اختفت تماماً أمس السياسة واستحقاقاتها وكل ما يتصل بيوميات الثرثرة الرسمية والسياسية، لانه كان يوم مرور شهر كامل على إحدى أسوأ الكوارث التي ضربت بيروت في الرابع من آب. مشاهد مفعمة بالتأثر الشديد لم يكن اقلها اضاءة حقل من ستة الاف شمعة قرب موقع الانفجار في مرفأ بيروت بعدد جرحى الانفجار المزلزل الذي حصل في السادسة والدقيقة السابعة من مساء الثلثاء 4 آب ناهيك عن نشاطات أخرى مختلفة أحيت الذكرى في الساعة نفسها. تجمدت بيروت كلها بمناطقها وشوارعها وأحيائها في دقيقة حزن عارمة وسط قرع أجراس الكنائس ورفع آذان المساجد تحية لأكثر من 190 شهيدا سقطوا في ذاك اليوم المشؤوم بما اختصر مآلا دراماتيكيا ضرب لبنان كله بعاصفة كارثة لم تتضح حتى الساعة ظروفها الكاملة بعد رغم مهلة الخمسة أيام التي حددها العهد ومجلس وزراء الحكومة المستقيلة، قبل ان تستقيل، لكشف وقائع الكارثة الجنائية بكل معايير الجريمة التي ترتد أولا وأخيرا على اهل السلطة أولا ومن ثم الأجهزة والسلطات الأمنية والإدارية الأخرى. ومع ان التحقيق القضائي يستمر مع المحقق العدلي ومع توقيفات عدة حصلت فان ذلك لا يحجب التداعيات المخيفة للكارثة التي بدا احياء ذكرى مرور الشهر الأول عليها امس كأنه استعادة كاملة وثقيلة وشديدة الاسى لكل ما مر على لبنان منذ لحظة الانفجار المزلزل حتى البارحة. واما التطور اللافت الذي واكب احياء الذكرى الشهرية الأولى للانفجار فكانت في إنشداد الرأي العام الداخلي لليوم الثاني الى اعمال البحث بين الأنقاض في مبنى مدمر في حي مار مخايل التي يتولاها فريق إغاثة وبحث تشيلي على فرضية وجود نبض بشري اثار احتمال وجود شخص ناج بين الأنقاض على رغم صعوبة ان يكون هذا الاحتمال واقعيا. ومع ذلك عكس استمرار الفريق التشيلي في البحث الحجم الذي اتخذته هذه القضية في ظل الانفعالات الشديدة التي اثارتها الكارثة بحيث ضجت الساحة التعبيرية والإعلامية بإدانة السلطة اللبنانية مقارنة بتفاني الفريق التشيلي ومضيه في البحث ولو ان رئيس الفريق اعلن مساء عدم التوصل بعد الى أي نتيجة حاسمة رافضا أي استنتاج سلبي او إيجابي قبل انتهاء اعمال البحث.
مفاوضات التأليف
وسط هذه الأجواء بدا مشهد استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة امس جامدا اقله في الظاهر بحيث لم تسجل علناً أي تحركات للرئيس المكلف مصطفى أديب او أي تحركات أخرى سياسية. ولكن المعلومات التي توافرت في هذا السياق لا تعكس واقعيا أي جمود بل تشير الى ان الاتصالات والمشاورات جارية بعيدا عن الأضواء بين اديب ومعظم القوى التي ايدت تكليفه .
وبعيداً من الاضواء بدأت مفاوضات تأليف الحكومة، بعدما تشاور رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف بشكلها ومهماتها.
وتشير المعطيات القليلة المتوافرة الى ان عدد اعضاء الحكومة قد يكون عشرين وزيراً اي بين ما كان يفضله رئيس الجمهورية ٢٤ وما كان يفضله الرئيس المكلّف ١٤ وزيراً من اجل ان يتمكن كل وزير من التفرغ لوزارته وما تحتاجه من ورشة اصلاحات مطلوبة من هذه الحكومة.
وتشير المصادر الى ان مسألة التوقيع الشيعي والاحتفاظ بوزارة المال للطائفة الشيعية لن يثير مشكلة وقد يتم التفاهم عليه بين الثنائي الشيعي ورئيس “التيار الوطني الحر” انطلاقاً من مبدأ الميثاقية. كذلك لن تشكل المداورة عقدة بحيث يسمي رئيس الجمهورية ثلاثة اسماء مقبولة في وزارات الخارجية والعدل والطاقة، وتبقى الحقائب السيادية والاساسية على توزيعها الحالي.
وعلم ان الرئيس المكلّف لم يحسم رأيه بعد بتوزير مسيسين فيما تلقى نصيحة بأخذ رأي رؤساء الكتل في تسمية ممثليهم نظراً لكون الحكومة تحتاج الى ثقة الكتل النيابية.
وأفادت مصادر أخرى مواكبة للاتصالات الجارية “النهار” ان ثمة اتجاها لدى الرئيس المكلف الى تسريع تشكيل الحكومة ضمن فترة قصيرة قياسية. وعلى ضرورة التريث في تحديد أي مواعيد غير ثابتة في هذا الصدد فان المصادر نفسها تلفت الى مناخ عام مختلف تماما هذه المرة في مجريات تشكيل الحكومة الجديدة، وطبعا يعود الكثير من مسبباته الى الرعاية الفرنسية الضاغطة باستمرار للدفع نحو استعجال تأليف الحكومة والشروع في تنفيذ الاجندة الطارئة لمهماتها والتي توافق عليها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع القيادات السياسية اللبنانية في اجتماع قصر الصنوبر. ومع ذلك فان الأيام القليلة المقبلة ستشكل الاختبار والمحك الحاسمين لالتزام القوى السياسية ما تعهدته سواء في لقاءاتها مع ماكرون او في الاستشارات النيابية التي اجراها الرئيس المكلف لجهة تسهيل الولادة الحكومية والدفع نحو استعجالها كما لجهة تأليف حكومة اختصاصيين. وتكشف المصادر ان ثمة مسائل لم تبت تماما وبشكل حاسم بعد من شأنها ان تبقي باب المفاجآت قائما بمعنى تأخير الاتفاق على التركيبة الحكومية قبل بت هذه المسائل ومنها توزيع الحقائب السيادية والخدماتية وما اذا كان الجميع سيوافقون على اسقاط حصرية الحقائب لبعض الافرقاء كحقيبة المال للفريق الشيعي والطاقة للتيار الوطني الحر . ثم ان ثمة شكوكا حيال امكان تحفظ أطراف مثل “حزب الله” على حصر الحكومة باختصاصيين غير سياسيين وغير حزبيين وما اذا كان ذلك سيؤدي الى استيلاد مواقف مقابلة من أطراف آخرين بما يهدد مسعى الرئيس المكلف الى تأليف حكومة اختصاصيين صرفة .
وطبقا لما كانت أوردته “النهار” قبل يومين افادت وكالة رويترز نقلا عن مصادر لبنانية ان المدير العام لجهاز المخابرات الفرنسية السفير الفرنسي السابق في لبنان برنار إيمييه انضم الى الجهود لدفع لبنان لتشكيل حكومة جديدة واجراء الإصلاحات. وقال ثلاثة مسؤولين لبنانيين ان ايمييه على اتصال بمسؤولين لبنانيين في شأن القضايا التي نوقشت خلال زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون الأخيرة لبيروت . وردا على سؤال عما اذا كان ايمييه يلعب دورا في هذا الشأن قالت الرئاسة الفرنسية ان “الرئيس يقوم بالمتابعة وكل شخص داخل الدولة يقوم بعمله وسيقوم وزير الخارجية باجراء الاتصالات اللازمة أيضا. واكد مسؤول لبناني ان ايمييه يتابع جميع الملفات التي قدمها ماكرون في زيارته الأخيرة ولذا فهو على اتصال بالعديد من المسؤولين اللبنانيين من مختلف الأطياف السياسية ويحثهم على الإسراع في تنفيذ الإصلاحات.
الرسالة البابوية
في غضون ذلك برزت مواقف امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين موفدا من البابا فرنسيس الى لبنان تزامنا مع يوم الصلاة والصوم العالمي الذي اعلنه البابا من اجل لبنان . ونقل الكاردينال بارولين خلال محطات تجوله بين بعبدا وبكركي ومنطقة الكرنتينا “رسالة تضامن من قداسة البابا فرنسيس الى الشعب اللبناني بجميع فئاته في هذا الظرف الأليم الذي يجتازه بعد الانفجار الأليم الذي هز العاصمة بيروت “. وشدد على ان ” للبنان مكانة خاصة لدى الكرسي الرسولي وهو موضع عناية واهتمام نظرا الى ما يمثله من قيمة ونموذج للعيش معا بجميع أبنائه مسيحيين ومسلمين “. وكرر ان “لبنان ليس وحيدا ابدا في الظرف الأليم الذي يجتازه مشددا على “ثبات الكرسي الرسولي في الوقوف الى جانب لبنان لانه وطن جدير بالحياة والبقاء”.