في غمرة الانهماك اللبناني بعملية تشكيل الحكومة، وغرق قوى السلطة في مطالبها وشروطها للمحاصصة الوزارية، أتت على حين غفلة حزمةٌ من العقوبات الأميركية طالت الوزيرين السابقَين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، بتهم ”فساد ومساندة حزب الله”. وفيما هدّدت وزارة الخزانة الأميركية بفرض المزيد من العقوبات على كل شخصية سياسية تساند حزب الله، كان الواقع اللبناني يعيش صدمة العقوبات التي قوبلت بصمتٍ سياسي، وخشية على كل المساعي المبذولة لتأليف الحكومة.
وقالت مصادر سياسية مطّلعة عبر “الأنباء” إنه، “طالما أن العقوبات استهدفت المعاون السياسي للرئيس نبيه بري فهي تحمل رسالة من شقَّين: ضرورة تقديم تنازل في ملف ترسيم الحدود البحرية، والتنازل لتسهيل عملية تشكيل الحكومة، وخاصةً في موضوع وزارة المالية، طالما أن العقوبات فُرضت بسبب اتهامات أميركية حول تجاوزات في الوزارة لصالح حزب الله، ما يعني أن واشنطن ترفض استلام حركة أمل لوزارة المال”.
وفيما اعتبرت المصادر أن، “هذه العقوبات ربما تدفع القوى إلى تسريع تشكيل الحكومة، وعدم التشبّث طالما أن التلويح بالعقوبات انتقل إلى التنفيذ، ما يعني في هذه الحال أن العقوبات الأميركية تتماهى مع المبادرة الفرنسية وتضغط لتنفيذها. أما بحال كان هناك تشدّد وتصعيد، فيعني ذلك أن العقوبات كانت إسفيناً يدق في جسد المبادرة الفرنسية”.
وكانت اتجهت الأنظار أمس إلى قصر بعبدا بعدما كان من المحتمل أن يحمل الرئيس المكلّف، مصطفى أديب، معه تشكيلة حكومية أولية مصغّرة ليعرضها على رئيس الجمهورية، ميشال عون، وهو الأمر الذي لم يحصل حيث اكتفى أديب بالقول إن الزيارة كانت في سياق التشاور.
وقد بات واضحاً أن العلاقة ليست كما يرام بين عون وأديب في ظل كباشٍ بين الرجلين حول بعض النقاط، وملاحظات في القصر الجمهوري حول طريقة عمل أديب… فما حقيقة ما يجري في كواليس عملية التأليف، في ظل التكتم غير المسبوق الذي يحيط بها؟
حركة غير روتينية أو اعتيادية كان شهدها القصر الجمهوري يوم أمس الأول بعيداً عن الإعلام وبلا ضجيج، لكن بحسب ما تكشف معلومات “الأنباء” فإن تلك الحركة كانت تنصبُّ للبحث عن اتّفاق حول شكل الحكومة وتركيبتها يتوافق عليه كل الأفرقاء. وتفيد المعلومات بأن تلك الحركة كانت تهدف إلى إقناع رئيس الجمهورية بتخفيض سقفه التصعيدي حول عملية تشكيل الحكومة، وتخفيض العدد الذي يطالب به لتأليفها وهو 24 وزيراً، مقابل إقناع رئيس الحكومة المكلّف لرفع عدد وزراء حكومته إلى عشرين بدلاً من 14.
وأفادت مصادر مطّلعة أن عون يريد رفع عدد الوزراء ليوسّع حجم التمثيل الوزاري لكل الأفرقاء من جهة، وليستعيد قوة دفع في البيئة المسيحية. في المقابل، فإن الرئيس المكلّف يرفض تكبير حجم حكومته، ويصّر على التمسّك بما جاء في الطرح الفرنسي، لتكون حكومةً منتجة وجدّية في عملها، ولا تدخل في زواريب الحصص، والصراع على المواقع.
وبحسب معلومات “الأنباء” فإن لقاء الأسبوع الفائت بين رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة المكلّف، الأسبوع الفائت لم يكن إيجابياً. وهناك غضبٌ عوني مما يصفه رئيس الجمهورية “بتفرّد” أديب في عملية تشكيل الحكومة، واقتصار تواصله على الفرنسيين بدون اللجوء إلى بعبدا في كل تفاصيل البحث والأفكار.
وأشارت المصادر إلى أنه، وقبيل زيارة أديب إلى قصر بعبدا يوم أمس، كان وصل إلى مسامع عون أن أديب سيتوجّه إليه حاملاً تشكيلةً وزارية من 14 وزيراً ويسلّمه إياها، فإما أن يوافق عليها وإما أن يرفضها، وبالتالي سيكون محرجاً أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي بأنه هو الذي يعرقل تشكيل حكومة التكنوقراط، ويصرّ على التدخّل في شكلها ويتحكّم بمفاصلها، ولا يزال مستمراً على تصرّفاته التي تحتكم إلى منطق الحصص والاستحواذ على كل شيء. ولكون عون لا يريد أن يتم وضعه في هذا الموقع، وكذلك حزب اللّه لا يريد الوصول إلى هذه الخانة، فقد تحركت الاتصالات على خطّ بعبدا، كما أشارت المصادر، وتم إيصال رسائل إلى رئيس الحكومة المكلّف بأن تشكيل الحكومات في لبنان يحتاج إلى مشاورات مع كل الأفرقاء، لتبقى الأبواب مفتوحةً للوصول إلى تسويةٍ ملائمةٍ للجميع.
وعليه تستمر الاتصالات بين مختلف الجهات للوصول إلى توافقٍ إنطلاقاً من التصوّر الذي يضعه مصطفى أديب، وسيكون قابلاً للمناقشة والتطوير والتعديل. وعلى ما يبدو فإن الصورة الحكومية لن تتبلور قبل نهاية الأسبوع، على أن يسبقها لقاءٌ آخر بين الرئيسين عون وأديب يوم الجمعة أو السبت، لمعرفة شكل الحكومة، وربما الأسماء التي ستشارك فيها.
مصادر مواكبة كشفت عبر “الأنباء” أن لقاء عون وأديب كان واضحاً، وأن المحادثات بينهما اتّسمت بالصراحة، وأن عون استوضح من أديب عن أجواء الاتصالات التي يقوم بها، وهو قدّم بدوره لعون العناوين الرئيسية التي ينطلق منها لتشكيل الحكومة، والتي يريدها منتجةً وقادرةً على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ البلد من أزماته مع مراعاة حقوق الطوائف، وأن تكون التشكيلة الحكومية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، وذلك لإعطاء صورة واضحة للعالم مفادها أن لبنان، رغم كل ما يعانيه من أزمات، قادر على النهوض وعلى مساعدة نفسه لإعادة موقعه على الخارطة الدولية.
المصادر أشارت إلى أن أديب أبلغ عون بالإطار الذي يتحرك من خلاله لإنجاز مهامه في التأليف، وهو يندرج بمقتضى المبادرة الفرنسية التي أشرف عليها الرئيس إيمانويل ماكرون، بالإضافة إلى الدعم الذي حصل عليه بعد التوافق على تسميته لتشكيل الحكومة من قِبل رؤساء الحكومات السابقين، وكل القيادات السنّية، بخلاف ما جرى مع سلفه حسان دياب.
من جهتها، كشفت مصادر عين التينة عبر “الأنباء” أن “ولادة الحكومة أصبحت قريبة”، وأن الرئيس نبيه بري يقوم بما يلزم لمساعدة الرئيس المكلّف.
عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى، اعتبر في حديثٍ مع “الأنباء” أنه “بقدر ما يكون هناك تجاوب من الفرقاء السياسيين فإن هذا يعني أننا ذاهبون إلى تشكيل حكومةٍ مختلفة. فالمفروض أن يقدّم كل فريق خطوةً إلى الأمام لأن البلد يمرّ بأوضاعٍ صعبةٍ للغاية، وعلينا أن نفكّر بطريقةٍ مختلفة لإنجاز التشكيلة بأسرع وقت ممكن”.
توازياً، أفادت مصادر تكتل “لبنان القوي” عبر “الأنباء” أن التكتل مع تشكيل الحكومة بأسرع وقت، وأن المعلومات التي رشحت عن زيارة أديب إلى بعبدا تؤشّر إلى أن الأمور ذاهبةٌ باتجاه تشكيل الحكومة بأسرع وقت.
وعن المداورة بالحقائب، رأت المصادر أن “هذا الموضوع هو من صلاحيات رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وهما المعنيّان بتشكيل الحكومة، وليس أي شخصٍ آخر”.