شهر كامل اليوم على الانفجار المزلزل الذي ضرب بيروت من مرفأ بيروت في الرابع من آب وأحدث دمارا هائلا فيها لا يقاس بحجمه المخيف الدمار الذي خلفته جولات الحروب والاجتياحات كما تسبب بحصيلة بشرية مأسوية فاقت الـ 190 شهيدا و5600 جريح الى اكبر حصيلة من المتضررين من الانفجار تجاوزت الـ300 الف متضرر في منازلهم ومؤسساتهم ومتاجرهم وممتلكاتهم على أنواعها . لم يقف الامر عند حصيلة الضحايا والخسائر البشرية والمادية والاقتصادية المخيفة بل تمدد بقوة الى مجمل المشهد اللبناني بحيث استعاد لبنان صورة البلد المنكوب والمشارف الانهيار الكبير النهائي اذ جاءت كارثة انفجار المرفأ الذي لا يزال التحقيق القضائي والجنائي الجاري فيه بمساعدة من أجهزة غربية جاريا من دون الجزم بعد بالاتجاهات الحاسمة لأسبابه وظروفه الملتبسة لتفاقم بقوة مخيفة الأحوال البائسة والكارثية للبنان واللبنانيين. ولم يكن أدل على الانقلاب الصاعق الذي حفره انفجار المرفأ مع ضحاياه وأضراره ودماره من انقلاب مماثل في تعامل العالم مع البلد المنكوب، اذ بعد شهر من الانفجار، بات يمكن القول ان الرابع من آب صار تاريخا مفصليا لم يعد ما بعده كما كان ما قبله في الكثير من وجوه المشهد اللبناني الداخلي والخارجي. واذا كان لا حاجة للبنانيين لاعادة تذكيرهم بحدث كارثي لا يزال يجرجر ذيوله حتى الان، ولا يزال غبار الركام والحطام وآثار الدمار يعلو مجمل الصورة، فلا بد من التوقف عند حصيلة مجريات المبادرة الفرنسية التي غطت على معظم التحركات الدبلوماسية والإغاثية الدولية التي تدفقت ولا تزال تتدفق على لبنان باعتبار ان زيارتين متعاقبتين للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبيروت في اقل من شهر رسمتا معالم واقع سياسي يفترض ان يحمل تطورات جديدة بدءا من استعجال تشكيل الحكومة الجديدة وانطلاقا نحو برمجة إصلاحية حقيقية وجادة هذه المرة والا انزلقت البلاد نحو عزلة لعلها لم تشهد اقسى منها حتى الان.
والواقع ان مجريات استحقاق تشكيل الحكومة بدت بعد يومين من الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي للبنان كأنها أدخلت مبكرا جدا الى غرفة العمليات السياسية العاجلة ولا نقول العناية الفائقة لان جميع المعنيين بطبخة التأليف من القوى التي محضت رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب موافقاتها على تكليفه واستعداداتها لترجمة التزاماتها بالتعاون لتسهيل ولادة سريعة لحكومته يؤكدون انه لن تكون هناك تعقيدات وصعوبات من النوع الذي يؤخر اندفاعة الرئيس المكلف نحو استعجال تأليف الحكومة ولو ان الخوض في التفاصيل الإجرائية لمسودة التأليف سيبدأ في الساعات والأيام القليلة المقبلة. وتبين بعد اللقاء الأول العملي الذي عقده امس الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية ميشال عون لتقويم نتائج الاستشارات التي اجراها أديب مع الكتل النيابية والنواب في عين التينة اول من امس انه لم يتم التوافق بينهما بعد على حجم الحكومة، كما لم يتوغل البحث بعد الى الإطار الأولي لتوزيع الحقائب باعتبار ان الغوص في التفاصيل يقتضي بت نقطة الانطلاق الأساسية في عملية تشكيل الحكومة وهي تسليم جميع القوى باطلاق يد الرئيس المكلف بتأليف حكومة اختصاصيين مستقلين ولا حزبيين، وهو الامر الذي لم يبت بعد. وأفادت المعلومات ان أديب ابلغ الى عون ان الكتل النيابية أبدت رغبتها في التعاون من دون طرح مطالب محددة، وان عون وأديب لم يدخلا في موضوع الأسماء المرشحة او المقترحة للتوزير في الحكومة او توزيع الحقائب ولكن جرى التركيز على توزير اختصاصيين. كما توافق عون وأديب وفق المعلومات على أولوية الإصلاحات ومكافحة الفساد. وذكر ان عون ابلغ أديب انه يفضل حكومة بين 20 و24 وزيرا لكي تسند حقيبة واحدة لكل وزير ويتفرغ لها الوزير فيما يفضّل أديب حكومة مصغرة من 14 وزيرا. ويرفض أديب التقيد علناً باي مهلة لتأليف الحكومة لكنه يؤكد انه يعمل لتأليفها بسرعة. ورجحت معلومات ان ينجز تصوره للحكومة في نهاية الأسبوع الحالي. وهو اكد بعد لقائه وعون امس “اقتناعه ورغبته في ان يتشكل فريق عمل متجانسا” مشددا على حكومة اختصاصيين تسعى للعمل بسرعة وبشكل عاجل من اجل وضع الإصلاحات موضع التنفيذ”. وأفادت معلومات ان ثمة اتصالات اجريت بين الثنائي الشيعي والرئيس سعد الحريري في اطار البحث في ملف تشكيل الحكومة.
شينكر بلا أضواء
وسط هذه الأجواء بدا لافتا ان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر عقد لقاءات في يومه الثاني في بيروت بعيدا من الأضواء علما انه لم يلتق أي شخصية رسمية باستثناء قائد الجيش العماد جوزف عون الذي زاره شينكر في مكتبه في اليرزة وبحث معه في الدعم الأميركي للجيش وبرامج التعاون بين الجيشين الأميركي واللبناني. وابرز لقاءات شينكر كان ليل امس في زيارة قام بها لبكفيا ملبيا دعوة رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الى عشاء مع عدد من النواب المستقيلين. وعلمت “النهار” ان شينكر سيعود الى لبنان بعد أسابيع قليلة علما انه حتى ليل امس لم يطلب أي لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري تبعا لما كان يتوقعه البعض في اطار تولي شينكر التفاوض مع بري حول ملف ترسيم الحدود اللبنانية البرية والبحرية مع إسرائيل.
ومن التحركات البارزة نحو لبنان أيضا بدأ امس امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين موفدا من البابا فرنسيس “زيارة تضامن مع بيروت وعائلاتها المسيحية وجميع اللبنانيين” وذلك عشية يوم الصلاة العالمي من اجل لبنان الذي دعا اليه البابا فرنسيس الأربعاء الماضي. وقام الكاردينال بارولين فور وصوله بزيارة لكاتدرائية القديس جرجس المارونية في وسط بيروت حيث عقد لقاء جامعا لرجال دين مسيحيين ومسلمين ثم جال على مسجد محمد الأمين في وسط بيروت وكاتدرائية القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس وكاتدرائية مار الياس للروم الملكيين الكاثوليك. وقال الكاردينال بارولين “ان لبنان ليس وحده ونحن نقف الى جانبكم بصمت وبتضامن لنعبر عن محبتنا لكم”. وشدد على ان رسالة الفاتيكان هي “عدم ترك لبنان وحيدا فلبنان في حاجة الى العالم ولكن العالم يحتاج الى خبرة لبنان الفريدة والتضامن والحريّة التي يمثلها لبنان ومعا سنعيد بناء بيروت”.
بين المطار ومار مخايل
اما المفارقة اللافتة التي برزت عشية مرور شهر على انفجار مرفأ بيروت فبرزت مع الضجة الواسعة التي نشأت عن تسريب مراسلات تتصل بوضع خطير محتمل في مطار رفيق الحريري الدولي جراء عدم اجراء اعمال الصيانة على مباني قديمة تستعمل لتخزين الفيول وتزويد الطائرات الوقود. وعلى جاري ما حصل في ملف انفجار المرفأ بدأت الردود والردود على الردود في المراسلات والكتب بين وزارة الاشغال ورئاسة الجمهورية وديوان المحاسبة ودوائر المطار والشركات المتعهدة والنيابة العامة وصولا الى وزارة المال التي حولت مساء المبالغ المطلوبة للصيانة.
اما الواقعة الثانية فكانت في ضجة من نوع مختلف اثارتها معلومات مفاجئة عن تلقي فريق تشيكي كان يعمل في البحث والتنقيب في ركام منزل مدمر في حي مار مخايل إشارات الى امكان وجود جثتين تحت الركام وان إشارات تلقاها الفريق من كاميرات حرارية وكلب مدرب حيال امكان وجود احد الأحياء بين الأنقاض . ومع الاستبعاد الكامل لهذا الاحتمال بعد شهر من الانفجار تكثفت عمليات البحث في الأنقاض بحذر وبطء على ان تستؤنف اليوم بعدما اثارت المعلومات عنه امالا واسعة على رغم الاستحالة الواقعية للعثور على احياء بعد.