سكونٌ يصمّ الآذان سياسياً وحكومياً، وصراخ الناس يتعالى داخل “طائرة” تهوي بسرعات قياسية نحو الارتطام الكبير بأرض التفليسة، بينما المتحكّمون بقمرة القيادة يتعامون عن كل المؤشرات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والحياتية المنذرة بفقدان السيطرة على الوضع وسط تسارع الخطى الآيلة إلى تجفيف منابع الدعم عن السلع الحيوية وجفاف خراطيم البنزين في المحطات وتناقص مخزون الأدوية في المستودعات. فإذا كان من لعنة القدر ونكد الدهر أن توكل مهمة الإنقاذ إلى أرباب الإفساد، لا بد بالتالي من أن يستمر اللبنانيون أسرى ذهنية حكام يائسين بائسين لا يزالون ينقبون تحت أنقاض الهيكل عن أدوار مفقودة وحصص موعودة حتى الرمق الأخير.
وليس بعيداً عن هذه الذهنية، تدور المعطيات المتصلة بملف التأليف، لتبرز بين الحين والآخر معضلة تمثيل هذا الفريق أو ذاك، مباشرةً أو مواربةً في تشكيلة مصطفى أديب، والجديد القديم الذي يعود إلى الواجهة مع كل توليفة حكومية مسألة الحصة التمثيلية التي سينالها “التيار الوطني الحر” في الحكومة لا سيما وأنّ إقصاء “التيار” عن حقيبة الطاقة كان له الوطأة الأقسى على رئيسه جبران باسيل، فسعى إلى قلب طاولة المعادلة على الحلفاء عبر طرح فكرة المداورة في الحقائب، لكن بعدما خاب رهانه على إمكانية إقصاء “حركة أمل” عن وزارة المالية أسوةً بسحب بساط الطاقة من تحت أقدامه، يبدو باسيل متجهاً إلى شهر سيف “المقاطعة” والتلويح به في مواجهة حكومة أديب على قاعدة: “عليّ وعلى الثنائي الشيعي” فإما ندخل معاً الحكومة بحصص موازية أو نسحب الغطاء المسيحي عنكم!
ولأنّ الأسبوع الجاري سيشهد إنضاج الطبخة الحكومية العتيدة، توقعت مصادر مواكبة لمشاورات التأليف لـ”نداء الوطن” أن يزيد منسوب الحماوة والضغوط خلال الأيام المقبلة على الرئيس المكلف “لتحصيل ما يُمكن تحصيله منه على مستوى تمثيل المكونات السياسية في تشكيلته على اعتبار أنّ تعطيل التأليف خيار غير متاح فرنسياً ولعبة استنزاف الوقت غير قابلة للحياة خارج نطاق مهلة الـ15 يوماً التي حددها الرئيس إيمانويل ماكرون”، مؤكدةً أنّه “خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة ستتبلور الكثير من التوجهات في ضوء ما سيخلص إليه اجتماع قصر بعبدا المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف”، وسط ترجيح أن يسبق أو يلي هذا الاجتماع “لقاء مفصلي” بين الرئيس المكلف وباسيل يحدد الأخير بموجب نتائجه اتجاه الأمور على صعيد “الارتباط أو فك الارتباط” بينه وبين حكومة أديب في حال عدم الأخذ بالحد الأدنى من مطالبه الوزارية.
وبينما حسم معظم الأطراف الداعمة للتكليف توجهاتهم إزاء التأليف، سواءً بعدم المشاركة كـ”المستقبل” و”الاشتراكي” أو بالمشاركة كثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” تحت ستار “ميثاقية التوقيع الثالث” في وزارة المالية، كشفت المصادر أنّ الوزير السابق علي حسن خليل أبلغ الرئيس المكلف صراحةً بأنّ الثنائي الشيعي يعتبر “وزارة المال خارج أي مفهوم للمداورة ولا مجال للتراجع عن ذلك”، لافتةً إلى أنّ “ما عزز هذا الموقف هو ما استُشف من الاتصالات الفرنسية المواكبة لعملية التأليف بأنّ باريس لا تعارض هذا الأمر لرغبتها بأن تحظى حكومة أديب بغطاء سياسي لمهمتها الإصلاحية لا سيما على مستوى التعاون المطلوب بينها وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار القوانين والمراسيم ذات الصلة بهذه المهمة”.
من ناحيتها، تؤكد مصادر التقت الرئيس المكلف لـ”نداء الوطن” أنه يرى الأمور متجهة نحو خواتيم إيجابية ضمن سقف المهلة الفرنسية الممنوحة للتأليف، كاشفةً أنه “سيواصل هذا الأسبوع عملية استمزاج الآراء دون حسم أي من توجهاته، لا في الشكل ولا في تقسيم الحقائب والمداورة، على أن يضع ما يراه مناسباً من تعديلات على تصوره الأولي لحكومته تمهيداً لبلوغ مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب الأسبوع المقبل قبيل زيارته بعبدا حاملاً تشكيلته النهائية”.
أما في جديد تحقيقات انفجار المرفأ، فلاحظت مصادر مواكبة للملف “بوادر لفلفة للقضية” من خلال ما أثير خلال الساعات الأخيرة عن عدم إقدام رئيس الجمهورية على توقيع مرسوم إعفاء المدير العام للجمارك بدري ضاهر من مهامه الوظيفية ووضعه في تصرف رئيس مجلس الوزراء، رغم أنّ المرسوم حاز على كل التواقيع اللازمة من رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير المال غازي وزني. وبرز في السياق عينه، ما كشفه مساءً الإعلامي المتخصص في قناة “الجديد” رياض قبيسي عن إحالة ضاهر إلى التوقيف في أحد “مكاتب” إدارة الجمارك رغم أنّ الجمارك لا تملك سجوناً مخصصة للتوقيفات، معتبراً أنّ هذه الخطوة تأتي في إطار التمهيد لتبرئة ضاهر بضغط عوني من دون أن يستبعد عودته “محمولاً على الأكف” إلى المرفأ. كذلك كشف ان مسؤولين أمنيين آخرين موقوفين نقلوا الى “سجون” اختاروا ان تكون في المؤسسات التي يتبعون لها!