبار أنه “سيعود مجدداً خلال أسابيع في زيارة رسمية”، كانت المعلومات المتواترة عبر قنوات ديبلوماسية وإعلامية تفيد ليلاً بأنّ من بين الشخصيات التي ستنضم إلى لائحة العقوبات المنتظرة “وزيراً مسيحياً سابقاً من ضمن الحلقة المقربة للرئيس عون ونائباً مسيحياً محسوباً على محور الممانعة”.