بينما كان اللبنانيون يتندّرون على ما وصل إليه عُسر الحال في البلاد من خلال التداول بخبر الرسالة التي خطّها رئيس الجمهورية ميشال عون لنظيره السريلانكي مثمناً معونة “الشاي السيلاني” التي تولت دوائر قصر بعبدا توزيعها على عائلات الحرس الجمهوري، سرعان ما انقلبت الصورة من هزلية إلى جدّية على الساحة الداخلية مع نزول خبر فرض عقوبات على إثنين من “صقور” 8 آذار كالصاعقة على رؤوس السلطة. فإدراج الخزانة الأميركية إسمين من الصف القيادي الثاني ضمن فريق حلفاء “حزب الله” زلزل أرضية قوى الثامن من آذار و”خلخل” على وجه الأخص أحد مفاصل “الخليلين” المعاونين لرأس الهرم في هذه القوى، حتى أتت معاقبة علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بما ومن يمثلان، لتكون بمثابة مؤشر على أنّ حبل الخناق بدأ يضيق حول عنق الطبقة الحاكمة بعدما “وصل الموس للذقن” بالأمس، لتبدأ عملياً الرؤوس الكبيرة على ضفة أعوان “حزب الله” وحلفائه حبس الأنفاس وتحسّس الرقاب بانتظار اتضاح من ستشمله مقصلة العقوبات في جولاتها وصولاتها التالية.
عملياً، وعلى فداحة الخسائر المعنوية التي ألحقتها بمحور 8 آذار، أصبحت الأنظار متجهة لما بعد بعد العقوبات على فنيانوس وخليل باعتبارها ليست سوى فاتحة الأسماء الوازنة في كفة حلفاء “حزب الله”، ليليها في الأسابيع المقبلة إدراج أسماء أخرى من “أكبر رموز الفساد في لبنان من حلفاء الحزب” وفق التأكيدات الأميركية التي توالت ليلاً على أكثر من مستوى في واشنطن مواكبةً للحدث الجلل الذي أصاب صميم قوى 8 آذار أمس، وسط تعمّد الخزانة الأميركية التشهير بوزيري المالية والأشغال السابقين باعتبارهما “متورطين بعمليات فساد”. وأوضحت “الخزانة” أنّ فنيانوس كوزير للنقل والأشغال العامة ساعد “حزب الله” لسحب الأموال من الميزانيات الحكومية لضمان فوز شركات مملوكة من قبل الحزب بمناقصات لعقود حكومية لبنانية تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، وتلقى في المقابل من “حزب الله” مئات آلاف الدولارات مقابل خدمات سياسية، فضلاً عن مساعدته الحزب في الوصول إلى وثائق قانونية حساسة تتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان”. أما خليل فعمل كوزير للمالية على “نقل أموال من الوزارات الحكومية إلى المؤسسات المرتبطة بـ”حزب الله” بطريقة يتجنب من خلالها العقوبات الأميركية، وأعفى أحد المنتسبين للحزب من دفع ضرائب ورفض في المقابل توقيع شيكات مستحقة لموردين حكوميين طالباً الحصول على عمولات ونسب من العقود”.
وبناءً عليه، وضع كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية عقوبات الأمس في إطار كشف النقاب عن كيفية “تورط السياسيين اللبنانيين في الفساد والتآمر مع حزب الله”. ورأى وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أنّ فنيانوس وخليل “فاسدان أساءا استخدام مناصبهما لتقديم دعم مادي للحزب”، في وقت سارع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر إلى التشديد على وجوب اعتبار سلة العقوبات الجديدة بمثابة “رسالة إلى كل من يتعامل مع حزب الله”، مفادها أنّ “العقوبات ستتواصل على كل من يوفر دعماً ومساعدة للحزب، وعلى حلفائه أن يعرفوا أننا سنلاحقهم في المستقبل والضغوط ستزيد”.
وإذا كانت الساعات المقبلة ستعكس في طياتها كيفية تلقف قوى 8 آذار لهزّة العقوبات وارتداداتها على الملفات الداخلية، فإنّ أغلب الظن يجنح نحو استبعاد أن يكون للمعطى المستجد انعكاسات سلبية على ملف تأليف الحكومة، لا بل قد يشكل بحسب ما أعربت مصادر متابعة لـ”نداء الوطن” قوة دفع حاسمة نحو الالتزام بسقف المبادرة الفرنسية لعدة أسباب أبرزها “الخشية من أن يلاقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأميركيين في فرض عقوبات أوروبية موازية للعقوبات الأميركية على حزب الله وحلفائه في حال تعطيل مبادرته الحكومية، وعدم رغبة رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في الإقدام على أي “دعسة ناقصة” تسبق صدور سلة العقوبات الأميركية المقبلة، ربطاً بما شكلته عقوبات الأمس من مؤشر حاسم يؤكد ألا “خيمة” فوق رأس أي طرف أو جهة أو حزب أو تيار من حلفاء حزب الله”.
وفي الغضون، يواصل الرئيس المكلف مصطفى أديب شق طريقه بخطوات ثابتة على سكة التأليف ملتزماً أصول الدستور والمشاورات في عملية تشكيل الحكومة بعيداً عن أعراف و”خزعبلات” الطبقة السياسية الحاكمة، وهو في هذا السياق بدا بالأمس حريصاً على بروتوكول التشاور مع رئيس الجمهورية من خلال زيارته قصر بعبدا لوضع عون في أجواء الجهود التي يبذلها لولادة الحكومة العتيدة لكن “من دون أن يحمل معه أي مسودة حكومية أو تشكيلة أولية إلى القصر الجمهوري” وفق ما أكدت مصادر مطلعة على أجواء الزيارة لـ”نداء الوطن”، مشيرةً إلى أنّ أديب تداول مع عون “بأفكار وعناوين معينة ينوي جوجلة الآراء إزاءها تباعاً مع الكتل النيابية خلال الأسبوع الجاري ليعود إلى عقد لقاء آخر مع رئيس الجمهورية نهاية الأسبوع لإطلاعه على حصيلة المشاورات”. ونقلت المصادر عن الرئيس المكلف أنه “متفائل ليس لأنّ طريقه مفروش بالورد بل لأنّه يعول على التزام الأفرقاء السياسيين بالوعود التي قطعوها للرئيس الفرنسي”، مؤكدةً أنّ “البحث لم يصل بعد إلى مرحلة توزيع الحقائب إنما يتمحور حالياً حول المعايير الواجب اعتمادها في تشكيل الحكومة”.
وفي المقابل، لا تخفي أوساط مواكبة لأجواء الرئاسة الأولى “توجس” عون من مقاربة أديب لملف تشكيل الحكومة بشكل أحادي لا يلتزم أصول الشراكة الدستورية في التأليف بين الجانبين، ونقلت لـ”نداء الوطن” أنّ رئيس الجمهورية لن يقبل بأن يكون “آخر من يعلم” بتشكيلة الحكومة التي سيوقع على مرسوم تأليفها ولا يمكن الرهان على إمكانية وضعه أمام “تشكيلة أمر واقع”، وعليه لا بد من عقد لقاء آخر نهاية الأسبوع بينه وبين الرئيس المكلف يتم خلاله التباحث في “مسودة الأسماء والحقائب” قبل تبنيها نهائياً في زيارة لاحقة لتقديم التشكيلة النهائية إلى رئيس الجمهورية، موضحةً في هذا السياق أنّ عون لا يزال عند رأيه “بضرورة توسيع التشكيلة الوزارية لتبلغ أقله 20 وزيراً على شاكلة التركيبة العددية لحكومة حسان دياب، من دون استثناء إمكانية اعتماد المداورة في الحقائب وتطعيم الحكومة بأبعاد سياسية لا تتعارض مع طبيعتها الاختصاصية إنما تهدف إلى تأمين مظلة سياسية داعمة لمهمتها الإصلاحية”.